Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 46-47)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وقد مكروا مكرهم } في المشار إِليهم أربعة أقوال : أحدها : أنه نمرود الذي حاجَّ إِبراهيم في ربه ، قال : لا أنتهي حتى أنظر إِلى السماء ، فأمر بفرخَي نسر فرُبِّيا حتى سمنا واستعلجا ، ثم أمر بتابوت فنُحت ، ثم جعل في وسطه خشبة ، وجعل على رأس الخشبة لحماً شديد الحُمرة ، ثم جوَّعهما وربط أرجلهما بأوتار إِلى قوائم التابوت . ودخل هو وصاحب له في التابوت وأغلق بابه ، ثم أرسلهما ، فجعلا يريدان اللحم ، فصَعِدا في السماء ما شاء الله ، ثم قال لصاحبه : افتح وانظر ماذا ترى ؟ ففتح ، فقال : أرى الأرض كأنها الدخان ، فقال له : أغلِق ، ثم صَعِد ما شاء الله ، ثم قال : افتح فانظر ، ففتح ، فقال : ما أرى إِلا السماء ، وما نزداد منها إِلا بُعداً ، قال : فصوِّب خشبتك ، فصوَّبَها ، فانقضَّت النسور تريد اللحم ، فسمعت الجبال هدَّتها ، فكادت تزول عن مراتبها . هذا قول علي ابن أبي طالب . وفي رواية عنه : كانت النسور أربعة . وروى السُّدِّي عن أشياخه : أنه مازال يصعد إِلى أن رأى الأرض يحيط بها بحر ، فكأنها فَلْكة في ماءٍ ، ثم صَعِدَ حتى وقع في ظُلمة ، فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته ، ففزع ، فصوب اللحم ، فانقضَّت النسور ، فلما نزل أخذ في بناء الصرح . وروي عن ابن عباس أنه بنى الصرح ، ثم صَعِدَ منه مع النسور ، فلما لم يقدر على السماء ، اتخذه حِصناً ، فأتى الله بنيانَه من القواعد ، وقال عكرمة : كان معه في التابوت غلام قد حمل القوس والنُّشَّاب ، فرمى بسهم فعاد إِليه ملطَّخاً بالدم ، فقال : كُفيتَ إِله السماء ، وذلك من دم سمكة في بحر معلَّق في الهواء ، فلما هاله الارتفاع ، قال لصاحبه : صوِّب الخشبة ، فصوَّبَها ، فانحطت النسور ، فظنت الجبال أنه أمرٌ نزل من السماء فزالت عن مواضعها . وقال غيره : لما رأت الجبال ذلك ، ظنت أنه قيام الساعة ، فكادت تزول ، وإِلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير ، وأبو مالك . والقول الثاني : أنه بختنصر ، وأن هذه القصة له جرت ، وأن النسور لما ارتفعت تطلب اللحم إِلى حيث شاء الله ، نودي : يا أيها الطاغية ، أين تريد ؟ ففرِق ، ثم سمع الصوت فوقه ، فنزل ، فلما رأت الجبال ذلك ، ظنت أنه قيام الساعة فكادت تزول ، وهذا قول مجاهد . والثالث : أن المشار إِليهم الأمم المتقدمة . قال ابن عباس ، وعكرمة : مكرهم : شركهم . والرابع : أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين همُّوا بقتله وإِخراجه . وفي قوله : { وعند الله مكرهم } قولان : أحدهما : أنه محفوظ عنده حتى يجازَيهم به ، قاله الحسن ، وقتادة . والثاني : وعند الله جزاء مكرهم . قوله تعالى : { وإِن كان مكرهم } وقرأ أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وأُبيّ ، وابن عباس ، وعكرمة ، وأبو العالية : « وإِن كاد مكرهم » بالدال . { لتزول منه الجبال } . وقرأ الأكثرون « لِتزولَ » بكسر اللام الأولى من « لتزول » وفتح الثانية . أراد : وما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، أي : هو أضعف وأوهن ، كذلك فسرها الحسن البصري . وقرأ الكسائي « لَتزولُ » بفتح اللام الأولى وضم الثانية ، أراد : قد كادت الجبال تزول من مكرهم ، كذلك فسرها ابن الأنباري . وفي المراد بالجبال قولان : أحدهما : أنها الجبال المعروفة ، قاله الجمهور . والثاني : أنها ضُربت مثلاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبوتُ دينه كثبوت الجبال الراسية والمعنى : لو بلغ كيدهم إِلى إِزالة الجبال ، لَمَا زال أمر الإِسلام ، قاله الزجاج . قال أبو علي : ويدل على صحة هذا قوُله : { فلا تحسَبَنَّ اللهَ مُخلِفَ وعْدِهِ رسلَه } أي : فقد وعدك الظهورَ عليهم . قال ابن عباس : يريد بوعده : النصر والفتح وإِظهار الدين . { إِن الله عزيز } أي : منيع { ذو انتقام } من الكافرين ، وهو أن يجازَيهم بالعقوبة على كفرهم .