Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 282-282)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } قال الزجاج : يقال : داينت الرجل إذا عاملته ، فأخذت منه بدين ، وأعطيته . قال الشاعر : @ داينت أروى والديون تقضى فماطلت بعضاً وأدت بعضاً @@ والمعنى : إذا كان لبعضكم على بعض دين إلى أجل مسمى ، فاكتبوه ، فأمر الله تعالى بكتابة الدين ، وبالإشهاد ، حفظاً منه للأموال ، وللناس من الظلم ، لأن من كانت عليه البينة ، قل تحديثه لنفسه بالطمع في إذهابه . وقال ابن عباس : نزلت هذه الآية في السلم خاصة . فإن قيل : ما الفائدة في قوله « بدين » و « تداينتم » يكفي عنه ؟ فالجواب : إن تداينتم يقع على معنيين . أحدهما : المشاراة والمبايعة والإقراض . والثاني : المجازاة بالأفعال ، فالأول يقال فيه : الدين بفتح الدال ، والثاني : يقال منه : الدين بكسر الدال . قال تعالى : { يسألون أيان يوم الدين } [ الذاريات : 12 ] أي : يوم الجزاء . وأنشدوا : @ … … دناهم كما دانوا @@ فدل قوله : « بدين » على المراد بقوله « تداينتم » ذكره ابن الأنباري . فأما العدل فهو الحق . قال قتادة : لا تدعن حقاً ، ولا تزيدن باطلا . قوله تعالى : { ولا يأب كاتب } أي : لا يمتنع أن يكتب كما علمه الله ، وفيه قولان . أحدهما : كما علمه الله الكتابة ، قاله سعيد بن جبير . وقال الشعبي : الكتابة فرض على الكفاية كالجهاد . والثاني : كما أمره الله به من الحق ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { وليملل الذي عليه الحق } قال سعيد بن جبير : يعني المطلوب ، يقول : ليمل ما عليه من حق الطالب على الكاتب ، { ولا يبخس منه شيئاً } أي : لا ينقص عند الإملاء . قال شيخنا أبو منصور اللغوي : يقال : أمللت أمل ، وأمليت أملي لغتان ، فأمليت من الإملاء وأمللت من الملل والملال ، لأن الممل يطيل قوله على الكاتب ويكرره . قوله تعالى : { فان كان الذي عليه الحق سفيهاً } في المراد بالسفيه هاهنا أربعة أقوال . أحدها : أنه الجاهل بالأموال ، والجاهل بالإملاء . قاله مجاهد ، وابن جبير . والثاني : أنه الصبي والمرأة ، قاله الحسن . والثالث : أنه الصغير ، قاله الضحاك ، والسدي . والرابع : أنه المبذر ، قاله القاضي أبو يعلى . وفي المراد بالضعيف ثلاثة أقوال . أحدها : أنه العاجز والأخرس ، ومن به حمق ، قاله ابن عباس ، وابن جبير . والثاني : أنه الأحمق ، قاله مجاهد ، والسدي . والثالث : أنه الصغير قاله القاضي أبو يعلى . قوله تعالى : { أو لا يستطيع أن يملَّ هو } قاله ابن عباس : لا يستطيع لعيِّه . وقال ابن جبير : لا يحسن أن يمل ما عليه ، وقال القاضي أبو يعلى : هو المجنون . قوله تعالى : { فليملل وليه } في هاء الكناية قولان . أحدها : أنها تعود إلى الحق ، فتقديره : فليملل ولي الحق ، هذا قول ابن عباس ، وابن جبير ، والربيع بن أنس ، ومقاتل ، واختاره ابن قتيبة . والثاني : أنها تعود إلى الذي عليه الحق ، وهذا قول الضحاك ، وابن زيد ، واختاره الزجاج ، وعاب قول الأولين ، فقال : كيف يقبل قول المدّعى ؟ ! وما حاجته إلى الكتاب والإشهاد ، والقول قوله ؟ ! وهذا اختيار القاضي أبي يعلى أيضاً . والعدل : الإنصاف . وفي قوله تعالى : { من رجالكم } قولان . أحدهما : أنه يعني الأحرار ، قاله مجاهد ، والثاني : أهل الإسلام ، وهذا اختيار الزجاج ، والقاضي أبي يعلى ، ويدل عليه أنه خاطب المؤمنين في أول الآية . قوله تعالى : { فإن لم يكونا رجلين } أراد : فإن لم يكن الشهيدان رجلين { فرجل وامرأتان } ولم يرد به : إن لم يوجد رجلان . قوله تعالى : { ممن ترضون من الشهداء } قال ابن عباس : من أهل الفضل والدين . قوله تعالى : { أن تضل إِحداهما فتذكرّ إِحداهما الأخرى } ذكر الزجاج ، أن الخليل ، وسيبويه ، وسائر النحويين الموثوق بعلمهم ، قالوا : معناه : استشهدوا امرأتين ، لأن تذكر إِحداهما الأخرى . ومن أجل أن تذكر إحداهما الأخرى . وقرأ حمزة « إن تضل » بكسر الألف . والضلال هاهنا : النسيان ، قاله ابن عباس والضحاك ، والسدي والربيع ، ومقاتل ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة . وأما قوله : « فتذكر » فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، بالتخفيف مع نصب الراء ، وقرأ حمزة بالرفع مع تشديد الكاف ، وقرأ الباقون بالنصب ، وتشديد الكاف ، فمن شدد أراد الإِدِّكار عند النسيان ، وفي قراءة من خفف قولان . أحدهما : أنها بمعنى المشددة أيضاً ، وهذا قول الجمهور . قال الضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي : ومعنى القراءتين واحد . والثاني : أنها بمعنى : تجعل شهادتهما بمنزلة شهادة ذكر ، وهذا مذهب سفيان بن عيينة ، وحكى الأصمعي عن أبي عمرو نحوه ، واختاره القاضي أبو يعلى ، وقد رده جماعة ، منهم ابن قتيبة . قال أبو علي : ليس مذهب ابن عيينة بالقوي ، لأنهن لو بلغن ما بلغن ، لم تجز شاهدتهن إلا أن يكون معهن رجل ، ولأن الضلال هاهنا : النسيان ، فينبغي أن يقابل بما يعادله ، وهو التذكير . قوله تعالى : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } قال قتادة : كان الرجل يطوف في الحِواء العظيم ، [ فيه القوم ، فيدعوهم إلى الشهادة ] فلا يتبعه منهم أحد ، فنزلت هذه الآية . وإلى ماذا يكون هذا الدعاء ؟ فيه ثلاثة أقوال . أحدها : إلى تحمل الشهادة ، وإثباتها في الكتاب ، قاله ابن عباس ، وعطية ، وقتادة ، والربيع . والثاني : إلى إقامتها وأدائها عند الحكام بعد أن تقدمت شهادتهم بها ، قاله سعيد بن جبير ، وطاووس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، والشعبي ، وأبو مجلز ، والضحاك ، وابن زيد . ورواه الميموني عن أحمد ابن حنبل . والثالث : إلى تحملها وإلى أدائها ، روي عن ابن عباس ، والحسن ، واختاره الزجاج ، قال القاضي أبو يعلى : إنما يلزم الشاهد أن لا يأبى إذا دعي لإقامة الشهادة إذا لم يوجد من يشهد غيره ، فأما إن كان قد تحملها جماعة ، لم تتعين عليه ، وكذلك في حال تحملها ، لأنه فرض على الكفاية كالجهاد ، فلا يجوز لجميع الناس الامتناع منه . قوله تعالى : { ولا تسأموا } أي : لا تملوا وتضجروا أن تكتبوا القليل والكثير الذي قد جرت العادة بتأجيله إلى أجله ، أي : إلى محل أجله { ذلكم أقسط عند الله } أي : أعدل ، { وأقوم للشهادة } لأن الكتاب يذكر الشهود جميع ما شهدوا عليه { وأدنى } أي : أقرب { ألاَّ ترتابوا } أي : لا تشكوا { إلا أن تكون } الأموال { تجارة } أي : إلا أن تقع تجارة . وقرأ عاصم « تجارة » بالنصب على معنى : إلا أن تكون الأموال تجارة حاضرة ، وهي البيوع التي يستحق كل واحد منهما على صاحبه تسليم ما عقد عليه من جهته بلا تأجيل ، فأباح ترك الكتاب فيها توسعة ، لئلا يضيق عليهم أمر تبايعهم في مأكول أو مشروب . قوله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } الإشهاد مندوب إليه فيما جرت العادة بالإشهاد عليه . فصل وهذا الآية تتضمن الأمر باثبات الدين في كتاب ، وإثبات شهادة في البيع والدين . واختلف العلماء ، هل هذا أمر وجوب ، أم على وجه الاستحباب ؟ فذهب الجمهور إلى أنه أمر ندب واستحباب فعلى هذا هو محكم ، وذهبت طائفة إلى أن الكتاب والإشهاد واجبان ، روي عن ابن عمر ، وأبي موسى ، ومجاهد ، وابن سيرين ، وعطاء ، والضحاك ، وأبي قلابة ، والحكم ، وابن زيد . ثم اختلف هؤلاء ، هل هذا الحكم باقٍ ، أم منسوخ ؟ فذهب أكثرهم إلى أنه محكم غير منسوخ ، وذهبت طائفة إلى أنه منسوخ بقوله تعالى : { فان أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي أؤتمن أمانته } . قوله تعالى : { ولا يضارَّ كاتب ولا شهيد } قرأ أبو جعفر بتخفيف الراء من « يضار » وسكونها . وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها : أن معناه : لا يضارَّ بأن يدعى وهو مشغول ، هذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، والربيع بن أنس ، والفراء ، ومقاتل . وقال الربيع : كان أحدهم يجيء إلى الكاتب فيقول : اكتب لي ، فيقول : إني مشغول ، فيلزمه ، ويقول : إنك قد أُمرت بالكتابة ، فيضاره ، ولا يدعه ، وهو يجد غيره ، وكذلك يفعل الشاهد ، فنزلت { ولا يضارَّ كاتب ولا شهيد } . والثاني : أن معناه : النهي للكاتب أن يضار من يكتب له ، بأن يكتب غير ما يمل عليه ، وللشاهد أن يشهد بما لم يستشهد عليه ، هذا قول الحسن ، وطاووس ، وقتادة ، وابن زيد ، واختاره ابن قتيبة ، والزجاج . واحتج الزجاج على صحته بقوله تعالى : { وإن تفعلوا فانه فسوق بكم } قال : ولا يسمى من دعا كاتباً ليكتب ، وهو مشغول ، أو شاهداً ؛ فاسقاً ، إنما يسمى من حرف الكتاب ، أو كذب في الشهادة ، فاسقاً . والثالث : أن معنى المضارّة : امتناع الكاتب أن يكتب ، والشهادة أن يشهد ، وهذا قول عطاء في آخرين . قوله تعالى : { وإن تفعلوا } يعني : المضارة .