Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 37-38)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { واصنع الفلك } أي : واعمل السفينة . وفي قوله : { بأعيننا } ثلاثة أقوال : أحدها : بمرأىً منا ، قاله ابن عباس . والثاني : بحفظنا ، قاله الربيع . والثالث : بعلمنا ، قاله مقاتل . قال ابن الأنباري : إِنما جمع على مذهب العرب في إِيقاعها الجمع على الواحد ، تقول : خرجنا إِلى البصرة في السفن ، وإِنما جمع ، لأن من عادة الملك أن يقول : أمرنا ونهينا . وفي قوله : { ووحينا } قولان . أحدهما : وأمرنا لك أن تصنعها . والثاني : وبتعليمنا إِياك كيف تصنعها . قوله تعالى : { ولاتخاطبني في الذين ظلموا } فيه قولان : أحدهما : لاتسألني الصفح عنهم . والثاني : لاتخاطبني في إِمهالهم . وإِنما نهي عن الخطاب في ذلك صيانة له عن سؤال لايجاب فيه . الإِشارة إِلى كيفية عمل السفينة روى الضحاك عن ابن عباس : قال كان نوح يُضرب ثم يُلفُّ في لِبْدٍ فيُلقى في بيته ، يُرَوْن أنه قد مات ، ثم يخرج فيدعوهم . حتى إِذا يئس من إِيمان قومه ، جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصاً ، فقال : يا بني ، انظر هذا الشيخ لايغررك ، قال : ياأبت أمكني من العصا ، فأخذها فضربه ضربةً شجه مُوْضِحَةً ، وسالت الدماء على وجهه ، فقال رب قد ترى مايفعل بي عبادك ، فان يكن لك فيهم حاجة فاهدهم ، وإِلا فصبِّرني إِلى أن تحكم ، فأوحى الله إِليه { أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } إِلى قوله : { واصنع الفلك } ، قال : يارب ، وما الفلك ؟ قال : بيت من خشب يجري على وجه الماء أُنجّي فيه أهل طاعتي ، وأُغْرِق أهل معصيتي ، قال : يارب ، وأين الماء ؟ قال : إِني على ما أشاء قدير ، قال : يارب ، وأين الخشب ؟ قال : اغرس الشجر ، فغرس الساج عشرين سنة ، وكفّ عن دعائهم ، وكفُّوا عنه ، إِلا أنهم يستهزئون به ، فلما أدرك الشجر ، أمره ربه ، فقطعه وجفَّفَه ولفَّقَه ، فقال : يارب ، كيف أتخذ هذا البيت ؟ قال : أجعله على ثلاث صور ، رأسه كرأس الطاووس ، وجؤجؤه كجؤجؤ الطائر ، وذنبه كذنب الديك ، واجعلها مطبقة ، وبعث الله إِليه جبريل يعلمه ، وأوحى الله إِليه أن عجِّل عمل السفينة فقد اشتد غضبي على مَنْ عصاني ، فاستأجر نجارين يعملون معه ، وسام ، وحام ، ويافث ، معه ينحتون السفينة ، فجعل طولها ستمائة ذراع ، وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعاً ، وعلوها ثلاثاً وثلاثين ، وفجَّرَ الله له عين القار تغلي غلياناً حتى طلاها . وعن ابن عباس قال : جعل لها ثلاث بطون ، فحمل في البطن الأول الوحوش والسباع والهوام ، وفي الأوسط الدواب والأنعام ، وركب هو ومن معه البطن الأعلى . وروي عن الحسن أنه قال : كانت سفينة نوح طولها ألف ذراع ، ومائتا ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع . وقال قتادة : كانت فيما ذُكر لنا طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسمائة ذراع ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً . وقال ابن جريج : كان طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسين ومائة ذراع ، وطولها في السماء ثلاثون ذراع ، وكان في أعلاها الطير ، وفي وسطها الناس ، وفي أسفلها السباع . وزعم مقاتل أنه عمل السفينة في أربعمائة سنة . قوله تعالى : { وكلمَّا مر عليه ملأ من قومه سخروا منه } فيه قولان : أحدهما : أنهم رأوه يبني السفينة وما رأوا سفينة قط ، فكانوا يسخرون ويقولون : صرت بعد النبوَّة نجاراً ؟ وهذا قول ابن إِسحاق . والثاني : أنهم قالوا له : ما تصنع ؟ فقال : أبني بيتا يمشي على الماء ، فسخروا من قوله ، وهذا قول مقاتل . وفي قوله : { إِن تسخروا منا فانا نسخر منكم } خمسة أقوال . أحدها : إِن تسخروا من قولنا فانا نسخر من غفلتكم . والثاني : إِن تسخروا من فعلنا عند بناء السفينة ، فانا نسخر منكم عند الغرق ، ذكره المفسرون . والثالث : إِن تسخروا منا في الدنيا ، فانا نسخر منكم في الآخرة ، قاله ابن جرير . والرابع : إِن تستجهلونا ، فانا نستجهلكم ، قاله الزجاج . والخامس : إِن تسخروا منا ، فانا نستنصر الله عليكم ، فسمى هذا سخرية ، ليتفق اللفظان كما بينا في قوله : { الله يستهزىء بهم } [ البقرة : 15 ] ، هذا قول ابن الأنباري . قال ابن عباس : لم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر و لا بحر ، فلذلك سخروا منه ، وإِنما مياه البحار بقية الطوفان .