Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 99, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
العامل في : { إذا } على قول جمهور النحاة , وهو الذي يقتضيه القياس فعل مضمر يقتضيه المعنى وتقديره : تحشرون أو تجازون ، ونحو هذا ، ويمتنع أن يعمل فيه { زلزلت } لأن { إذا } مضافة إلى { زلزلت } ، ومعنى الشرط فيها ضعيف وقال بعض النحويين : يجوز أن يعمل فيها { زلزلت } ، لأن معنى الشرط لا يفارقها ، وقد تقدمت نظائرها في غير سورة ، و { زلزلت } معناه : حركت بعنف ، ومنه الزلزال ، وقوله تعالى : { زلزالها } أبلغ من قوله : زلزال ، دون إضافة إليها ، وذلك أن المصدر غير مضاف يقع على كل قدر من الزلزال وإن قل ، وإذا أضيفت إليها وجب أن يكون على قدر ما يستحقه ويستوجبه جرمها وعظمها ، وهكذا كما تقول : أكرمت زيداً كرامة فذلك يقع على كل كرامة وإن قلت بحسب زيد ، فإذا قلت كرامته أوجبت أنك قد وفيت حقه ، وقرأ الجمهور : " زِلزالها " بكسر الزاي الأولى ، وقرأ بفتحها عاصم الجحدري ، وهو أيضاً مصدر كالوسواس وغيره . و " الأثقال " : الموتى الذين في بطنها قاله ابن عباس ، وهذه إشارة إلى البعث ، وقال قوم من المفسرين منهم منذر بن سعيد الزجاج والنقاش : أخرجت موتاها وكنوزها . قال القاضي أبو محمد : وليست القيامة موطناً لإخراج الكنوز ، وإنما تخرج كنوزها وقت الدجال ، و " قول الإنسان ما لها " هو قول على معنى التعجب من هول ما يرى ، قال جمهور المفسرين : { الإنسان } هنا يراد به الكافر ، هذا متمكن لأنه يرى ما لم يظن به قط ولا صدقه ، وقال بعض المتأولين هو عام في المؤمن والكافر ، فالكافر على ما قدمناه ، والمؤمن وإن كان قد آمن بالبعث فإنه استهول المرأى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ليس الخبر كالمعاينة " و " أخبار الأرض " قال ابن مسعود والثوري وغيره : هو شهادتهما بما عمل عليها من عمل صالح أو فاسد ، فالحديث على هذا حقيقة ، والكلام بإدراك وحياة يخلقها الله تعالى ، وأضاف الأخبار إليها من حيث وعتها وحصلتها ، وانتزع بعض العلماء من قوله تعالى : { تحدث أخبارها } أن قول المحدث : حدثنا وأخبرنا سواء ، وقال الطبري وقوم : التحديث في الآية مجاز ، والمعنى أن ما تفعله بأمر الله من إخراج أثقالها وتفتت أجزائها وسائر أحوالها هو بمنزلة التحديث بأنبائها وأخبارها ، ويؤيد القول الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم : " فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء ، إلا شهد له يوم القيامة " ، وقرأ عبد الله بن مسعود : " تنبىء أخبارها " ، وقرأ سعيد بن جبير : " تبين " وقوله تعالى : { بأن ربك أوحى لها } الباء باء السبب ، وقال ابن عباس وابن زيد والقرظي المعنى : { أوحى لها } ، وهذا الوحي على هذا التأويل يحتمل أن يكون وحي إلهام ، ويحتمل أن يكون وحياً برسول من الملائكة ، وقد قال الشاعر : @ أوحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت @@ والوحي في كلام العرب إلقاء المعنى إلقاء خفياً ، وقال بعض المتأولين : { أوحى لها } معناه : { أوحى } إلى ملائكته المصرفين أن تفعل في الأرض تلك الأفعال ، وقوله تعالى : { لها } بمعنى : من أجلها ومن حيث الأفعال فيها فهي لها ، وقوله تعالى : { يومئذ يصدر الناس أشتاتاً } بمعنى : يتصرفون موضع وردهم مختلفي الأحوال وواحد الأشتات : شت ، فقال جمهور الناس : الورد ، هو الكون في الأرض بالموت والدفن ، والصدر : هو القيام للبعث ، و { أشتاتاً } : معناه : قوم مؤمنون وقوم كافرون ، وقوم عصاة مؤمنون ، والكل سائر إلى العرض ليرى عمله ، ويقف عليه ، وقال النقاش : الورد هو ورد المحشر ، والصدر { أشتاتاً } : هو صدر قوم إلى الجنة ، وقوم إلى النار ، وقوله تعالى : { ليروا أعمالهم } إما أن يكون معناه جزاء أعمالهم يراه أهل الجنة من نعيم وأهل النار بالعذاب ، وإما أن يكون قوله تعالى : { ليروا أعمالهم } متعلقاً بقوله : { بإن ربك أوحى لها } ، ويكون قوله : { يومئذ يصدر الناس أشتاتاً } اعتراضاً بين أثناء الكلام ، وقرأ جمهور الناس : " ليُروا " ، بضم الياء على بناء الفاعل للمفعول ، وقرأ الحسن والأعرج وحماد بن سلمة والزهري وأبو حيوة : " ليَروا " بفتح الياء على بنائه للفاعل ، ثم أخبر تعالى أنه من عمل عملاً رآه قليلاً كان أو كثيراً ، فخرجت العبارة عن ذلك بمثال التقليل ، وهذا هو الذي يسميه أهل الكلام مفهوم الخطاب ، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكم واحد ، ومنه قوله تعالى : { فلا تقل لهما أف } [ الإسراء : 23 ] ، وهذا كثير ، وقال ابن عباس وبعض المفسرين : رؤية هذه الأعمال هي في الآخرة ، وذلك لازم من لفظ السورة وسردها ، فيرى الخير كله من كان مؤمناً ، والكافر لا يرى في الآخرة خيراً ، لأن خيره قد عجل له في الدنيا ، وكذلك المؤمن أيضاً تعجل له سيئاته الصغار في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها فيجيء من مجموع هذا أن من عمل من المؤمنين { مثقال ذرة } من خير أو شر رآه ، ويخرج من ذلك أن لا يرى الكافر خيراً في الآخرة ، ومنه حديث " عائشة رضي الله عنها ، قالت : قلت يا رسول الله : أرأيت ما كان عبد الله بن جدعان يفعله من البر وصلة الرحم وإطعام الطعام ، ألَهُ في ذلك أجر ؟ قال : " لا ، لأنه لم يقل قط رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسمي هذه الآية الجامعة الفادة ، وقد نص على ذلك حين سئل عن الحمر الحديث ، وأعطى سعد بن أبي وقاص سائلاً ثمرتين فقبض السائل يده فقال له سعد : ما هذا ؟ إن الله تعالى قبل منا مثاقيل الذر وفعلت نحو هذا عائشة في حبة عنب وسمع هذه الآية صعصعة بن عقال التيمي عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها ، وسمعها رجل عند الحسن ، فقال : انتهت الموعظة ، فقال الحسن : فقه الرجل ، وقرأ هشام عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم : " يره " ، بسكون الهاء في الأولى والأخيرة ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي ونافع فيما روى عنه ورش والحلواني عن قالون عنه في الأولى " ير هو " وأما الآخرة فإنه سكون وقف ، وأما من أسكن الأولى فهي على لغة من يخفف أمثال هذا ومنه قول الشاعر : @ ونضواي مشتاقان له أرقان @@ وهذه على لغة لم يحكها سيبويه ، لكن حكاها الأخفش ، وقرأ أبو عمرو : " يرهُ " بضم الهاء فيهما مشبعتان ، وقرأ أبان عن عاصم وابن عباس وأبو حيوة وحميد بن الربيع عن الكسائي : " يُره " بضم الياء ، وهي رؤية بصره بمعنى : يجعل يدركه ببصره ، والمعنى : يرى جزاءه وثوابه ، لأن الأعمال الماضية لا ترى بعين أبداً ، وهذا الفعل كله هو من رأيت بمعنى أدركت ببصري ، فتعديه إنما هو إلى مفعول واحد ، وقرأ عكرمة : " خيراً يراه " و " شراً يراه " ، وقال النقاش : ليست برؤية بصر ، وإنما المعنى يصيبه ويناله ، ويروى " أن هذه السورة نزلت وأبو بكر يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فترك أبو بكر الأكل وبكى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك ، " فقال : يا رسول الله : أوأسأل عن مثاقيل الذر ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر : ما رأيت في الدنيا مما تكره ، فمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير إلى الآخرة ، " و " الذرة " نملة صغيرة حمراء رقيقة لا يرجح لها ميزان ، ويقال إنها تجري إذا مضى لها حول ، وقد تؤول ذلك في قول امرىء القيس : [ الطويل ] @ من القاصرات الطرف لو دب محول من الذر فوق الإتب منها لأثرا @@ وحكى النقاش أنهم قالوا : كان بالمدينة رجلان ، أحدهما لا يبالي عن الصغائر يرتكبها ، وكان الآخر يريد أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من الصدقة ، فنزلت الآية فيهما ، كأنه يقال لأحدهما : تصدق باليسير ، فإن مثقال ذرة الخير ترى ، وقيل للآخر : كف عن الصغائر فإن مقادير ذر الشر ترى . نجز تفسيرها والحمد لله كثيراً .