Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 8-10)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد { كيف } في هذه الآية فعل مقدر ولا بد ، يدل عليه ما تقدم ، فيحسن أن يقدر كيف يكون لهم عهد ونحوه قول الشاعر : [ الطويل ] @ وخيرتماني إنما الموت في القرى فكيف وهاتا هضبة وكثيب @@ وفي { كيف } هنا تأكيد للاستبعاد الذي في الأولى ، و { لا يرقبوا } معناه لا يراعوا ولا يحافظوا وأصل الارتقاب بالبصر ، ومنه الرقيب في الميسر وغيره ، ثم قيل لكل من حافظ على شيء وراعاه راقبه وارتقبه ، وقرأ جمهور الناس " إلاً " وقرأ عكرمة مولى ابن عباس بياء بعد الهمزة خفيفة اللام " إيلاً " وقرأت فرقة " ألاً " بفتح الهمزة ، فأما من قرأ " إلاً " فيجوز أن يراد به الله عز وجل قاله مجاهد وأبو مجلز ، وهو اسمه بالسريانية ، ومن ذلك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع كلام مسيلمة فقال هذا كلام لم يخرج من إل ، ويجوز أن يراد به العهد والعرب تقول للعهد والخلق والجوار ونحو هذه المعاني إلاً ، ومنه قول أبي جهل : [ الطويل ] @ لإل علينا واجب لا نضيعه متين فواه غير منتكث الحبل @@ ويجوز أن يراد به القرابة ، فإن القرابة في لغة العرب يقال له إل ، ومنه قول ابن مقبل : [ الرمل ] @ أفسد الناس خلوفٌ خلّفوا قـطعوا الإل وأعراق الرحم @@ أنشده أبو عبيدة على القرابة ، وظاهره أنه في العهود ، ومنه قول حسان [ الوافر ] @ لعمرك أن إلَّك في قريش كإل السقب من رال النعام @@ وأما من قرأ " ألاً " بفتح الهمزة فهو مصدر من فعل للإل الذي هو العهد ، ومن قرأ " إيلاً " فيجوز أن يراد به الله عز وجل ، فإنه يقال أل وأيل ، وفي البخاري قال جبر ، وميك ، وسراف : عبد بالسريانية ، وأيل الله عز وجل ، ويجوز أن يريد { إلاً } المتقدم فأبدل من أحد المثلين ياء كما فعلوا ذلك في قولهم أما وأيما ، ومنه قول سعد بن قرط يهجو أمه : [ البسيط ] @ يا ليت أمنا شالت نعامتها أيما إلى جنة أيما إلى نار @@ ومنه قول عمر بن أبي ربيعة : [ الطويل ] @ رأت رجلاً أيما إذا الشمس عارضت فيضحي وأما بالعشي فيخصر @@ وقال آخر : [ الرجز ] @ لا تفسـدوا آبـا لكـم أيـمـا لنـا أيمـا لـكم @@ قال أبو الفتح ويجوز أن يكون مأخوذاً من آل يؤول إذا ساس . قال القاضي أبو محمد : كما قال عمر بن الخطاب : قد ألنا وإيل علينا فكان المعنى على هذا لا يرقبون فيكم سياسة ولا مداراة ولا ذمة ، وقلبت الواو ياء لسكونها والكسرة قبلها ، والذمة " أيضاً بمعنى المتات والحلف والجوار ، ونحوه قول الأصمعي الذمة كل ما يجب أن يحفظ ويحمى ، ومن رأى الإل أنه العهد جعلها لفظتين مختلفتين لمعنى واحد أو متقارب ، ومن رأى الإل لغير ذلك فهما لفظان لمعنيين ، { وتأبى قلوبهم } معناه تأبى أن تذعن لما يقولونه بالألسنة ، وأبى يأبى شاذ لا يحفظ فعل يفعل بفتح العين في الماضي والمستقبل ، وقد حكي ركن يركن ، وقوله { وأكثرهم } يريد به الكل أو يريد استثناء من قضى له بالإيمان كل ذلك محتمل ، وقوله تعالى : { اشتروا بآيات الله } الآية اللازم من ألفاظ هذه الآية أن هذه الطائفة الكافرة الموصوفة بما تقدم لما تركت آيات الله ودينه وآثرت الكفر وحالها في بلادها كل ذلك كالشراء والبيع ، لما كان ترك قد مكنوا منه وأخذ لما يمكن نبذه ، وهذه نزعة مالك رحمه الله في منع اختيار المشتري فيما تختلف آحاد جنسه ولا يجوز التفاضل فيه ، وقد تقدم ذكر ذلك في سورة البقرة وقوله { فصدوا عن سبيله } يريد صدوا أنفسهم وغيرهم ، ثم حكم عليهم بأن عملهم سيء ، و { ساء } في هذه الآية إذ لم يذكر مفعولها يحتمل أن تكون مضمنة كبئس ، فأما إذا قلت ساءني فعل زيد فليس تضمين بوجه ، وإن قدرت في هذه الآية مفعولاً زال التضمين ، وروي أن أبا سفيان بن حرب جمع بعض العرب على طعام وندبهم إلى وجه من وجوه النقض فأجابوا إلى ذلك فنزلت الآية ، وقال بعض الناس : هذه في اليهود . قال القاضي أبو محمد : وهذا القول وإن كانت ألفاظ هذه الآية تقتضيه فما قبلها وما بعدها يرده ويتبرأ منه ، ويختل أسلوب القول به ، وقوله تعالى : { لا يرقبون } الآية ، وصف لهذه الطائفة المشترية يضعف ما ذهب إليه من قال إن قوله { اشتروا بآيات الله } هو في اليهود ، وقوله تعالى : { في مؤمن } إعلام بأن عداوتهم إنما هي بحسب الإيمان فقط ، وقوله أولاً { فيكم } كان يحتمل أن يظن ظان أن ذلك للإحن التي وقعت فزال هذا الاحتمال بقوله { في مؤمن } ، ثم وصفهم تعالى بالاعتداء والبداءة بالنقض للعهود والتعمق في الباطل .