Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-21)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أقسم الله بـ { الليل إذا يغشى } الأرض وجميع ما فيها وبـ { النهار إذا تجلى } ، أي ظهر وضوى الآفاق ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] @ تجلى السرى من وجهه عن صحيفة على السير مشراق كريم شجونها @@ وقوله تعالى : { وما خلق الذكر والأنثى } يحتمل أن تكون بمعنى الذي كما قالت العرب في سبحان ما سبح الرعد بحمده ، وقال أبو عمرو وأهل مكة يقولون للرعد سبحان ما سبحت له ، ويحتمل أن تكون { ما } مصدرية ، وهو مذهب الزجاج . وقرأ جمهور الصحابة " وما خلق الذكر " ، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وعبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم وعلقمة وأصحاب عبد الله : " والذكر والأنثى " وسقط عندهم { وما خلق } وذكر ثعلب أن من السلف من قرأ " وما خلق الذكرِ والأنثى " بخفض " الذكرِ " على البدل من { ما } على أن التقدير وما خلق الله وقراءة علي ومن ذكر تشهد لهذه ، وقال الحسن : المراد هنا بـ { الذكر والأنثى } آدم وحواء ، وقال غيره عام ، و " السعي " العمل ، فأخبر تعالى مقسماً أن أعمال العباد شتى ، أي مفترقة جداً بعضها في رضى الله وبعضها في سخطه ، ثم قسم تعالى الساعين فذكر أن من أعطى وظاهر ذلك إعطاء المال ، وهي أيضاً تتناول إعطاء الحق في كل شيء ، قول وفعل ، وكذلك البخل المذكور بعد أن يكون بالإيمان وغيره من الأقوال التي حق الشريعة أن لا يبخل بها ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق ، وذلك أنه كان يعتق ضعفة العبيد الذين أسلموا وكان ينفق في رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله ، وكان الكفار بضد ذلك ، وهذا قول من قال السورة كلها مكية ، قال عبد الله بن أبي أوفى : نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق وأبي سفيان بن حرب ، وقال مقاتل : مر أبو بكر على أبي سفيان وهو يعذب بلالاً فاشتراه منه ، وقال السدي : نزلت هذه الآية بسبب أبي الدحداح الأنصاري ، وذلك " أن نخلة لبعض المنافقين كانت مطلة على دار امرأة من المسلمين لها أيتام فكانت التمر تسقط عليهم فيأكلونه فمنعهم المنافق من ذلك ، واشتد عليهم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعنيها بنخلة في الجنة " ، فقال : لا أفعل ، فبلغ ذلك أبا الدحداح فذهب إليه واشترى منه النخلة بحائط له ، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : أنا أشتري النخلة في الجنة بهذه ، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على الحائط الذي أعطى أبو الدحداح وقد تعلقت أقناؤه فيقول : " وكم قنو معلق لأبي الدحداح في الجنة " ، وفي البخاري أن هذا اللفظ كان رسول الله صلى الله عيله وسلم يقوله في الأقناء التي كان أبو الدحداح يعلقها في المسجد صدقة " ، وهذا كله قول من يقول بعض السورة مدني ، واختلف الناس في { الحسنى } ما هي في هذه السورة ، فقال أبو عبد الرحمن السلمي وغيره : هي لا إله إلا الله ، وقال ابن عباس وعكرمة وجماعة : هي الخلف الذي وعد الله تعالى به ، وذلك نص في حديث الملكين إذ يقول أحدهما : اللهم اعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً ، وقال مجاهد والحسن وجماعة : { الحسنى } : الجنة ، وقال كثير من المفسرين { الحسنى } : الأجر والثواب مجملاً ، وقوله تعالى : { فسنيسره لليسرى } ومعناه : سيظهر تيسيرنا إياه يتدرج فيه من أعمال الخير وختم بتيسير قد كان في علم الله أولاً ، و " اليسرى " الحال الحسنة المرضية في الدنيا والآخرة ، و " العسرى " : الحال السيئة في الدنيا والآخرة ولا بد ومن جعل بخل في المال خاصة جعل استغنى في المال أيضاً لتعظم المذمة ، ومن جعل البخل عاماً في جميع ما ينبغي أن يبذل من قول وفعل قال استغنى عن الله ورحمته بزعمه ، ثم وقف تعالى على موضع غناء ماله عنه وقت ترديه ، وهذا يدل على أن الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما ماله عنه وقت ترديه ، وهذا يدل على أن الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما في المال ، واختلف الناس في معنى { تردى } : فقال قتادة وأبو صالح معناه { تردى } في جهنم ، أي سقط من حافاتها ، وقال مجاهد : { تردى } معناه هلك من الردى ، وقال قوم معناه { تردى } بأكفانه من الرداء ، ومنه قول مالك بن الربيب : [ الطويل ] @ وخطّا بأطراف الأسنّة مضجعي وردّا على عينيّ فضل ردائيا @@ ومنه قول الآخر : [ الطويل ] @ نصيبك مما تجمع الدهر كله رداءان تلوى فيهما وحنوط @@ ثم أخبر تعالى أن عليه هدى الناس جميعاً ، أي تعريفهم بالسبل كلها ومنحهم الإدراك ، كما قال تعالى : { وعلى الله قصد السبيل } [ النحل : 9 ] ثم كل أحد بعد يتكسب ما قدر له ، وليست هذه الهداية بالإرشاد إلى الإيمان ، ولو كان كذلك لم يوجد كافر . ثم أخبر تعالى أن " الآخرة والأولى " أي الدارين . وقوله تعالى : { فأنذرتكم } إما مخاطبة وإما على معنى قل لهم يا محمد ، وقرأ جمهور السبعة " تلظى " بتخفيف التاء ، وقرأ البزي عن ابن كثير بشد التاء وإدغام الراء فيها . وقرأها كذلك عبيد بن عمير ، وروي أيضاً عنه " تتلظى " بتاءين وكذلك قرأ ابن الزبير وطلحة ، وقوله تعالى : { لا يصلاها إلا الأشقى } أي { لا يصلاها } صلي خلود ، ومن هنا ضلت المرجئة لأنها أخذت نفي الصلي مطلقاً في قليله وكثيره ، و { الأشقى } هنا ، الكافر بدليل قوله الذي كذب ، والعرب تجعل أفعل في موضع فاعل مبالغة كما قال طرفة : [ الطويل ] @ تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد @@ ولم يختلف أهل التأويل أن المراد بـ { الأتقى } إلى آخر السورة أبو بكر الصديق ، ثم هي تتناول كل من دخل في هذه الصفات ، وقوله تعالى : { يتزكى } معناه : معناه يتطهر ويتنمى وظاهره هذه الآية انه في المندوبات , وقوله تعالى : { وما لأحد عنده } الآية , المعنى : وليس إعطاؤه ليجزي نعماً قد أزلت إليه ، بل هو مبتدىء ابتغاء وجه الله تعالى ، وروي في سبب هذا أن قريشاً قالوا لما أعتق أبو بكر بلالاً كانت لبلال عنده يد ، وذهب الطبري إلى أن المعنى وليس يعطي ليبث نعماً يجزي بها يوماً ما وينتظر ثوابها ، وحوم في هذا المعنى وحلق بتطويل غير مغْنٍ ويتجه المعنى الذي أراد بأيسر من قوله وذلك أن التقدير { وما لأحد عنده } إعطاء ليقع عليه من ذلك لأحد جزاء بل هو لمجرد ثواب الله تعالى وجزائه ، وقوله تعالى : { إلا ابتغاء } نصب الاستثناء المنقطع وفيه نظر والابتغاء الطلب ، ثم وعده تعالى بالرضى في الآخرة ، وهذه عدة لأبي بكر رضي الله عنه ، وقرأ " يُرضى " بضم الياء على بناء الفعل للمفعول ، وهذه الآية تشبه الرضى في قوله تعالى : { ارجعي إلى ربك راضية مرضية } [ الفجر : 31 ] الآية . انتهى .