Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 15-18)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مَنْ كان يريد الحياة الدنيا وزينتها } اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال : أحدها : أنها عامة في جميع الخلق ، وهو قول الأكثرين . والثاني : أنها في أهل القبلة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثالث : أنها في اليهود والنصارى ، قاله أنس . والرابع ، أنها في أهل الرياء ، قاله مجاهد . وروى عطاء عن ابن عباس : من كان يريد عاجل الدنيا ولا يؤمن بالبعث والجزاء . وقال غيره : إِنما هي في الكافر ، لأن المؤمن يريد الدنيا والآخرة . قوله : { نوفّ إِليهم أعمالهم } أي : أجور أعمالهم { فيها } . قال سعيد بن جبير : أُعطوا ثواب ما عملوا من خير في الدنيا . وقال مجاهد : مَنْ عمل عملاً من صِلة ، أو صدقة ، لا يريد به وجه الله ، أعطاه الله ثواب ذلك في الدنيا ، ويدرأ به عنه في الدنيا . قوله تعالى : { وهم فيها } قال ابن عباس : أي في الدنيا . { لا يُبخسون } أي : لا يُنقصون من أعمالهم في الدنيا شيئاً . { أولئك الذين } عملوا لغير الله { ليس لهم في الآخرة إِلا النار وحبط ما صنعوا } أي : ما عملوا في الدنيا من حسنة { وباطل ما كانوا } لغير الله { يعملون } . فصل وذكر قوم من المفسرين ، منهم مقاتل ، أن هذه الآية اقتضت أن من أراد الدنيا بعمله ، أعطي فيها ثواب عمله من الرزق والخير ، ثم نُسخ ذلك بقوله : { عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } [ الاسراء : 18 ] ، وهذا لا يصح ، لأنه لا يوفّي إِلا لمن يريد . . قوله تعالى : { أفمن كان على بيِّنة من ربه } في المراد بالبينة أربعة أقوال : أحدها : أنها الدين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله الضحاك . والثالث : القرآن ، قاله ابن زيد . والرابع : البيان ، قاله مقاتل . وفي المشار إليه بـ « مَنْ » قولان : أحدهما : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس والجمهور . والثاني : أنهم المسلمون ، وهو يخرَّج على قول الضحاك . وفي قوله : { ويتلوه } قولان : أحدهما : يتبعه . والثاني : يقرؤه . وفي هاء « يتلوه » قولان : أحدهما : أنها ترجع إِلى النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : إِلى القرآن ، وقد سبق ذكره في قوله : { فأْتوا بعشرِ سُوَرٍ مثلِهِ مفتريات } [ هود 13 ] . وفي المراد بالشاهد ثمانية أقوال : أحدها : أنه جبريل ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، وإِبراهيم في آخرين . والثاني : أنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتلو القرآن ، قاله علي بن أبي طالب ، والحسن ، وقتادة في آخرين . والثالث : أنه علي بن أبي طالب . و « يتلوه » بمعنى يتبعه ، رواه جماعة عن علي بن أبي طالب ، وبه قال محمد بن علي ، وزيد بن علي . والرابع : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو شاهد من الله تعالى ، قاله الحسين بن علي عليه السلام . والخامس : أنه ملَك يحفظه ويسدده ، قاله مجاهد . والسادس : أنه الإِنجيل يتلو القرآن بالتصديق ، وإِن كان قد أُنزل قبله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشَّرت به التوراة ، قاله الفراء . والسابع : أنه القرآن ونظمه وإِعجازه ، قاله الحسين بن الفضل . والثامن : أنه صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخايله ، لأن كل عاقل نظر إِليه علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي هاء « منه » ثلاثة أقوال : أحدها : أنها ترجع إِلى الله تعالى . والثاني : إِلى النبي صلى الله عليه وسلم . والثالث : إِلى البيِّنة . قوله تعالى : { ومِنْ قبله } في هذه الهاء ثلاثة أقوال : أحدها : أنها ترجع إِلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد . والثاني : إِلى القرآن ، قاله ابن زيد . والثالث : إِلى الإِنجيل ، أي : ومن قبل الإِنجيل { كتاب موسى } يتبع محمداً بالتصديق له ، ذكره ابن الأنباري . قال الزجاج : والمعنى : وكان من قبل هذا كتاب موسى دليلاً على أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون « كتاب موسى » عطفا على قوله : { ويتلوه شاهد منه } أي : ويتلوه كتاب موسى ، لأن موسى وعيسى بشَّرا بالنبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإِنجيل . ونصب « إِماما » على الحال . فإن قيل : كيف تتلوه التوراة ، وهي قبله ؟ قيل : لما بشَّرت به ، كانت كأنها تالية له ، لأنها تبعته بالتصديق له . وقال ابن الأنباري : { كتاب موسى } ، مفعول في المعنى ، لأن جبريل تلاه على موسى ، فارتفع الكتاب ، وهو مفعول بمضمر بعده ، تأويله : ومن قبله كتاب موسى كذاك ، أي : تلاه جبريل أيضاً ، كما تقول العرب : أكرمت أخاك وأبوك ، فيرفعون الأب ، وهو مكرَم على الاستئناف ، بمعنى : وأبوك مكرَم أيضاً . قال : وذهب قوم إِلى أن كتاب موسى فاعل ، لأنه تلا محمداً بالتصديق كما تلاه الإِنجيل . فصل فتلخيص الآية : أفمن كان على بيِّنة من ربه كمن لم يكن ؟ قال الزجاج : ترك المضادَّ له ، لأن في ما بعده دليلاً عليه ، وهو قوله : { مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم } [ هود 24 ] . وقال ابن قتيبة : لما ذكر قبل هذه الآية قوما ركنوا إِلى الدنيا ، جاء بهذه الآية ، وتقدير الكلام : أفمن كانت هذه حاله كمن يريد الدنيا ؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم ، إِذ كان فيه دليل عليه . وقال ابن الأنباري : إِنما حُذف لانكشاف المعنى ، والمحذوف المقدَّر كثير في القرآن والشعر ، قال الشاعر : @ فأُقْسِمُ لَوْ شيءٌ أتانا رَسُولُه سِواكِ ، وَلكِن لم نَجِدْ لكِ مَدْفعا @@ فإن قلنا : إِن المراد بمن كان على بيِّنة من ربه ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمعنى الآية : ويتبع هذا النبيَّ شاهد ، وهو جبريل عليه السلام . « منه » أي : من الله . وقيل : « شاهد » هو علي بن أبي طالب ، « منه » أي : من النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : « يتلوه » يعني القرآن ، يتلوه جبريل ، وهو شاهد لمحمد صلى الله عليه وسلم أن الذي يتلوه جاء من عند الله تعالى . وقيل . ويتلو رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وهو شاهد من الله . وقيل ويتلو لسانُ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآنَ ، فلسانه شاهد منه . وقيل : ويتبع محمداً شاهد له بالتصديق ، وهو الإِنجيل من الله تعالى . وقيل ويتبع هذا النبي شاهد من نفسه ، وهو سَمْتُه وهديه الدالُّ على صدقه . وإِن قلنا : إِن المراد بمن كان على بيِّنة من ربه المسلمون ، فالمعنى : أنهم يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو البيِّنة ، ويتبع هذا النبي شاهد له بصدقه . قوله تعالى : { إِماماً ورحمة } إِنما سماه إِماماً ، لأنه كان يهتدى به ، « ورحمة » أي : وذا رحمة ، وأراد بذلك التوراة ، لأنها كانت إِماما وسبباً لرحمة من آمن بها . قوله تعالى : { أولئك } فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه إِشارة إِلى أصحاب موسى . والثاني : إِلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . والثالث : إِلى أهل الحق من أُمة موسى وعيسى ومحمد . وفي هاء « به » ثلاثة أقوال . أحدها : أنها ترجع إِلى التوراة . والثاني إِلى القرآن . والثالث : إِلى محمد صلى الله عليه وسلم . وفي المراد بالأحزاب هاهنا أربعة أقوال . أحدها : جميع الملل ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : اليهود والنصارى ، قاله قتادة . والثالث : قريش ، قاله السدي . والرابع : بنو أُمية ، وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي ، وآل أبي طلحة بن عبد العُزّى ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { فالنار موعده } أي : إِليها مصيره ، قال حسان بن ثابت : @ أَوْرَدْتُمُوها حِيَاضَ المَوْتِ ضَاحِيَةً فالنَّار مَوْعِدُها والمَوْتُ لاَ قيِهَا @@ قوله تعالى : { فلا تك في مرية منه } قرأ الحسن ، وقتادة : « مُرية » بضم الميم أين وقع . وفي المكني عنه قولان : أحدهما : أنه الإِخبار بمصير الكافر به ، فالمعنى : فلا تك في شك أن موعد المكذِّب به النار ، وهذا قول ابن عباس . والثاني : أنه القرآن ، فالمعنى : فلا تك في شك من أن القرآن من الله تعالى ، قاله مقاتل . قال ابن عباس : والمراد بالناس هاهنا : أهل مكة . قوله تعالى : { أولئك يُعْرَضُونَ على ربهم } قال الزجاج : ذكر عرضهم توكيداً لحالهم في الانتقام منهم ، وإِن كان غيرهم يعرض أيضاً . فأما « الأشهاد » ففيهم خمسة أقوال : أحدها : أنهم الرسل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : الملائكة ، قاله مجاهد ، وقتادة . والثالث : الخلائق ، روي عن قتادة أيضاً . وقال مقاتل : « الأشهاد » الناس ، كما يقال : على رؤوس الأشهاد ، أي : على رؤوس الناس . والرابع : الملائكة والنبيون وأُمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون على الناس ، والجوارح تشهد على ابن آدم ، قاله ابن زيد . والخامس : الأنبياء والمؤمنون ، قاله الزجاج . قال ابن الأنباري : وفائدة إِخبار الأشهاد بما يعلمه الله : تعظيم بالأمر المشهود عليه ، ودفع المجاحدة فيه .