Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 1-6)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { الحمد لله } قد شرحناه في أول « الفاتحة » . والمراد بعبده هاهنا : محمد صلى الله عليه وسلم ، وبالكتاب : القرآن ، تمدَّح بانزاله ، لأنه إِنعام على الرسول خاصة ، وعلى الناس عامَّة . قال العلماء باللغة والتفسير : في هذه الآية تقديم وتأخير ، تقديرها : أنزل على عبده الكتاب { قيّماً } أي : مستقيماً عدلاً . وقرأ أبو رجاء ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وابن يعمر ، والنخعي ، والأعمش : « قِيَماً » بكسر القاف ، وفتح الياء ، وقد فسرناه في [ الأنعام : 161 ] . قوله تعالى : { ولم يجعل له عوجا } أي : لم يجعل فيه اختلافا ، وقد سبق بيان العِوَج في [ آل عمران : 99 ] . قوله تعالى : { لينذر بأساً شديداً } أي : عذاباً شديداً ، { من لدنه } أي : من عنده ، ومن قِبَلِه ، والمعنى : لينذر الكافرين { ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم } أي : بأن لهم { أجراً حسناً } وهو الجنة . { ماكثين } أي : مقيمين ، وهو منصوب على الحال . { وينذر } بعذاب الله { الذين قالوا اتخذ الله ولداً } وهم اليهود حين قالوا : عزيرٌ ابن الله ، والنصارى حين قالوا : المسيح ابن الله ، والمشركون حين قالوا : الملائكة بنات الله ، { ما لهم به } أي : بذلك القول { من عِلْم } لأنهم قالوا : أفْتَرَى على الله ، { ولا لآبائهم } الذين قالوا ذلك ، { كَبُرَتْ } أي : عَظُمَتْ { كلمةً } الجمهور على النصب . وقرأ ابن مسعود ، والحسن ، ومجاهد ، وأبو رزين ، وأبو رجاء ، ويحيى بن يعمر ، وابن محيصن ، وابن أبي عبلة : « كلمةٌ » بالرفع . قال الفراء : من نصب ، أضمر : كُبْرتْ تلك الكلمةُ كلمةً ، ومن رفع ، لم يضمر شيئاً ، كما تقول : عَظُم قولك . وقال الزجاج : من نصب ، فالمعنى : كبرت مقالتهم : اتخذ الله ولداً كلمة ، و « كلمةً » منصوب على التمييز . ومن رفع ، فالمعنى : عظمت كلمة هي قولهم : اتخذ الله ولداً . قوله تعالى : { تخرج من أفواههم } أي : إِنها قول بالفم لا صحة لها ، ولا دليل عليها ، { إِن يقولون } أي : ما يقولون { إِلا كذبا } . ثم عاتبه على حُزْنِهِ لفوت ما كان يرجو من إِسلامهم ، فقال : { فلعلك باخع نفسك } وقرأ سعيد بن جبير ، وأبو الجوزاء ، وقتادة : « باخعُ نفسِك » بكسر السين ، على الإِضافة . قال المفسرون واللغويون : فلعلك مهلك نفسك ، وقاتل نفسك ، وأنشد أبو عبيدة لذي الرمَّة : @ ألا أيُّهَذَا الباخِعُ الوجْد نَفْسَهُ لِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ المقَادِرُ @@ أي : نحَّتْه . فإن قيل : كيف قال : { فلعلك } والغالب عليها الشك ، والله عالم بالأشياء قبل كونها ؟ فالجواب : أنها ليست بشكّ ، إِنما هي مقدَّرة تقدير الاستفهام الذي يعنى به التقرير ، فالمعنى : هل أنت قاتل نفسك ؟ ! لا ينبغي أن يطول أساك على إِعراضهم ، فإن من حَكَمْنَا عليه بالشِّقْوَةِ لا تجدي عليه الحسرة ، ذكره ابن الأنباري . قوله تعالى : { على آثارهم } أي : من بعد تولِّيهم عنك { إِن لم يؤمنوا بهذا الحديث } يعني : القرآن { أسفا } وفيه أربعة أقوال . أحدها : حَزَناً ، قاله ابن عباس ، وابن قتيبة . والثاني : جَزَعاً ، قاله مجاهد . والثالث : غَضَباً ، قاله قتادة . والرابع : نَدَماً ، قاله السدي . وقال أبو عبيدة : نَدَماً وتَلهُّفاً وأَسىً . قال الزجاج : الأسف : المبالغة في الحزن ، أو الغضب ، يقال : قد أسف الرجل ، فهو أَسيف ، قال الشاعر : @ أَرَى رَجُلاً مِنْهُمْ أَسِيفاً كَأَنَّما يَضُمُّ إِلى كَشْحَيْهِ كَفّاً مُخَضَّبا @@ وهذه الآية يشير بها إِلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثرة الحرص على إيمان قومه لئلا يؤدّي ذلك إِلى هلاك نفسه بالأسف .