Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 95, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف الناس في معنى { التين والزيتون } اللذين أقسم الله تعالى بهما ، فقال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وإبراهيم وعطاء وجابر بن زيد ومقاتل : هو { التين } الذي يؤكل { والزيتون } الذي يعصر ، و " أكل النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه تيناً أهدي إليه ، فقال : " لو قلت إن فاكهة أنزلت من الجنة لقلت هذه ، لأن فاكهة الجنة بلا عجم ، فكلوا فإنه يقطع البواسير وينفع من النقرس " ، وقال عليه السلام : " نعم السواك سواك الزيتون ومن الشجرة المباركة هي سواكي وسواك الأنبياء قبلي " ، وقال كعب وعكرمة : القسم بمنابتها ، وذلك أن { التين } ينبت بدمشق ، { والزيتون } ينبت بإيلياء فأقسم الله تعالى بالأرضين ، وقال قتادة : هما جبلان بالشام ، على أحدهما دمشق ، وعلى الآخر بيت المقدس ، وقال ابن زيد : { التين } مسجد دمشق ، { والزيتون } مسجد إلياء ، وقال ابن عباس وغيره : { التين } مسجد نوح { والزيتون } مسجد إبراهيم ، وقيل { التين والزيتون وطور سينين } ، ثلاثة مساجد بالشام ، وقال محمد بن كعب القرظي : { التين } مسجد أصحاب الكهف ، و { الزيتون } مسجد إيلياء ، وأما { طور سينين } ، فلم يختلف أنه جبل بالشام كلم الله عليه موسى ، ومنه نودي ، وفيه مسجد موسى فهو الطور ، واختلف في قوله { سينين } ، فقال مجاهد وعكرمة : معناه حسن مبارك ، وقيل معناه ذو الشجر ، وقرأ الجمهور بكسر السين " سِينين " ، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو رجاء بفتح السين وهي لغة بكر وتميم " سَينين " ، وقرأ عمربن الخطاب وطلحة والحسن وابن مسعود : " سِيناء " بكسر السين ، وقرأ أيضاً عمر بن الخطاب : " سَيناء " بالفتح ، و { البلد الأمين } مكة بلا خلاف ، وقيل معنى { سينين } : المبارك ، وقيل معنى { سينين } : شجر واحدتها سينية ، قاله الأخفش سعيد بن مسعدة و " أمين " : فعيل من الأمن بمعنى آمن أي آمن من فيه ومن دخله وما فيه من طير وحيوان ، والقسم واقع على قوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } ينبغي له ، ولا يدفع هذا أن يكون غيره من المخلوقات كالشمس وغيرها أحسن تقويماً منه بالمناسبة ، وقال بعض العلماء بالعموم أي { الإنسان } أحسن المخلوقات تقويماً ، ولم ير قوم الحنث على من حلف بالطلاق أن زوجته أحسن من الشمس ، واحتجوا بهذه الآية ، واختلف الناس في تقويم الإنسان ما هو ؟ فقال النخعي ومجاهد وقتادة : حسن صورته وحواسه ، وقال بعضهم : هو انتصاب قامته ، وقال أبو بكر بن طاهر في كتاب الثعلبي : هو عقله وإدراكه اللذان زيناه بالتمييز ، وقال عكرمة : هو الشباب والقوة ، والصواب أن جميع هذا هو حسن التقويم إلا قول عكرمة ، إذ قوله يفضل فيه بعض الحيوان ، و { الإنسان } هنا اسم الجنس ، وتقدير الكلام في تقويم { أحسن تقويم } ، لأن { أحسن } صفة لا بد أن تجري على موصوف ، واختلف الناس في معنى قوله تعالى : { ثم رددناه أسفل سافلين } ، فقال عكرمة وقتادة والضحاك والنخعي : معناه بالهرم وذهول العقل وتفلت الفكر حتى يصير لا يعلم شيئاً ، أما إن المؤمن مرفوع عنه القلم ، والاستثناء على هذا منقطع وهذا قول حسن وليس المعنى أن كل إنسان يعتريه هذا بل في الجنس من يعتريه ذلك وهذه عبرة منصوبة ، وقرأ ابن مسعود : " السافلين " بالألف واللام ، ثم أخبر أن { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وإن نال بعضهم هذا في الدنيا { فلهم } في الآخرة { أجر غير ممنون } ، وقال الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وأبو العالية : المعنى { رددناه أسفل سافلين } في النار على كفره ثم استثنى { الذين آمنوا } استثناء منفصلاً ، فهم على هذا ليس فيهم من يرد أسفل سافلين في النار على كفره ، وفي حديث عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا بلغ المؤمن خمسين سنة خفف الله تعالى حسابه ، فإذا بلغ ستين رزقه الإنابة ، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين كتبت حسناته وتجاوز الله عن سيئاته ، فإذا بلغ تسعين غفرت ذنوبه وشفع في أهل بيته وكان أسير الله في أرضه ، فإذا بلغ مائة ولم يعمل شيئاً كتب الله له ما كان يعمل في صحته ولم تكتب عليه سيئة . " وفي حديث " إن المؤمن إذا رد إلى أرذل العمر كتب الله له خير ما كان يعمله في قوته ، وذلك أجر غير ممنون . " و { ممنون } معناه : محسوب مصَرَّد يمن عليهم ، قاله مجاهد وغيره ، وقال كثير من المفسرين معناه مقطوع من قولهم حبل منين ، أي ضعيف منقطع ، واختلف في المخاطب بقوله تعالى : { فما يكذبك بعد بالدين } فقال قتادة والفراء والأخفش : هو محمد عليه السلام ، قال الله له : فماذا الذي يكذبك فيما تخبر به من الجزاء والبعث وهو الدين بعد هذه العبر التي ويجب النظر فيها صحة ما قلت ، ويحتمل أن يكون " الدين " على هذا التأويل جميع دينه وشرعه ، وقال جمهور من المتأولين : المخاطب الإنسان الكافر ، أي ما الذي يجعلك كذاباً بالدين ، تجعل له أنداداً ، وتزعم أن لا بعث بعد هذه الدلائل ، وقال منصور قلت لمجاهد : قوله تعالى : { فما يكذبك } يريد به النبي صلى الله عليه وسلم قال معاذ الله يعني به الشاك ، ثم وقف تعالى جميع خلقه على أنه { أحكم الحاكمين } على جهة التقرير ، وروي عن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه السورة قال : " بلى وأنا على ذلك من الشاهدين " .