Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 53-56)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وما أبرِّىء } في القائل لهذا ثلاثة أقوال ، وهي التي تقدمت في الآية قبلها . فالذين قالوا : هو يوسف ، اختلفوا في سبب قوله لذلك على خمسة أقوال : أحدها : أنه لما قال : « ليعلم أني لم أخُنه بالغيب » غمزه جبريل ، فقال : ولا حين هممتَ ؟ فقال : « وما أبرىء نفسي » ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الأكثرون . والثاني : أن يوسف لما قال : « لم أخنه » ، ذكر أنه قد همّ بها فقال : « وما أبرىء نفسي » ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث : أنه لما قال ذلك ، خاف أن يكون قد زكَّى نفسه ، فقال : « وما أبرىء نفسي » ، قاله الحسن . والرابع : أنه لما قاله ، قال له الملك الذي معه : اذكر ما هممتَ به ، فقال : « وما أبرىء نفسي » ، قاله قتادة . والخامس : أنه لما قاله ، قالت امرأة العزيز : ولا يوم حللتَ سراويلك ؟ فقال : « وما أبرىء نفسي » ، قاله السدي . والذين قالوا : هذا قول امرأة العزيز ، فالمعنى : وما أبرىء نفسي أني كنت راودته . والذين قالوا : هو العزيز ، فالمعنى : وما أبرىء نفسي من سوء الظن بيوسف ، لأنه قد خطر لي . قوله تعالى : { لأمَّارة بالسوء } قرأ ابن عامر ، وأهل الكوفة ، ويعقوب إِلا رويساً : « بالسوء إِلا » بتحقيق الهمزتين . وقرأ أبو عمرو ، وابن شنبوذ عن قنبل بتحقيق الثانية وحذف الأولى ، وروى نظيف عن قنبل بتحقيق الأولى وقلب الثانية ياءً . وقرأ أبو جعفر ، وورش ، ورويس بتحقيق الأولى وتليين الثانية بين بين ، مثل : « السُّوء عِلاَّ » وروى ابن فليح بتحقيق الثانية وقلب الأولى واواً ، وأدغمها في الواو التي قبلها ، فتصير واواً مكسورة مشددة قبل همزة « إِلا » . قوله تعالى : { إِلا ما رحم ربي } قال ابن الأنباري : قال اللغويون : هذا استثناء منقطع ، والمعنى : إِلا أن رحمة ربي عليها المعتمَد . قال أبو صالح عن ابن عباس : المعنى : إِلا من عصم ربي . وقيل : « ما » بمعنى « من » . قال الماوردي : ومن قال : هو قول امرأة العزيز ، فالمعنى : إِلا من رحم ربي في قهره لشهوته ، أو في نزعها عنه . ومن قال : هو قول العزيز ، فالمعنى : إِلا من رحم ربي بأن يكفيَه سوء الظن ، أو يثبِّته ، فلا يعجل . قال ابن الأنباري : والقول بأن هذا قول يوسف ، أصح ، لوجين : أحدهما : لأن العلماء عليه . والثاني : لأن المرأة كانت عابدة وثن ، وما تضمنته الآية ، أليق أن يكون قول يوسف من قول من لا يعرف الله عز وجل . وقال المفسرون : فلما تبين الملك عذر يوسف وعَلِم أمانته ، قال : { ائتوني به أستخلصه لنفسي } أي : أجعله خالصاً لي ، لا يشركني فيه أحد . فإن قيل : فقد رويتم في بعض ما مضى أن يوسف قال في مجلس الملك : « ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب » فكيف قال الملك : « ائتوني به » وهو حاضر عنده ؟ ! فالجواب : أن أرباب هذا القول يقولون : أمر الملك باحضاره ليقلِّده الأعمال في غير المجلس الذي استحضره فيه لتعبير الرؤيا . قال وهب : لما دخل يوسف على الملك ، وكان الملك يتكلَّم بسبعين لساناً ، كان كلما كلَّمه بلسان ، أجابه يوسف بذلك اللسان ، فعجب الملك ، وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة ، فقال : إِني أحب أن أسمع رؤياي منك شِفاهاً ، فذكرها له ، قال : فما ترى أيها الصِّدِّيق ؟ قال : أرى أن تزرع زرعاً كثيراً في هذه السنين المخصبة ، وتجمع الطعام ، فيأتيك الناس فيمتارون ، وتجمع عندك من الكنوز مالم يجتمع لأحد ، فقال الملك : ومن لي بهذا ؟ فقال يوسف : « اجعلني على خزائن الأرض » . قال ابن عباس : ويريد بقوله : { مكين أمين } أي : قد مكَّنتكَ في ملكي وائتمنتكَ فيه . وقال مقاتل : المكين : الوجيه ، والأمين : الحافظ . قوله تعالى : { اجعلني على خزائن الأرض } أي : خزائن أرضك . وفي المراد بالخزائن قولان : أحدهما : خزائن الأموال ، قاله الضحاك ، والزجاج . والثاني : خزائن الطعام فحسب ، قاله ابن السائب . قال الزجاج : وإِنما سأل ذلك ، لأن الأنبياء ، بُعثوا بالعدل ، فعلم أنه لا أحد أقوَم بذلك منه . وفي قوله : { إِني حفيظ عليم } ثلاثة أقوال : أحدها : حفيظ لِما ولَّيتني ، عليم بالمجاعة متى تكون ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : حفيظ لما استودعتني ، عليم بهذه السنين ، قاله الحسن . والثالث : حفيظ للحساب ، عليم بالألسن ، قاله السدي ، وذلك أن الناس كانوا يَرِدُون على الملك من كل ناحية فيتكلمون بلغات مختلفة . واختلفوا ، هل وَّلاه الملك يومئذ ، أم لا ؟ على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه وَّلاه بعد سنة ، روى الضحاك عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رحم الله أخي يوسف ، لو لم يقل : اجعلني على خزائن الأرض ، لاستعمله من ساعته ، ولكنه أَخَّر ذلك سنة " . وذكر مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن يوسف قال إِني حفيظ عليم إِن شاء الله ، لملك من وقته " قال مجاهد : أسلم الملك على يد يوسف . وقال أهل السِّيَر : أقام في بيت الملك سنة ، فلما انصرمت ، دعاه الملك ، فتوَّجه ، وردَّاه بسيفه ، وأمر له بسرير من ذهب ، وضرب عليه كِلَّةً من إِستبرق ، فجلس على السرير كالقمر ، ودانت له الملوك ، ولزم الملك بيته ، وفوَّض أمره إِليه ، وعزل قُطَفِير عما كان عليه ، وجعل يوسف مكانه ، ثم إِن قطفير هلك في تلك الليالي ، فزوَّج الملكُ يوسفَ بامرأة قطفير ، فلما دخل عليها ، قال : أليس هذا خيراً مما تريدين ؟ فقالت : أيها الصِّدِّيق لا تلمني ، فاني كنت امرأة حسناء في مُلك ودنيا ، وكان صاحبي لا يأتي النساء ، فغلبتني نفسي ، فلما بنى بها يوسف وجدها عذراء ، فولدت له ابنين ، إِفَراييم ومِيشا ، واستوسق له ملك مصر . والقول الثاني : أنه ملَّكه بعد سنة ونصف ، حكاه مقاتل عن ابن عباس . والثالث : أنه سلَّم إِليه الأمر من وقته ، قاله وهب ، وابن السائب . فان قيل : كيف قال يوسف : « إني حفيظ عليم » ولم يقل : إِن شاء الله ؟ فعنه ثلاثة أجوبة : أحدها : أن ترك الاستثناء أوجب عقوبة بأن أخِّر تمليكُه ، على ما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : أنه أضمر الاستثناء ، كما أضمروه في قولهم : { ونمير أهلها } . والثالث : أنه أراد أن حفظي وعِلمي يزيدان على حفظ غيري وعِلمه ، فلم يحتج هذا إِلى الاستثناء ، لعدم الشك فيه ، ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري . فإن قيل : كيف مدح نفسه بهذا القول ، ومن شأن الأنبياء والصالحين التواضع ؟ فالجواب : أنه لما خلا مدحُه لنفسه من بغي وتكبر ، وكان مراده به الوصول إِلى حق يقيمه وعدل يحييه وجور يبطله ، كان ذلك جميلاً جائزاً ، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : " أنا أكرم ولد آدم على ربه " ، وقال علي بن أبي طالب عليه السلام : والله ما من آية إِلا وأنا أعلم أبِليل نزلت ، أم بنهار . وقال ابن مسعود : لو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإِبل لأتيته . فهذه الأشياء ، خرجت مخرج الشكر لله ، وتعريف المستفيد ما عند المفيد ، ذكر هذا محمد بن القاسم . قال القاضي أبو يعلى : في قصة يوسف دلالة على أنه يجوز للانسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه ، وأنه ليس من المحظور في قوله : { فلا تزكُّوا أنفسكم } [ النجم : 32 ] . قوله تعالى : { وكذلك مكَّنَّا ليوسف } في الكلام محذوف ، تقديره : اجعلني على خزائن الأرض ، قال : قد فعلت ، فحُذف ذلك ، لأن قوله : « وكذلك مكنا ليوسف » يدل عليه ، والمعنى : ومثل ذلك الإِنعام الذي أنعما عليه في دفع المكروه عنه ، وتخليصه من السجن ، وتقريبه من قلب الملك ، أقدرناه على ما يريد في أرض مصر { يتبوَّأ منها حيث يشاء } قال ابن عباس : ينزل حيث أراد . وقرأ ابن كثير ، والمفضل : « حيث نشاء » بالنون . قوله تعالى : { نصيب برحمتنا } أي : نختصُّ بنعمتنا من النبوَّة والنجاة { مَن نشاء ولا نضيع أجر المحسنين } يعني المؤمنين . يقال : إِن يوسف باع أهل مصر الطعام بأموالهم ، وحُلِيِّهم ، ومواشيهم ، وعقارهم ، وعبيدهم ، ثم بأولادهم ، ثم برقابهم ، ثم قال للملك : كيف ترى صُنع ربي ؟ فقال الملك : إِنما نحن لك تبع ، قال : فإني أُشهد الله وأُشهدك أني قد أعتقت أهل مصر ورددت عليهم أملاكهم . وكان يوسف لا يَشبع في تلك الأيام ، ويقول : إِني أخاف أن أنسى الجائع .