Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 2-2)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ربما } وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة والكسائي « رُبَّما » مشددة . وقرأ نافع ، وعاصم ، وعبد الوارث « رُبَما » بالتخفيف . قال الفراء : أسَد وتميم يقولون : « رُبَّما » بالتشديد ، وأهل الحجاز وكثير من قيس يقولون : « رُبَما » بالتخفيف . وتَيْم الرّباب يقولون : « رَبَّما » بفتح الراء . وقيل : إِنما قرئت بالتخفيف ، لِما فيها من التضعيف والحروف ، المضاعَفة قد تحذف ، نحو « إِنّ » و « لكنّ » فإنهم قد خفَّفوها . قال الزجاج : يقولون : رُبَّ رُجل جاءني ، ورُبَ رُجل جاءني ، وأنشد : @ أزهير إِن يَشِبِ القَذالُ فإنني رُبَ هَيْضَلٍ مَرْسٍ لفَفْت بِهَيضَلِ @@ هذا البيت لأبي كبير الهذلي ، وفي ديوانه : @ رُبَ هَيْضَلٍ لِجَبٍ لفَفْتُ بِهَيْضَلِ @@ والهَيْضَل : جمع هَيْضلة ، وهي الجماعة يُغزى بهم يقول : لففتهم بأعدائهم في القتال . و « رُبَّ » كلمة موضوعة للتقليل ، كما أن « كم » للتكثير ، وإِنما زيدت « ما » مع « رُبَّ » ليليَها الفعل ، تقول : رُبَّ رجل جاءني ، وربما جاءني زيد . وقال الأخفش : أُدخل مع « رُبَّ » ما ، ليُتكلم بالفعل بعدها ، وإِن شئت جعلت « ما » بمنزلة « شيء » ، فكأنك قلت : رُبَّ شيء ، أي : رُبَّ وَدٍّ يَوَدُّه الذين كفروا . وقال أبو سليمان الدمشقي : « ما » هاهنا بمعنى « حين » ، فالمعنى : رُبَّ حين يَوَدُّون فيه . واختلف المفسرون متى يقع هذا من الكفار ، على قولين : أحدهما : أنه في الآخرة . ومتى يكون ذلك ؟ فيه أربعة أقوال . أحدها : أنه إِذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم مَنْ شاء الله من أهل القِبلة ، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا : بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إِسلامكم وقد صرتم معنا في النار ؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأُخذنا بها ؛ فسمع الله ما قالوا ، فأمر بمن كان في النار من أهل القِبلة فأُخرجوا فلما رأى ذلك الكفار ، قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنُخرَج كما أُخرجوا ، رواه أبو موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذهب إِليه ابن عباس في رواية وأنس بن مالك ، ومجاهد ، وعطاء ، وأبو العالية ، وإِبراهيم . والثاني : أنه ما يزال الله يرحم ويشفِّع حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة ، فذلك حين يَوَدُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، رواه مجاهد عن ابن عباس . والثالث : أن الكفار إِذا عاينوا القيامة ، وَدُّوا لو كانوا مسلمين ، ذكره الزجاج . والرابع : أنه كلما رأى أهل الكفر حالاً من أحوال القيامة يعذَّب فيها الكافر ويَسلم من مكروهها المؤمن ، وَدُّوا ذلك ، ذكره ابن الأنباري . والقول الثاني : أنه في الدنيا إِذا عاينوا وتبين لهم الضلال من الهدى وعلموا مصيرهم ، وَدُّوا ذلك ، قاله الضحاك . فإن قيل : إِذا قلتم : إِن « رُبَّ » للتقليل ، وهذه الآية خارجة مخرج الوعيد ، فإنما يناسب الوعيدَ تكثيرُ ما يُتواعَد به ؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن الأنباري : أحدهن : أن « ربما » تقع على التقليل والتكثير ، كما يقع الناهل على العطشان والريَّان ، والجَوْن على الأسود والأبيض . والثاني : أن أهوال القيامة وما يقع بهم من الأهوال تكثُر عليهم ، فإذا عادت إِليهم عقولهم ، وَدُّوا ذلك . والثالث : أن هذا الذي خُوِّفوا به ، لو كان مما يُوَدُّ في حال واحدة من أحوال العذاب ، أو كان الإِنسان يخاف الندم إِذا حصل فيه ولا يتيقّنُه ، لوجب عليه اجتنابه . فإن قيل : كيف جاء بعد « ربما » مستقبَل ، وسبيلها أن يأتي بعدها الماضي ، تقول : ربما لقيت عبد الله ؟ فالجواب : أن ما وَعَدَ اللهُ حَقٌّ ، فمستقبَلُه بمنزلة الماضي ، يدل عليه قوله : { وإِذ قال الله ياعيسى ابن مريم } [ المائدة 116 ] وقوله : { ونادى أصحابُ الجنة } [ الأعراف : 44 ] { ولو ترى إِذ فزعوا فلا فوت } [ سبأ 51 ] ، على أن الكسائي والفراء حكيا عن العرب أنهم يقولون : ربما يندم فلان ، قال الشاعر :