Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 47-51)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ويوم تُسَيَّر الجبال } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر : « ويوم تُسَيَّر » بالتاء « الجبالُ » رفعاً . وقرأ نافع . وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : « نُسَيِّرُ » بالنون « الجبالَ » نصباً . وقرأ ابن محيصن : « ويوم تَسِيْرُ » بفتح التاء وكسر السين وتسكين الياء « الجبالُ » بالرفع . قال الزجاج : « ويوم » منصوب على معنى : اذكر ، ويجوز أن يكون منصوباً على : والباقيات الصالحات خير يومَ تَسِيرُ الجبال . قال ابن عباس : تُسيَّر الجبال عن وجه الأرض ، كما يُسيَّر السحاب في الدنيا ، ثم تكسّر فتكون في الأرض كما خرجت منها . قوله تعالى : { وترى الأرض بارزة } وقرأ عمرو بن العاص ، وابن السميفع ، وأبو العالية : « وتُرى الأرضُ بارزةً » برفع التاء والضاد . وقرأ أبو رجاء العطاردي كذلك ، إِلا أنه فتح ضاد « الأرضَ » . وفي معنى « بارزة » قولان . أحدهما : [ ظاهرة ] فليس عليها شيء من جبل أو شجر أو بناءٍ ، قاله الأكثرون . والثاني : بارزاً أهلها من بطنها ، قاله الفراء . قوله تعالى : { وحشرناهم } يعني المؤمنين والكافرين { فلم نُغادِر } قال ابن قتيبة : أي : فلم نُخَلِّف ، يقال : غادرتُ كذا : إِذا خلّفته ، ومنه سمي الغَدِير ، لأنه ماءٌ تُخَلِّفُه السيول . وروى أبان : « فلم تغادر » بالتاء . قوله تعالى : { وعُرضوا على ربك صفاً } إِن قيل : هذا أمر مستقبل ، فكيف عُبِّر [ عنه ] بالماضي ؟ فالجواب : أن ما قد علم الله وقوعه ، يجري مجرى المعايَن ، كقوله : { ونادى أصحاب الجنة } [ الأعرف : 43 ] . وفي معنى قوله : { صفاً } أربعة أقوال . أحدها : أنه بمعنى : جميعاً ، كقوله : { ثم ائتوا صفاً } [ طه : 64 ] ، قاله مقاتل . والثاني : أن المعنى : وعُرضوا على ربِّك مصفوفين ، هذا مذهب البَصريين . والثالث : أن المعنى : وعُرضوا على ربِّك صفوفاً ، فناب الواحد عن الجميع ، كقوله : { ثم نُخْرِجُكم طفلاً } [ الحج : 5 ] . والرابع : أنه لم يَغِبْ عن الله منهم أحد ، فكانوا كالصف الذي تسهل الإِحاطة بجملته ، ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري . وقد قيل : إِن كلَّ أمة وزمرة صفٌّ . قوله تعالى : { لقد جئتمونا } ، فيه إِضمار « فيقال لهم » . وفي المخاطبين بهذا قولان . أحدهما : أنهم الكُلّ . والثاني : الكُفار ، فيكون اللفظ عامّاً ، والمعنى خاصّاً . وقوله : { كما خلقناكم أول مَرَّة } مفسر في [ الأنعام : 94 ] . وقوله : { بل زعمتم } خطاب الكفار خاصة ، والمعنى : زعمتم في الدنيا { أن لن نجعل لكم موعداً } للبعث ، والجزاء . قوله تعالى : { ووُضع الكتاب } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أنه الكتاب الذي سُطِر فيه ما تعمل الخلائق قبل وجودهم ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه الحساب ، قاله ابن السائب . والثالث : كتاب الأعمال ، قاله مقاتل . وقال ابن جرير : وُضع كتاب أعمال العباد في أيديهم ، فعلى هذا ، الكتاب اسم جنس . قوله تعالى : { فترى المجرمين } قال مجاهد : [ هم ] الكافرون . وذكر بعض أهل العلم أن كل مجرم ذُكر في القرآن ، فالمراد به : الكافر . قوله تعالى : { مشفقين } أي : خائفين { مما فيه } من الأعمال السيئة { ويقولون يا ويلتنا } هذا قول كل واقع في هَلَكة . وقد شرحنا هذا المعنى في قوله : { يا حسرتنا } [ الأنعام : 31 ] . قوله تعالى : { لا يُغادِر صغيرةً ولا كبيرة إِلا أحصاها } هذا على ظاهره في صغير الأمور وكبيرها ؛ وقد روى عكرمة عن ابن عباس ، قال : الصغيرة : التبسم ، والكبيرة : القهقهة . وقد يُتوهَّم أن المراد بذلك صغائر الذنوب وكبائرها ، وليس كذلك ، إِذ ليس الضحك والتبسم ، مجرَّدهما من الذنوب ، وإِنما المراد أن التبسم من صغار الأفعال ، والضحك فعل كبير ، وقد روى الضحاك عن ابن عباس ، قال : الصغيرة : التبسم والاستهزاء بالمؤمنين ، والكبيرة : القهقهة بذلك ؛ فعلى هذا يكون ذنباً من الذنوب لمقصود فاعله ، لا لنفسه . ومعنى « أحصاها » : عدَّها وأثبتها ، والمعنى : وُجدتْ مُحصاةً . { ووجدوا ما عملوا حاضراً } أي : مكتوباً مُثْبَتاً في الكتاب ، وقيل : رأوا جزاءه حاضراً . وقال أبو سليمان : الصحيح عند المحققين أن صغائر المؤمنين الذين وُعدوا العفو عنها إِذا اجتنبوا الكبائر ، إِنما يعفى عنها في الآخرة بعد أن يراها صاحبها . قوله تعالى : { ولا يظلم ربك أحداً } قال أبو سليمان : لا تنقص حسنات المؤمن ، ولا يزاد في سيئات الكافر . وقيل : إِن كان للكافر فِعل خير ، كعتق رقبة ، وصدقة ، خُفِّف عنه به من عذابه ، وإِن ظلمه مسلم ، أخذ الله من المسلم ، فصار الحق لله . ثم إِن الله تعالى أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يذكِّر هؤلاء المتكبِّرين عن مجالسة الفقراء قصةَ إِبليس وما أورثه الكِبْر ، فقال : { وإِذ قلنا } أي : اذكر ذلك . وفي قوله : { كان من الجن } قولان . أحدهما : أنه من الجن حقيقة ، لهذا النص ؛ واحتج قائلو هذا بأن له ذريةً وليس للملائكة ذريةٌ وأنه كَفَرَ ، والملائكة رسل الله ، فهم معصومون من الكفر . والثاني : أنه كان من الملائكة ، وإِنما قيل : « من الجن » ، لأنه كان من قَبِيلٍ من الملائكة يقال لهم : الجن ، قاله ابن عباس ؛ وقد شرحنا هذا في [ البقرة : 34 ] . قوله تعالى : { ففسق عن أمر ربه } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : خرج عن طاعة ربه ، تقول العرب : فسَقت الرُّطَبة من قشرها : إِذا خرجت منه ، قاله الفراء ، وابن قتيبة . والثاني : أتاه الفسق لما أُمر فعصى ، فكان سبب فسقه عن أمر ربه ، قال الزجاج : وهذا مذهب الخليل وسيبويه ، وهو الحق عندنا . والثالث : ففسق عن ردِّ أمر ربِّه ، حكاه الزجاج عن قطرب . قوله تعالى : { أفتتخذونه وذُرّيَّته أولياء من دوني } [ أي ] : توالونهم بالاستجابة لهم ؟ ! قال الحسن ، وقتادة : ذريته : أولاده ، وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم . قال مجاهد : ذريته : الشياطين ، ومن ذريته زَلَنْبُور صاحب راية إِبليس بكل سوق ، وثبْر ، وهو صاحب المصائب ، والأعور صاحب الرياء ، ومِسْوَط صاحب الأخبار يأتي بها فيطرحها على أفواه الناس ، فلا يوجد لها أصل ، وداسم صاحب الإِنسان إِذا دخل بيته ولم يسلِّم ولم يذكر اسم الله ، فهو يأكل معه إِذا أكل . قال بعض أهل العلم : إِذا كانت خطيئة الإِنسان في كِبْر فلا تَرْجُه ، وإِن كانت في شهوة فارجه ، فإن معصية إِبليس كانت بالكِبْر ، ومعصية آدم بالشهوة . قوله تعالى : { بئس للظالمين بدلاً } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : بئس الاتخاذ للظالمين بدلاً . والثاني : بئس الشيطان . والثالث : بئس الشيطان والذرِّيَّة ، ذكرهنَّ ابن الأنباري . قوله تعالى : { ما أشهدتُهم خَلْق السموات والأرضِ } وقرأ أبو جعفر ، وشيبة : « ما أشهدناهم » بالنون والألف . وفي المشار إِليهم أربعة أقوال . أحدها : إِبليس وذريته . والثاني : الملائكة . والثالث : جميع الكفار . والرابع : جميع الخلق ؛ والمعنى : إِني لم أشاورهم في خلقهن ؛ وفي هذا بيان للغَناء عن الأعوان ، وإِظهار كمال القدرة . قوله تعالى : { ولا خَلْقَ أنفسهم } أي : ما أشهدت بعضَهم خَلْقَ بعض ، ولا استعنت ببعضهم على إِيجاد بعض . قوله تعالى : { وما كنتُ مُتَّخذَ المضِلِّين } [ يعني : الشياطين ] { عَضُداً } أي : أنصاراً وأعواناً . والعَضُد يستعمل كثيراً في معنى العون ، لأنه قِوام [ اليد ] ، قال الزجاج : والاعتضاد : التقوِّي وطلب المعونة ، يقال : اعتضدت بفلان ، أي : استعنت به . وفي ما نفى اتخاذهم عضداً فيه قولان . أحدهما : أنه الولايات ، والمعنى : ما كنت لأولي المضلِّين ، قاله مجاهد . والثاني : أنه خَلْق السموات والأرض ، قاله مقاتل . وقرأ الحسن ، والجحدري ، وأبو جعفر : « وما كنتَ » بفتح التاء .