Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 105-108)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يوم يأت } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائي : « يوم يأتي » بياء في الوصل ، وحذفوها في الوقف ؛ غير أن ابن كثير كان يقف بالياء ، ويصل بالياء . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة بغير ياء في الوصل والوقف . قال الزجاج : الذي يختاره النحويون « يوم يأتي » باثبات الياء ، والذي في المصحف وعليه أكثر القراءات بكسر التاء ، وهذيل تستعمل حذف هذه الياءات كثيراً . وقد حكى الخليل ، وسيبويه ، أن العرب تقول : لا أدرِ ، فتحذف الياء ، وتجتزىء بالكسرة ، ويزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال . وقال الفراء : كل ياء ساكنة وما قبلها مكسور ، أو واو ساكنة وما قبلها مضموم ، فإن العرب تحذفها وتجتزىء بالكسرة من الياء ، وبالضمة من الواو ، وأنشدني بعضهم : @ كفّاك كَفٌّ مَا تُلِيْقُ دِرْهَمَا جُوْدَاً وأُخْرى تُعْطِ بالسَّيفِ الدِّما @@ قال المفسرون : وقوله : { يوم يأتي } يعني : يأتي ذلك اليوم ، لا تكلَّم نفس إِلا بإذن الله ، فكل الخلائق ساكتون ، إِلا من أذن الله له في الكلام . وقيل : المراد بهذا الكلام الشفاعة . قوله تعالى : { فمنهم شقي } قال ابن عباس : منهم من كُتبت عليه الشقاوة ، ومنهم من كُتبت له السعادة . قوله تعالى : { لهم فيها زفير وشهيق } فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن الزفير كزفير الحمار في الصدر ، وهو أول ما ينهق ، والشهيق كشهيق الحمار في الحلق ، وهو آخر ما يفرغ من نهيقه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك ، ومقاتل ، والفراء . وقال الزجاج : الزفير : شديد الأنين وقبيحه ، والشهيق : الأنين الشديد المرتفع جداً ، وهما من أصوات المكروبين . وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار في النهيق ، والشهيق بمنزلة آخر صوته في النهيق . والثاني : أن الزفير في الحلق ، والشهيق في الصدور ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال أبو العالية ، والربيع بن أنس . وفي رواية أخرى عن ابن عباس : الزفير : الصوت الشديد ، والشهيق : الصوت الضعيف . وقال ابن فارس : الشهيق ضد الزفير ، لأن الشهيق ردُّ النَّفَس ، والزفير إِخراج النَّفَس . وقال غيره : الزفير : الشديد ، مأخوذ من الزَّفْر ، وهو الحَمل على الظهر لشدته ؛ والشهيق : النَّفَس الطويل الممتد ، مأخوذ من قولهم : جبل شاهق ، أي : طويل . والثالث : أن الزفير زفير الحمار ، والشهيق شهيق البغال ، قاله ابن السائب . قوله تعالى : { خالدين فيها ما دامت السموات والأرض } المعروف فيه قولان . أحدهما : أنها السموات المعروفة عندنا ، والأرض المعروفة ؛ قال ابن قتيبة ، وابن الأنباري : للعرب في معنى الأبد الفاظ ؛ تقول : لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار ، وما دامت السموات والأرض ، وما اختلفت الجِرَّة والدِرَّة ، وما أطّت الإِبل ، في أشباه لهذا كثيرة ، ظناً منهم أن هذه الأشياء لا تتغير ، فخاطبهم الله بما يستعملون في كلامهم . والثاني : أنها سموات الجنة والنار وأرضهما . قوله تعالى : { إِلا ما شاء ربك } في الاستثناء المذكور في حق أهل النار سبعة أقوال . أحدها : أن الاستثناء في حق الموحِّدين الذين يخرجون بالشفاعة ، قاله ابن عباس ، والضحاك . والثاني : أنه استثناء لا يفعله ، تقول : والله لأضربنَّك إِلا أن أرى غير ذلك ، وعزيمتك على ضربه ، ذكره الفراء ، وهو معنى قول أبي صالح عن ابن عباس : « إِلا ما شاء ربك » قال : فقد شاء أن يخلَّدوا فيها . قال الزجاج : وفائدة هذا ، أنه لو شاء أن يرحمهم لرحمهم ، ولكنه أعلمنا أنهم خالدون أبداً . والثالث : أن المعنى : خالدين فيها أبداً ، غير أن الله تعالى يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم ، ثم يجدد خلقهم ، فيرجع الاستثناء إِلى تلك الحال ، قاله ابن مسعود . والرابع : أن « إِلا » بمعنى « سوى » تقول : لو كان معنا رجل إِلا زيد ، أي : سوى زيد ؛ فالمعنى : خالدين فيها مقدار دوام السموات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود والزيادة ، وهذا اختيار الفراء . قال ابن قتيبة : ومثله في الكلام أن تقول : لأُسْكنَنَّك في هذه الدار حولاً إِلا ما شئتَ ؛ تريد : سوى ما شئتَ أن أزيدك . والخامس : أنهم إِذا حُشروا وبُعثوا ، فهم في شروط القيامة ؛ فالاستثناء واقع في الخلود بمقدار موقفهم في الحساب ، فالمعنى : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إِلا مقدار موقفهم للمحاسبة ، ذكره الزجاج . وقال ابن كيسان : الاستثناء يعود إِلى مكثهم في الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب ؛ قال ابن قتبية : فالمعنى : خالدين في النار وخالدين في الجنة دوام السماء والأرض إِلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك ، فكأنه جعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد على ما كانت العرب تستعمل ، وإن كانتا قد تتغيَّران . واستثنى المشيئة من دوامهما ، لأن أهل الجنة والنار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا ، لا في الجنة ، ولا في النار . والسادس : أن الاستثناء وقع على أن لهم فيها زفيراً وشهيقاً ، إِلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم تُذكر ؛ وكذلك لأهل الجنة نعيم مما ذُكر ، ولهم مما لم يُذكر ما شاء ربك ، ذكره الزجاج أيضاً . والسابع : أن « إِلا » بمعنى « كما » ومنه قوله : { ولا تَنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إِلا ما قد سلف } [ النساء 22 ] ، ذكره الثعلبي . فأما الاستثناء في حق أهل الجنة ، ففيه ستة أقوال : أحدها : أنه استثناء لا يفعله . والثاني : أن « إِلا » بمعنى « سوى » . والثالث : أنه يرجع إِلى وقوفهم للحساب ولبثهم في القبور . والرابع : أنه بمعنى : إِلا ما شاء أن يزيدَهم من النعيم الذي لم يُذكر . والخامس : أن « إِلا » كـ « ما » ، وهذه الأقوال قد سبق شرحها . والسادس : أن الاستثناء يرجع إِلى لبث من لبث في النار من الموحِّدين ، ثم أُدخل الجنة ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، ومقاتل . قال ابن قتيبة : فيكون الاستثناء من الخلود مُكث أهل الذنوب من المسلمين في النار ، فكأنه قال : إِلا ما شاء ربك من إِخراج المذنبين إِلى الجنة ، وخالدين في الجنة إِلا ما شاء ربك من إِدخال المذنبين النارَ مدَّةً . واختلف القراء في « سعِدوا » فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : « سَعِدوا » بفتح السين . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : بضمها ، وهما لغتان . قوله تعالى : { عطاءً غير مجذوذ } نُصب عطاء بما دل عليه الكلام ، كأنه قال : أعطاهم النعيم عطاءً . والمجذوذ : المقطوع ؛ قال ابن قتيبة : يقال : جذذت ، وجددت ، وجذفت ، وجدفت : إِذا قطعت .