Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 77-78)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { اركعوا واسجدوا } قال المفسرون : المراد : صلُّوا ، لأن الصلاة لا تكون إِلا بالركوع والسجود ، { واعبُدوا ربَّكم } أي : وحِّدوه { وافعلوا الخير } يريد : أبواب المعروف { لعلَّكم تُفْلِحون } أي : لكي تسعدوا وتبقوا في الجنة . فصل لم يختلف أهل العلم في السجدة الأولى من ( الحج ) واختلفوا في هذه السجدة الأخيرة ؛ فروي عن عمر ، وابن عمر ، وعمَّار ، وأبي الدرداء ، وأبي موسى ، وابن عباس : أنهم قالوا : في ( الحج ) سجدتان ، وقالوا : فضّلت هذه السورة على غيرها بسجدتين ، وبهذا قال أصحابنا ، وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه . وروي عن ابن عباس أنه قال : في ( الحج ) سجدة ، وبهذا قال الحسن ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وإِبراهيم ، وجابر بن زيد ، وأبو حنيفة وأصحابه ، ومالك ؛ ويدل على الأول ما " روى عقبة بن عامر ، قال : قلت : يا رسول الله أفي ( الحج ) سجدتان ؟ قال : « نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما » " . فصل واختلف العلماء في عدد سجود القرآن ، فروي عن أحمد روايتان ، إِحداهما : أنها أربع عشرة سجدة . وبه قال الشافعي ، والثانية : أنها خمس عشرة ، فزاد سجدة [ ص : 24 ] . وقال أبو حنيفة : هي أربع عشرة ، فأخرج التي في آخر ( الحج ) وأبدل منها سجدة [ ص : 24 ] . فصل وسجود التلاوة سُنَّة ، وقال أبو حنيفة : واجب . ولا يصح سجود التلاوة إِلا بتكبيرة الإِحرام والسلام ، خلافاً لأصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي . ولا يجزىء الركوع عن سجود التلاوة ، وقال أبو حنيفة : يجزىء . ولا يسجد المستمع إِذا لم يسجد التالي ، نص عليه أحمد رضي الله عنه . وتكره قراءة السجدة في صلاة الإِخفات ، خلافاً للشافعي . قوله تعالى : { وجاهِدوا في الله } في هذا الجهاد ثلاثة أقوال . أحدها : أنه فِعل جميع الطاعات ، هذا قول الأكثرين . والثاني : أنه جهاد الكفار ، قاله الضحاك . والثالث : أنه جهاد النفس والهوى ، قاله عبد الله بن المبارك . فأما حق الجهاد ، ففيه ثلاثة أقوال . أحدها : أنَّه الجِدُّ في المجاهدة ، واستيفاء الإِمكان فيها . والثاني : أنه إِخلاص النِّيَّة لله عز وجل . والثالث : أنه فِعل ما فيه وفاء لحق الله عز وجل . فصل وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة ، واختلفوا في ناسخها على قولين . أحدهما : قوله : { لا يكلف الله نفساً إِلا وسعها } [ البقرة : 286 ] . والثاني : قوله : { فاتقوا الله ما استطعتم } [ التغابن : 16 ] . وقال آخرون : بل هي مُحْكَمَةٌ ، ويؤكده القولان الأولان في تفسير حق الجهاد ، وهو الأصح ، لأن الله تعالى لا يكلِّف نفساً إِلا وسعها . قوله تعالى : { هو اجتباكم } أي : اختاركم واصطفاكم لدينه . والحرج : الضِّيق ، فما من شيء وقع الإِنسان فيه إِلا وجد له في الشرع مَخرجاً بتوبة أو كفارة أو انتقالٍ إِلى رخصة ونحو ذلك . وروي عن ابن عباس أنه قال : الحرج : ما كان على بني إِسرائيل من الإِصر والشدائد ، وضعه الله عن هذه الأمة . قوله تعالى : { مِلَّةَ أبيكم } قال الفراء : المعنى : وسّع عليكم كملَّة أبيكم ، فاذا ألقيتَ الكاف نصبتَ ، ويجوز النصب على معنى الأمر بها ، لأن أول الكلام أمر ، وهو قوله : « اركعوا واسجدوا » والزموا ملَّة أبيكم . فإن قيل : هذا الخطاب للمسلمين ، وليس إِبراهيم أباً لكُلِّهم . فالجواب : أنه إِن كان خطاباً عامّاً للمسلمين ، فهو كالأب لهم ، لأن حرمته وحقَّه عليهم كحق الولد ، وإِن كان خطاباً للعرب خاصة ، فإبراهيم أبو العرب قاطبة ، هذا قول المفسرين . والذي يقع لي أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن إِبراهيم أبوه ، وأُمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة فيما خوطب به رسول الله . قوله تعالى : { هو سمَّاكم المسلمين } في المشار إِليه قولان . أحدهما : أنه الله عز وجل ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والجمهور ؛ فعلى هذا في قوله : { مِنْ قَبْلُ } قولان . أحدهما : من قبل إِنزال القرآن سمَّاكم بهذا في الكتب التي أنزلها . والثاني : « مِنْ قَبْلُ » أي : في أُمّ الكتاب ، وقوله : { وفي هذا } أي : في القرآن . والثاني : أنه إِبراهيم عليه السلام حين قال : { ومِنْ ذُرَّيِّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ } [ البقرة : 128 ] ؛ فالمعنى : من قَبْل هذا الوقت ، وذلك في زمان إِبراهيم عليه السلام ، وفي هذا الوقت حين قال : { ومن ذريتنا أمة مسلمة } ، هذا قول ابن زيد . قوله تعالى : { ليكونَ الرسولُ } المعنى : اجتباكم وسمَّاكم ليكون الرسول ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { شهيداً عليكم } يوم القيامة أنه قد بلَّغكم ؛ وقد شرحنا هذا المعنى في [ البقرة : 143 ] إِلى قوله : { وآتوا الزكاة } . قوله تعالى : { واعتصموا بالله } قال ابن عباس : سَلُوه أن يَعْصِمكم من كل ما يُسخط ويُكْرَه . وقال الحسن : تمسَّكوا بدين الله . وما بعد هذا مشروح في [ الأنفال : 40 ] .