Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 23-44)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ولقد أرسلْنا نوحاً إِلى قومه } قال المفسرون : هذا تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذِكْر هذا الرسول الصابر ليتأسَّى به في صبره ، وليعلم أن الرسل قبله قد كُذِّبوا . قوله تعالى : { يريد أن يتفضَّل عليكم } أي : يعلوكم بالفضيلة ، فيصير متبوعاً ، { ولو شاء الله } أن لا يُعبَد شيء سواه { لأنزل ملائكة } تبلّغ عنه أمره ، لم يرسل بشراً { ما سمعنا بهذا } الذي يدعونا إِليه نوح من التوحيد { في آبائنا الأولين } . فأما الجِنَّةُ فمعناها : الجنون . وفي قوله : { حتى حين } قولان . أحدهما : أنه الموت ، فتقديره : انتظروا موته . والثاني : أنه وقت منكَّر . قوله تعالى : { قال ربِّ انصرني } وقرأ عكرمة ، وابن محيصن : « قال ربُّ » بضم الباء ، وفي القصة الأخرى [ المؤمنون : 39 ] . قوله تعالى : { بما كذَّبونِ } وقرأ يعقوب : « كذَّبوني » بياء ، وفي القصة التي تليها أيضاً : « فاتقوني » [ المؤمنون : 52 ] « أن يَحْضُروني » [ المؤمنون : 98 ] « ربِّ ارجِعوني » [ المؤمنون : 99 ] « ولا تكلِّموني » [ المؤمنون : 108 ] أثبتهن في الحالين يعقوب ، والمعنى : انصرني بتكذيبهم ، أي : انصرني بإهلاكهم جزاءً لهم بتكذيبهم . { فأوحينا إِليه } قد شرحناه في [ هود : 37 ) ] إِلى قوله : { فاسلك فيها } أي : أدخل في سفينتك { من كلٍّ زوجين اثنين } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : « من كلِّ » بكسر اللام من غير تنوين . وقرأ حفص عن عاصم : « من كلٍّ » بالتنوين . قال أبو علي : قراءة الجمهور إِضافة « كلّ » إِلى « زوجين » ، وقراءة حفص تؤول إِلى زوجين ، لأن المعنى : من كل الأزواج زوجين . قوله تعالى : { وقُلْ ربِّ أنزلني مُنْزَلاً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : « مُنْزَلاً » بضم الميم . وروى أبو بكر عن عاصم فتحها . والمَنزِلُ ، بفتح الميم : اسم لكل ما نزلتَ به ، والمُنْزَلُ ، بضمها : المصدر بمعنى الإِنزال ؛ تقول : أنزلتُه إِنزالاً ومُنْزَلاً . وفي الوقت الذي قال فيه نوح ذاك قولان . أحدهما : عند نزوله في السفينة . والثاني : عند نزوله من السفينة . قوله تعالى : { إِن في ذلك } أي : في قصة نوح وقومه { لآيات وإِنْ كُنَّا } أي : وما كنا { لَمُبْتَلِينَ } أي : لمختبرين إِياهم بإرسال نوح إِليهم . { ثم أنشأنا من بعدهم قرْناً آخَرين } يعني : عاداً { فأرسلنا فيهم رسولاً منهم } وهو هود ، هذا قول الأكثرين ؛ وقال أبو سليمان الدمشقي : هم ثمود ، والرسول صالح . وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله : { أَيَعِدُكُمْ أنَّكم } قال الزجاج : موضع « أنَّكم » نصب على معنى : أَيَعِدُكُمْ [ أنَّكم ] مخرجون إِذا مِتُّم ، فلما طال الكلام أُعيد ذِكْر « أنَّ » كقوله : { ألم يَعْلَمُوا أنَّه مَنْ يُحادِدِ الله ورسوله فأنَّ له نار جهنَّم } [ التوبة : 63 ] . قوله تعالى : { هيهات هيهات } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : « هيهاتَ هيهاتَ » بفتح التاء فيهما في الوصل ، وإِسكانها في الوقف . وقرأ أُبيّ ابن كعب ، وأبو مجلز ، وهارون عن أبي عمرو : « هيهاتاً هيهاتاً » بالنصب والتنوين . وقرأ ابن مسعود ، وعاصم الجحدري ، وأبو حيوة الحضرمي ، وابن السميفع : « هيهاتٌ هيهاتٌ » بالرفع والتنوين . وقرأ أبو العالية ، وقتادة : « هيهاتٍ هيهاتٍ » بالخفض والتنوين . وقرأ أبو جعفر : « هيهاتِ هيهاتِ » بالخفض من غير تنوين ، وكان يقف بالهاء . وقرأ أبو المتوكل الناجي ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة : « هيهاتُ هيهاتُ » بالرفع من غير تنوين ، وقرأ معاذ القارىء ، وابن يعمر ، وأبو رجاء ، وخارجة عن أبي عمرو : « هيهاتْ هيهاتْ » باسكان التاء فيهما . وفي « هيهات » عشر لغات قد ذكرنا منها سبعة عن القراء ، والثامنة : « إِيهات » ، والتاسعة : « إِيهان » بالنون ، والعاشرة : « إِيها » بغير نون ، ذكرهن ابن القاسم ؛ وأنشد الأحوص في الجمع بين لغتين منهن : @ تذكَّرُ أياماً مَضَيْن من الصِّبا وهيهاتِ هيهاتاً إِليك رجوعُها @@ قال الزجاج : فأما الفتح ، فالوقف فيه بالهاء ، تقول : « هيهاه » إِذا فتحت ووقفت بعد الفتح ، فإذا كسرتَ ووقفتَ على التاء كنتَ ممن ينوِّن في الوصل ، أو كنتَ ممن لا ينوِّن . وتأويل « هيهات » : البُعد لِما توعَدون . وإِذا قلتَ : « هيهات ما قلت » ، فمعناه : بعيد ما قلت . وإِذا قلتَ : « هيهات لما قلت » ، فمعناه : البعد لِما قلت . ويقال : « أيهات » في معنى « هيهات » ، وأنشدوا : @ وأيهاتَ أيهاتَ العقِيقُ ومَنْ بهِ وأيهاتَ وصلٌ بالعقيقِ نُواصله @@ قال أبو عمرو بن العلاء : إِذا وقفت على « هيهات » فقل : « هيهاه » . وقال الفراء : الكسائي يختار الوقف بالهاء ، وأنا اختار التاء . قوله تعالى : { لِمَا تُوعَدُون } قرأ ابن مسعود ، وابن أبي عبلة : « ما تُوعَدُون » بغير لام . قال المفسرون : استبعد القومُ بعثهم بعد الموت إِغفالاً منهم للتفكُّر في بدوِّ أمرهم وقُدرة الله على إِيجادهم ، وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبداً ، { إِن هي إِلا حياتنا الدُّنيا } يعنون : ما الحياة إِلا ما نحن فيه ، و ليس بعد الموت حياة . فإن قيل : كيف قالوا : { نموت ونحيا } وهم لا يقرُّون بالبعث ؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها الزجاج . أحدها : نموت ويحيا أولادنا ، فكأنهم قالوا : يموت قوم ويحيا قوم . والثاني : نحيا ونموت ، لأن الواو للجمع ، لا للترتيب . والثالث : أبتداؤنا موات في أصل الخلقة ، ثم نحيا ، ثم نموت . قوله تعالى : { إِنْ هو } يعنون الرسول . وقد سبق تفسير ما بعد هذا [ هود : 7 ، النحل : 38 ] إِلى قوله : { قال عَمَّا قليل } قال الزجاج : معناه : عن قليل ، و « ما » زائدة بمعنى التوكيد . قوله تعالى : { ليُصْبِحُنَّ نادمين } أي : على كفرهم ، { فأخذتْهم الصَّيحة بالحق } أي : باستحقاقهم العذاب بكفرهم . قال المفسرون : صاح بهم جبريل صيحة رجفت لها الأرض من تحتهم ، فصاروا لشدَّتها غُثاءً . قال أبو عبيدة : الغُثاء : ما أشبه الزَّبد وما ارتفع على السيل ونحو ذلك مما لا يُنتفَع به في شيء . وقال ابن قتيبة : المعنى : فجعلناهم هَلْكَى كالغُثاء ، وهو ما علا السَّيل من الزَّبد والقَمش ، لأنه يذهب ويتفرَّق . وقال الزجاج : الغُثاء : الهالك والبالي من ورق الشجر الذي إِذا جرى السَّيل رأيته مخالطاً زَبَده . وما بعد هذا قد سبق شرحه [ الحجر : 5 ] إِلى قوله تعالى : { ثم أرسلنا رسلنا تترى } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر : « تترىً كلَّما » منونة والوقف بالألف . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : بلا تنوين ، والوقف عند نافع وابن عامر بألف . وروى هبيرة ، وحفص عن عاصم ، أنه يقف بالياء ؛ قال أبو علي : يعني بقوله : يقف بالياء ، أي : بألِفٍ مُمالة . قال الفراء : أكثر العرب على ترك التنوين ، ومنهم من نوَّن ، قال ابن قتيبة : والمعنى : نُتَابع بفترة بين كل رسولين ، وهو من التَّواتر ، والأصل : وَتْرَى ، فقُلبت الواو تاءً كما قلبوها في التَّقوى والتخمة . وحكى الزجاج عن الأصمعي أنه قال : معنى واتَرْتُ الخَبرَ : أتْبَعْتُ بعضه بعضاً ، وبين الخبرين هُنيَّة وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : ومما تضعه العامة غير موضعه قولهم : تواترتْ كتُبي إِليك ، يعنون : اتصلتْ من غير انقطاع ، فيضعون التواتر في موضع الاتصال ، وذلك غلط ، إِنما التواتر مجيء الشيء ثم انقطاعه ثم مجيئه ، وهو التفاعل من الوِتر ، وهو الفرد ، يقال : واترتُ الخبر ، أَتْبعتُ بعضه بعضاً ، وبين الخبرين هُنَيهة ، قال الله تعالى : { ثم أرسلنا رُسُلنا تترى } أصلها « وَتْرى » من المواترة ، فأبدلت التاء من الواو ، ومعناه : منقطعة متفاوتة ، لأن بين كل نبيَّين دهراً طويلاً . وقال أبو هريرة : لا بأس بقضاء رمضان تترى ، أي : منقطعاً . فإذا قيل : واتر فلان كتبه ، فالمعنى : تابعها ، وبين كل كتابين فترة . قوله تعالى : { فأتْبَعْنَا بعضَهم بعضاً } أي : أهلكنا الأمم بعضهم في إِثر بعض { وجعلناهم أحاديث } قال أبو عبيدة : أي : يُتمثَّل بهم في الشرِّ ؛ ولا يقال في الخير : جعلتُه حديثاً .