Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 29-35)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فلمَّا قضى موسى الأجَلَ } روى ابن عباس رضي الله عنهما " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل : أيّ الأجلين قضى موسى ، قال : « أوفاهما وأطيبهما » " قال مجاهد : مكث بعد قضاء الأجل عندهم عشراً أُخَر . وقال وهب بن منبِّه : أقام عندهم بعد أن أدخل عليه امرأته سنين ، وقد سبق تفسير هذه الآية [ طه : 10 ] إِلى قوله : { أو جَذْوَةٍ } وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي : { جِذْوَةٍ } بكسر الجيم . وقرأ عاصم بفتحها . وقرأ حمزة ، وخلف ، والوليد عن ابن عامر بضمها ، وكلُّها لغات . قال ابن عباس : الجذوة : قطعة حطب فيها نار ، وقال أبو عبيدة : قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لَهب ، وهي مثل الجِذْمَة من أصل الشجرة ، قال ابن مقبل : @ باتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا جَزْلَ الجِذَا غيرَ خَوَّارٍ وَلا دَعِرِ @@ والدَّعِر : الذي قد نَخِر ، ومنه رجل داعر ، أي : فاسد . قوله تعالى : { نُودِيَ مِنْ شاطىء الواد } وهو : جانبه { الأيمنِ } وهو الذي عن يمين موسى { في البُقْعة } وهي القطعة من الأرض { المباركةِ } بتكليم الله موسى فيها { مِنَ الشجرة } أي : من ناحيتها . وفي تلك الشجرة قولان . أحدهما : [ أنها ] شجرة العنَّاب ، قاله ابن عباس . والثاني : عوسجة ، قاله قتادة ، وابن السائب ، ومقاتل . وما بعد هذا قد سبق بيانه [ النمل : 10 ] إِلى قوله : { إِنك من الآمنين } أي : من أن ينالك مكروه . قوله تعالى : { أُسْلُك يدك } أي : أَدْخِلها ، { واضمُمْ إِليكَ جناحك } قد فسرنا الجناح في [ طه : 22 ] إِلا ان بعض المفسرين خالف بين تفسير اللفظين ، فشرحناه . وقال ابن زيد : جناحه : الذِّراع والعضُد والكفُّ . وقال الزجاج : الجناح هاهنا : العضُد ، ويقال لليد كلِّها : جناح . وحكى ابن الأنباري عن الفراء أنه قال : الجناح هاهنا : العصا . قال ابن الأنباري : الجناح للانسان مشبَّه بالجناح للطائر ، ففي حال تُشبَِّه العربُ رِجْلي الإِنسان بجناحَي الطائر ، فيقولون : قد مضى فلان طائراً في جناحيه ، يعنون ساعياً على قدميه ، وفي حال يجعلون العضد منه بمنزلة جناحي الطائر ، كقوله : { واضمُمْ يدك إِلى جناحك } ، وفي حال يجعلون العصا بمنزلة الجناح ، لأن الإِنسان يدفع بها عن نفسه كدفع الطائر عن نفسه بجناحه ، كقوله : { واضمُمْ إِليك جناحك مِنْ الرَّهْب } ، وإِنما يوقع الجناح على هذه الأشياء تشبيهاً واستعارة ، كما يقال : قد قُصَّ جناح الإِنسان ، وقد قُطعت يده ورجله : إِذا وقعت به جائحة أبطلت تصرُّفه ؛ ويقول الرجل للرجل : أنت يدي ورِجْلي ، أي : أنت مَنْ به أُصِلُ إِلى محابِّي ، قال جرير : @ سَأَشْكُرُ أَنْ رَدَدْتَ إِليَّ رِيشي وأَنْبَتَّ القَوادمَ في جَناحِي @@ وقالت امرأة من العرب ترثي زوجها الأغرّ : @ يا عِصمتي في النَّائبات ويا رُكْني [ الأغرّ ] ويا يَدي اليمنى لا صُنْتُ وجهاً كنتُ صَائنه أبداً ووجهك في الثرى يَبْلى @@ فأمَّا الرَّهَب ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : { مِنَ الرَّهَب } بفتح الراء والهاء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : { من الرُّهْب } بضم الراء وسكون الهاء . وقرأ حفص [ وأبان ] عن عاصم : { من الرَّهْب } بفتح الراء وسكون الهاء [ وهي قراءة ابن مسعود ، وابن السميفع ] . وقرأ أُبيّ بن كعب ، والحسن ، وقتادة ، بضم الراء والهاء . قال الزجاج : الرُّهْب ، والرَّهَب بمعنى واحد ، مثل الرُّشْد ، والرَّشَد . وقال أبو عبيدة : الرُّهْب والرَّهْبة بمعنى الخوف والفَرَق . وقال ابن الأنباري : الرَّهْبُ ، والرُّهُب ، والرَّهَب ، مثل الشَّغْل ، والشُّغْل ، والشَّغَل ، والبَخْل ، والبُخُل ، والبَخَل ، وتلك لغات ترجع إلى معنى الخوف والفَرَق . وللمفسرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال . أحدها : أنَّه لمَّا هرب من الحيَّة أمره الله أن يَضُم إِليه جناحه ليذهب عنه الفزع . قال ابن عباس : المعنى : اضمم يدك إِلى صدرك من الخوف ولا خوف عليك . وقال مجاهد : كلٌّ مَنْ فَزِع فضَمَّ جناحه إِليه ذهب عنه الفَزَع . والثاني : أنَّه لمَّا هاله بياض يده وشعاعها ، أُمِر أن يُدْخِلها في جيبه ، فعادت إلى حالتها الأولى . والثالث : أن معنى الكلام : سَكِّن رَوْعَك ، وثَبِّت جأْشَك . قال أبو علي : ليس يراد به الضَّمُّ بين الشيئين ، إِنما أُمِر بالعزم [ على ما أُمِر به ] والجدِّ فيه ، ومثله : اشدد حيازيمك للموت . قوله تعالى : { فذانك } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : { فذانِّك } بالتشديد . وقرأ الباقون : { فذانك } بالتخفيف . قال الزجاج : التشديد تثنية « ذلك » ، والتخفيف تثنية « ذاك » ، فجعل اللام في « ذلك » بدلاً من تشديد النون في « ذانِّك » ، { بُرْهانان } أي : بيانان اثنان . قال المفسرون : « فذانك » يعني العصا واليد ، حُجَّتان من الله لموسى على صِدْقه ، { إِلى فرعون } أي : أرسلنا بهاتين الآيتين إِلى فرعون . وقد سبق تفسير ما بعد هذا [ الشعراء : 14 ] إِلى قوله : { هو أَفْصَحُ مِنِّي لساناً } أي : أحسنُ بياناً ، لأنَّ موسى كان في لسانه أثر الجمرة التي تناولها ، { فأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً } قرأ الأكثرون : { رِدْءاً } بسكون الدال وبعدها همزة . وقرأ أبو جعفر : { رِدا } بفتح الدال وألف بعدها من غير تنوين ولا همز ؛ وقرأ نافع كذلك ، إِلا أنه نوَّن . وقال الزجاج : الرِّدْءُ : العون ، يقال : ردأتُه أردؤه رِدْءاً : إِذا أعنتَه . قوله تعالى : { يُصَدِّقُني } قرأ عاصم ، وحمزة : { يُصَدِّقُني } بضم القاف . وقرأ الباقون بسكون القاف . قال الزجاج : من جزم { يُصَدِّقْني } فعلى جواب المسألة : أَرْسِلْهُ يُصَدِّقْني ؛ ومن رفع ، فالمعنى : رِدْءاً مُصَدِّقاً لي . وأكثر المفسرين على أنه أشار بقوله : { يُصَدِّقُني } إِلى هارون ؛ وقال مقاتل بن سليمان : لكي يُصَدِّقني فرعون . قوله تعالى : { سنَشُدُّ عَضُدكَ بأخيك } قال الزجاج : المعنى : سنُعينك بأخيك ، ولفظ العَضُد على جهة المثل ، لأن اليد قِوامُها عَضُدُها ، وكل مُعين فهو عَضُد ، { ونَجْعَلُ لكما سُلطاناً } أي : حُجَّة بيِّنة . وقيل للزَّيت : السَّليط ، لانه يُستضاء به ؛ والسُّلطان : أبْيَن الحُجج . قوله تعالى : { فلا يَصِلُونَ إِليكما } أي : بقتل ولا أذى . وفي قوله { بآياتنا } ثلاثة أقوال . أحدها : أن المعنى : تمتنعان منهم بآياتنا وحُججنا فلا يَصِلُون إِليكما . والثاني : أنَّه متعلِّق بما بعده ، فالمعنى : بآياتنا أنتما ومَنْ اتبَّعكما الغالبون ، أي : تَغْلِبُون بآياتنا . والثالث : أنَّ في الكلام تقديماً وتأخيراً ، تقديره : ونجعل لكما سُلطاناً بآياتنا ، فلا يَصِلُون إِليكما .