Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-30)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وإِذ قالَ ربُّكَ للملائِكَةِ } . كان أبو عبيدة يقول : « إذ » ملغاة ، وتقدير الكلام : وقال ربك ، وتابعه ابن قتيبة ، وعاب ذلك عليهما الزجاج وابن القاسم . وقال الزجاج : إذ : معناها : الوقت ، فكأنه قال : ابتداء خلقكم إذ قال ربك للملائكة . والملائكة : من الألوك ، وهي الرسالة ، قال لبيد : @ وغلام أرسلتْه أمه بألوك فبذلنا ما سأل @@ وواحد الملائكة : ملك ، والأصل فيه : ملأك . وأنشد سيبويه : @ فلست لإِنسي ولكن لملأكٍ تنزل من جوِّ السماء يصوب @@ قال أبو إِسحاق : ومعنى ملأك : صاحب رسالة ، يقال : مألَكة ومألُكة وملأكة ، ومآلك : جمع مألكة . قال الشاعر : @ أبلغ النعمان عني مألكاً أنه قد طال حبسي وانتظاري @@ وفي هؤلاء الملائكة قولان . أحدهما : أنهم جميع الملائكة ، قاله السدي عن أشياخه . والثاني : أنهم الذين كانوا مع إبليس حين أُهبط إلى الأرض ، ذكره أبو صالح عن ابن عباس . ونقل أنه كان في الأرض قبل آدم خلق ، فأفسدوا ، فبعث الله إبليس في جماعة من الملائكة فأهلكوهم . واختلفوا ما المقصود في إخبار الله عز وجل الملائكة بخلق آدم على ستة أقوال . أحدها : أن الله تعالى علم في نفس إبليس كبراً ، فأحب أن يطلع الملائكة عليه ، وأن يظهر ما سبق عليه في علمه ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، والسدي عن أشياخه . والثاني : أنه أراد أن يبلو طاعة الملائكة ، قاله الحسن . والثالث : أنه لما خلق النار خافت الملائكة ، فقالوا : ربنا لمن خلقت هذه ؟ قال : لمن عصاني ، فخافوا وجود المعصية منهم ، وهم لا يعلمون بوجود خلق سواهم ، فقال لهم : { إني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] قاله ابن زيد . والرابع : أنه أراد إظهار عجزهم عن الإحاطة بعلمه ، فأخبرهم حتى قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ؟ فأجابهم : إني أعلم ما لا تعلمون . والخامس : أنه أراد تعظيم آدم بذكره بالخلافة قبل وجوده ، ليكونوا معظمين له إن أوجده . والسادس : أنه أراد إعلامهم بأنه خلقه ليسكنه الأرض ، وإن كان ابتداء خلقه في السماء . والخليفة : هو القائم مقام غيره ، يقال : هذا خلف فلان وخليفته . قال ابن الأنباري : والأصل في الخليفة خليف ، بغير هاء ، فدخلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف ، كما قالوا : علاَّمة ونسّابة وراوية . وفي معنى خلافة آدم قولان . أحدهما : أنه خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه ، ودلائل توحيده ، والحكم في خلقه ، وهذا قول ابن مسعود ومجاهد . والثاني : أنه خلف من سلف في الأرض قبله ، وهذا قول ابن عباس والحسن . قوله تعالى : { أَتجعلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أن ظاهر الألف الاستفهام ، دخل على معنى العلم ليقع به تحقيق . قال جرير : @ ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح @@ معناه : أنتم خير من ركب المطايا . والثاني : أنهم قالوه لاستعلام وجه الحكمة ، لا على وجه الاعتراض . ذكره الزجاج . والثالث : أنهم سألوا عن حال أنفسهم ، فتقديره : أتجعل فيها من يفسد فيها ونحن نسبح بحمدك أم لا ؟ وهل علمت الملائكة أنهم يفسدون بتوقيف من الله تعالى ، أم قاسوا على حال من قبلهم ؟ فيه قولان . أحدهما : أنه بتوقيف من الله تعالى ، قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ، وابن زيد وابن قتيبة . وروى السدي عن أشياخه : أنهم قالوا : ربنا وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ، ويقتل بعضهم بعضاً ، فقالوا : { أَتجعل فيها من يفسد فيها } . والثاني : أنهم قاسوه على أحوال من سلف قبل آدم ، روي نحو هذا عن ابن عباس وأبي العالية ومقاتل . قوله تعالى : { وَيَسْفك الدِّماءَ } قرأ الجمهور بكسر الفاء ، وضمها ابن مصرف وإبراهيم بن أبي عبلة ، وهما لغتان ، وروي عن طلحة وابن مقسم : ويُسَفِّك : بضم الياء ، وفتح السين ، وتشديد الفاء مع كسرها ، وهي لتكثير الفعل وتكريره . وسفكُ الدم : صبُّه وإراقته وسفحه ، وذلك مستعمل في كل مضيّع ، إلا أن السفك يختص الدم ، والصب والسفح والإِراقة يقال في الدم وفي غيره . وفي معنى تسبيحهم أربعة أقوال . أحدها : أنه الصلاة ، قاله ابن مسعود وابن عباس . والثاني : أنه قول : سبحان الله ، قاله قتادة . والثالث : أنه التعظيم والحمد ، قاله أبو صالح . والرابع : أنه الخضوع والذل ، قاله محمد بن القاسم الأنباري . قوله تعالى : { وَنُقدِّسُ لك } القدس : الطهارة ، وفي معنى تقديسهم ثلاثة أقوال . أحدها : أن معناه : نتطهر لك من أعمالهم ، قاله ابن عباس . والثاني : نعظمك ونكبرك ، قاله مجاهد . والثالث : نصلي لك ، قاله قتادة . قوله تعالى : { إني أعلم ما لا تعلمون } فيه أربعة أقوال . أحدها : أن معناه : أعلم ما في نفس إبليس من البغى والمعصية ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي عن أشياخه . والثاني : أعلم أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء وصالحون ، قاله قتادة . والثالث : أعلم أني أملأ جهنم من الجنة والناس ، قاله ابن زيد . والرابع : أعلم عواقب الأمور ، فانا أبتلي من تظنون أنه مطيع ، فيؤديه الابتلاء إلى المعصية كإبليس ، ومن تظنون به المعصية فيطيع ، قاله الزجاج . الإشارة إلى خلق آدم عليه السلام روى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إِن الله ، عز وجل ، خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، منهم الأحمر [ والأبيض ] والأسود ، وبين ذلك ، والسهل والحزن ، وبين ذلك ، والخبيث والطيب " . قال الترمذي : هذا حديث صحيح . وقد أخرج البخاري ومسلم في » الصحيحين « من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . أنه قال : " خلق الله تعالى آدم طوله ستون ذراعاً " وأخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " خلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة ، ما بين العصر إلى الليل " قال ابن عباس : لما نفخ فيه الروح ، أتته النفخة من قبل رأسه ، فجعلت لا تجري منه في شيء إلا صار لحماً ودماً .