Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 86-95)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { بقيَّةُ الله خير لكم } فيه ثمانية أقوال : أحدها : ما أبقي الله لكم الحلال بعد إِيفاء الكيل والوزن ، خير من البخس ، قاله ابن عباس . والثاني : رزق الله خير لكم ، روى عن ابن عباس أيضاً ، وبه قال سفيان . والثالث : طاعة الله خير لكم ، قاله مجاهد ، والزجاج . والرابع : حظُّكم من الله خير لكم ، قاله قتادة . والخامس : رحمة الله خير لكم ، قاله ابن زيد . والسادس : وصية الله خير لكم ، قاله الربيع . والسابع : ثواب الله في الآخرة خير لكم ، قال مقاتل . والثامن : مراقبة الله خير لكم ، ذكره الفراء . وقرأ الحسن البصري : « تقية الله خير لكم » بالتاء . قوله تعالى : { إِن كنتم مؤمنين } شرطَ الإِيمان في كونه خيراً لهم ، لأنهم إِن كانوا مؤمنين بالله عز وجل ، عرفوا صحة ما يقول . وفي قوله : { وما أنا عليكم بحفيظ } ثلاثة أقوال : أحدها : ما أُمرْتُ بقتالكم وإِكراهكم على الإِيمان . والثاني : ما أُمرتُ بمراقبتكم عند كيلكم لئلا تبخسوا . والثالث : ما أحفظكم من عذاب الله إِن نالكم . قوله تعالى : { أصلواتك تأمرك } وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، وحفص : « أصلاتك » على التوحيد . وفي المراد بصلواته ثلاثة أقوال : أحدها : دينة ، قاله عطاء . والثاني : قراءته ، قاله الأعمش . والثالث : أنها الصلوات المعروفة . وكان شعيب كثيرَ الصلاة . قوله تعالى : { أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } قال الفراء : معنى الآية : أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟ وفي معنى الكلام على قراءة من قرأ بالنون قولان . أحدهما : أن فعلهم في أموالهم هو البخس والتطفيف ، قاله ابن عباس ؛ فالمعنى : قد تراضينا فيما بيننا بذلك . والثاني : أنهم كانوا يقطعون الدراهم والدنانير ، فنهاهم عن ذلك ، قاله ابن زيد . وقال القرظي : عُذِّبوا في قطعهم الدراهم . قال ابن الأنباري : وقرأ الضحاك بن قيس الفهري « ما تشاء » بالتاء ، ونسق « أن تفعل » على « أن تترك » ، واستغنى عن الإِضمار . قال سفيان الثوري : في معنى هذه القراءة أنه أمرهم بالزكاة فامتنعوا . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك ، وابن أبي عبلة : « أو أن تفعل في أموالنا ما تشاء » بالتاء فيهما ؛ ومعنى هذه القراءة كمعنى قراءة الفهري . وفي قوله : { إِنك لأنت الحليم الرشيد } أربعة أقوال : أحدها : أنهم قالوه استهزاءً به ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والفراء . والثاني : أنهم قالوا له : إِنك لأنت السفيه الجاهل ، فكنى بهذا عن ذلك ، ذكره الزجاج . والثالث : أنهم سبّوه بأنه ليس بحليم ولا رشيد ، فأثنى الله عز وجل عليه فقال : بل إِنك لأنت الحليم الرشيد ، لا كما قال لك الكافرون ، حكاه أبو سليمان الدمشقي عن أبي الحسن المصيصي . والرابع : أنهم اعترفوا له بالحلم والرشد حقيقة ، وقالوا : أنت حليم رشيد ، فَلِمَ تنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟ حكاه الماوردي ، وذهب إِلى نحوه ابن كيسان . قوله تعالى : { إِن كنتُ على بيِّنةٍ من ربي } قد تقدم تفسيره [ هود 28 و 63 ] . وفي قوله : { ورزقني منه رزقاً حسناً } ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الحلال ؛ قال ابن عباس : وكان شعيب كثيرَ المال . والثاني : النبوَّة . والثالث : العلم والمعرفة . قال الزجاج : وجواب الشرط هاهنا متروك ، والمعنى : إِن كنت على بينة من ربي ، أتبع الضلال ؟ فترك الجواب ، لعلم المخاطَبين بالمعنى ، وقد مرَّ مثل هذا . قوله تعالى : { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } قال قتادة : لم أكن لأنهاكم عن أمر ثم أرتكبه . وقال الزجاج : ما أقصد بخلافكم القصد إِلى ارتكابه . قوله تعالى : { إِن أريد إِلا الإِصلاح مااستطعت } أي : ما أريد بما آمركم به إِلا إِصلاح أموركم بقدر طاقتي . وقدر طاقتي : إِبلاغكم لا إِجباركم . قوله تعالى : { وما توفيقي إِلا بالله } فتح تاء « توفيقي » أهل المدينة ، وابن عامر . ومعنى الكلام : ما أصابتي الحق في محاولة صلاحكم إِلا بالله . { عليه توكلت } أي : فوضت أمري ، وذلك أنهم تواعدوه بقولهم : { لنخرجنَّك يا شعيب } [ الأعراف 88 ] . { وإِليه أنيب } أي : أرجع . قوله تعالى : { لا يجرمنَّكم شِقاقيَ } حرك هذه الياء ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع . قال الزجاج : لا تكسبنَّكم عداوتكم إِيايَ أن تعذَّبوا . قوله تعالى : { وما قوم لوط منكم ببعيد } فيه قولان : أحدهما : أنهم كانوا قريباً من مساكنهم . والثاني : أنهم كانوا حديثي عهد بعذاب قوم لوط . قال الزجاج : كان إِهلاك قوم لوط أقرب الإِهلاكات التي عرفوها . قال ابن الأنباري : إِنما وحَّد بعيداً ، لأنه أزاله عن صفة القوم ، وجعله نعتاً مكان محذوف ، تقديره : وما قوم لوط منكم بمكان بعيد . قوله تعالى : { إِن ربي رحيم ودود } قد سبق معنى الرحيم . فأما الودود : فقال ابن الأنباري : معناه : المحب لعباده ، من قولهم : ودِدت الرجل أوَدُّه وُدّاً ووِدّاً ، ويقال : ودِدت الرجل وِداداً وَ ودادة ووِدادة . وقال الخطابي : هو اسم مأخوذ من الوُدِّ ؛ وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون فعولاً في محل مفعول ، كما قيل : رجل هيوب ، بمعنى مهيب ، وفرس رَكوب ، بمعنى مركوب ، فالله سبحانه مودود في قلوب أوليائه لما يتعرَّفونه من إِحسانه إليهم . والوجه الآخر : أن يكون بمعنى الوادّ ، أي : أنه يودّ عباده الصالحين ، بمعنى أنه يرضى عنهم بِتَقَبُّلِ أعمالهم ؛ ويكون معناه : أن يودِّدهم إِلى خلقه كقوله : { سيجعل لهم الرحمن وُدّاً } [ مريم 96 ] . قوله تعالى : { ما نفقه كثيراً مما تقول } قال ابن الأنباري : معناه : ما نفقه صحة كثير مما تقول ، لأنهم كانوا يتديَّنون بغيره ، ويجوز أن يكونوا لاستثقالهم ذلك كأنهم لا يفقهونه . قوله تعالى : { وإِنَّا لنراك فينا ضعيفاً } وفيه أربعة أقوال : أحدها : ضريراً ؛ قال ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة : كان أعمى ، قال الزجاج : ويقال : إِن حِمير تسمي المكفوف : ضعيفاً . والثاني : ذليلاً ، قاله الحسن ، وأبو روق ، ومقاتل . وزعم أبو رَوْق أن الله لم يبعث نبياً أعمى ، ولا نبياً به زمانة . والثالث : ضعيف البصر ، قاله سفيان . والرابع : عاجزاً عن التصرف في المكاسب ، ذكره ابن الأنباري . قوله تعالى : { ولولا رهطك لرجمناك } قال الزجاج : لولا عشيرتك لقتلناك بالرجم ، والرجم من سيء القتلات ، وكان رهطه من أهل ملَّتهم ، فلذلك أظهروا الميل إِليهم والإِكرام لهم . وذكر بعضهم أن الرجم هاهنا بمعنى الشتم والأذى . قوله تعالى : { وما أنت علينا بعزيز } فيه قولان : أحدهما : بكريم . والثاني : بممتنع أن نقتلك . قوله تعالى : { أرهطيَ أعزَّ عليكم من الله } وأسكن ياء « رهطي » أهل الكوفة ، ويعقوب ، والمعنى : أتراعون رهطي فيَّ ، ولا تراعون الله فيَّ ؟ قوله تعالى : { واتخذتموه وراءكم } في هاء الكناية قولان : أحدهما : أنها ترجع إِلى الله تعالى ، قاله الجمهور . قال الفراء : المعنى : رميتم بأمر الله وراء ظهوركم . قال الزجاج : والعرب تقول لكل من لا يعبأ بأمر : قد جعل فلان هذا الأمر بظهر ، قال الشاعر : @ تميمَ بنَ قيس لا تكونَنَّ حَاجَتي بظَهْرٍ فلا يَعْيَا عليَّ جَوَابُها @@ والثاني : أنها كناية عما جاء به شعيب ، قاله مجاهد . قوله تعالى : { إِن ربي بما تعملون محيط } أي : عالم بأعمالكم ، فهو يجازيكم بها . وما بعد هذا قد سبق تفسيره إِلى قوله : { سوف تعلمون } [ الأنعام135 ] . فإن قال قائل : كيف قال هاهنا { سوف } وفي سورة أخرى { فسوف } [ الأنعام 135 ] . فالجواب : أن كلا الأمرين حسن عند العرب ، إِن أدخلوا الفاء ، دلُّوا على اتصال ما بعد الكلام بما قبله ، وإِن أسقطوها ، بَنَوْا الكلام الأول على أنه قد تم ، وما بعده مستأنف ، كقوله : { إِن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً } [ البقرة 67 ] ، والمعنى : فقالوا : أتتخذنا ، بالفاء ، فحذفت الفاء لتمام ما قبلها . قال امرؤ القيس : @ فقالتْ يَمينَ اللهِ مالَكَ حِيلةٌ وَمَا إِنْ أرَى عَنْكَ الغَوَاية تَنْجلي خَرَجْتُ بِها أمْشي تَجُرّ وَرَاءَنا عَلى إِثرِنَا أذْيَالَ مِرطٍ مُرحَّلِ @@ قال ابن الأنباري : أراد فخرجتُ ، فأسقط الفاء لتمام ما قبلها . ويروى : فقمت بها أمشي . قوله تعالى : { وارتقبوا إِني معكم رقيب } قال ابن عباس : ارتقبوا العذاب ، فإني أرتقب الثواب . قوله تعالى : { وأخذت الذين ظلموا الصيحةُ } قال المفسرون : صاح بهم جبريل فماتوا في أمكنتهم . قال محمد بن كعب : عُذّب أهل مدين بثلاثة أصناف من العذاب ، أخذتهم رجفة في ديارهم ، حتى خافوا أن تسقط عليهم ، فخرجوا منها فأصابهم حرٌّ شديد ، فبعث الله الظُلَّةَ ، فتنادَوا : هلم إِلى الظل ؛ فدخلوا جميعاً في الظُلَّة ، فصيح بهم صيحة واحدة فماتوا كلهم . قال ابن عباس : لم تعذَّب أمتان قط بعذاب واحد ، إلا قوم شعيب وصالح ، فأما قوم صالح ، فأخذتهم الصيحة من تحتهم ، وأما قوم شعيب ، فأخذتهم من فوقهم ، نشأت لهم سحابة كهيئة الظُلَّة فيها ريح بعد أن امتنعت الريح عنهم ، فَأَتَوْها يستظلُّون تحتها فأحرقتهم . قوله تعالى : { كما بَعِدت ثمود } أي : كما هلكت ثمود . قال ابن قتيبة : يقال : بَعِدَ يَبْعَدُ : إِذا كان بُعْده هلكة ؛ وبَعُدَ يبعُد : إِذا نأى .