Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 208-210)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال . أحدها أنها نزلت فيمن أسلم من أهل الكتاب ، كانوا بعد إسلامهم يتقون السبت ولحم الجمل ، وأشياء يتقيها أهل الكتاب . رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أنها نزلت في أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، أمروا بالدخول في الإسلام ، روي عن ابن عباس أيضاً ، وبه قال الضحاك . والثالث : أنها نزلت في المسلمين ، يأمرهم بالدخول في شرائع الإسلام كلها ، قاله مجاهد وقتادة . وفي « السلم » ثلاث لغات : كسر السين ، وتسكين اللام . وبها قرأ أبو عمرو ، وابن عامر في « البقرة » وفتحا السين في « الأنفال » وسورة « محمد » وفتح السين مع تسكين اللام . وبها قرأ ابن كثير ، ونافع ، والكسائي ، في المواضع الثلاثة ، وفتح السين واللام . وبها قرأ الأعمش في « البقرة » خاصة . وفي معنى « السلم » قولان . أحدهما : أنه الإسلام ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وابن قتيبة ، والزجاج في آخرين . والثاني : أنها الطاعة ، روي عن ابن عباس أيضاً ، وهو قول أبي العالية ، والربيع . وقال الزجاج : و « كافة » بمعنى الجميع ، وهو في اشتقاق اللغة : ما يكف الشيء في آخره ، من ذلك : كُفة القميص ، وكل مستطيل فحرفه كُفَّة : بضم الكاف . ويقال في كل مستدير : كِفه بكسر الكاف ، نحو : كِفّة الميزان . ويقال : إنما سميت كُفّة الثوب ، لأنها تمنعه أن ينتشر ، وأصل الكف : المنع ، وقيل لطرف اليد : كف ، لأنها تكف بها عن سائر البدن ، ورجل مكفوف : قد كف بصره أن ينظر . واختلفوا : هل قوله : « كافة » يرجع إلى السلم ، أو إلى الداخلين فيه ؟ على قولين . أحدهما : أنه راجع إلى السلم ، فتقديره : ادخلوا في جميع شرائع الإسلام . وهذا يخرج على القول الأول الذي ذكرناه في نزول الآية . والثاني : أنه يرجع إلى الداخلين فيه ، فتقديره : ادخلوا كلكم في الإسلام ، وبهذا يخرج على القول الثاني . وعلى القول الثالث يحتمل قوله : « كافة » ثلاثة أقوال . أحدها : أن يكون أمراً للمؤمنين بألسنتهم أن يؤمنوا بقلوبهم ، والثاني أن يكون أمراً للمؤمنين بالدخول في جميع شرائِعه . والثالث : أن يكون أمراً لهم بالثبات عليه ، كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا } [ النساء : 136 ] و « خطوات الشيطان » المعاصي . وقد سبق شرحها . و « البينات » الدلالات الواضحات . وقال ابن جريج : هي الإسلام والقرآن . و « ينظرون » بمعنى : ينتظرون . قوله تعالى : { إلا أن يأتيهم الله } كان جماعة من السلف يمسكون عن الكلام في مثل هذا . وقد ذكر القاضي أبو يعلى عن أحمد أنه قال : المراد به : قدرته وأمره . قال : وقد بينه في قوله تعالى : { أوَ يأتي أمر ربك } [ الانعام : 158 ] . قوله تعالى : { في ظلل من الغمام } أي : بظلل . والظلل : جمع ظلة . و « الغمام » : السحاب الذي لا ماء فيه . قال الضحاك : في قطع من السحاب . ومتى يكون مجيء الملائكة ؟ فيه قولان . أحدهما : أنه يوم القيامة ، وهو قول الجمهور . والثاني : أنه عند الموت . قاله قتادة . وقرأ الحسن بخفض « الملائكة » و { قضي الأمر } : فُرغ منه . و { إلى الله ترجع الأمور } . أي : تصير . قرأ ابن كثير ، ونافع وأبو عمرو وعاصم ، « تُرجع » بضم التاء . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكَسائي بفتحها . فان قيل : فكأن الأمور كانت إلى غيره ، فعنه أربعة أجوبة . أحدها : أن المراد به إعلام الخلق أنه المجازي على الأعمال بالثواب والعقاب ، قاله الزجاج . والثاني : أنه لما عَبَد قومٌ غيره ، ونسبوا أفعاله إلى سواه ، ثم انكشف الغطاء يوم القيامة ؛ ردوا إليه ما أضافوه إلى غيره . والثالث : أن العرب تقول : قد رجع عليَّ من فلان مكروه : إذا صار إليه منه مكروه ، و إن لم يكن سبق ، قال الشاعر : @ فإن تكن الأيام أحسن مرَةً إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب @@ ذكرهما ابن الأنباري ، ومما يشبه هذا قول لبيد : @ وما المرء إِلا كالشهاب وضوئه يحور رماداً بعد إِذ هو ساطع @@ أراد : يصير رماداً ، لا أنه كان رماداً . وقال أمية بن أبي الصلت : @ تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ شيبا بماء فعادا بعد أَبوالا @@ أي : صار . والرابع : أنه لما كانت الأمور إليه قبل الخلق ، ثم أوجدهم فملكهم بعضها رجعت إليه بعد هلاكهم ، فإن قيل : قد جرى ذكر اسمه تعالى في قوله : { أن يأتيهم الله } فما الحكمة في أنه لم يقل : وإليه ترجع الأمور ؟ فالجواب : أن إعادة اسمه أفخم وأعظم ، والعرب إذا جرى ذكر شيء يفخم أعادوا لفظه ، وأنشدوا : @ لا أرى الموت يسبق الموت شيئاً نغص الموت ذا الغنى والفقيرا @@ فأعادوا ذكر الموت لفخامته في صدورهم ، ذكره الزجاج .