Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 44-46)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ذلك من أنباء الغيب } « ذلك » إِشارة إلى ما تقدم من قصة زكرياء ، ويحيى ، وعيسى ، ومريم . والأنباء : الأخبار ، والغيب : ما غاب عنك . والوحي : كل شيء دللت به من كلام ، أو كتاب ، أو إشارة ، أو رسالة ، قاله ابن قتيبة . والوحي في القرآن على أوجه تراها في كتابنا الموسوم بـ « الوجوه والنظائر » مونقة . وفي الأقلام ثلاثة أقوال . أحدها : أنها التي يكتب بها ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، والسدي . والثاني : أنها العصيّ ، قاله الربيع بن أنس . والثالث : أنها القداح ، وهو اختيار ابن قتيبة ، وكذلك قال الزجاج : هي قداح جعلوا عليها علامات يعرفونها على جهة القرعة . وإنما قيل للسهم : القلم ، لأنه يقلم ، أي : يبرى . وكل ما قطعت منه شيئاً بعد شيء ، فقد قلمته ، ومنه القلم الذي يكتب به ، لأنه قُلم مرة بعد مرة ، ومنه : قلمت أظفاري . قال : ومعنى : { أيهم يكفل مريم } لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم ، وهو الضمان للقيام بأمرها . ومعنى { لديهم } عندهم وقد سبق شرح كفالتهم لها آنفاً . وفي المراد بالكلمة هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها : أنه قول الله له : « كن » فكان ، قاله ابن عباس ، وقتادة . والثاني : أنها بشارة الملائكة مريم بعيسى ، حكاه أبو سليمان . والثالث : أن الكلمة اسم لعيسى ، وسمي كلمة ، لأنه كان عن الكلمة . وقال القاضي أبو يعلى : لأنه يهتدى به كما يهتدى بالكلمة من الله تعالى . وفي تسميته بالمسيح ستة أقوال . أحدها : أنه لم يكن لقدمه أخمص ، والأخمص : ما يتجافى عن الأرض من باطن القدم ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثاني : أنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برأ ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : أنه مسح بالبركة ، قاله الحسن ، وسعيد . والرابع : أن معنى : المسيح : الصديق ، قاله مجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وذكره اليزيدي . قال أبو سليمان الدمشقي : ومعنى هذا أن الله مسحه ، فطهره من الذنوب . والخامس : أنه كان يمسح الأرض أي : يقطعها ، ذكره ثعلب ، وبيانه : أنه كان كثير السياحة . والسادس : أنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن ، قاله أبو سليمان الدمشقي ، وحكاه ابن القاسم وقال أبو عبيد : المسيح في كلام العرب على معنيين . أحدهما : المسيح الدجال ، والأصل فيه : الممسوح ، لأنه ممسوح أحد العينين . والمسيح عيسى ، وأصله بالعبرانية « مشيحا » ، بالشين ، فلما عربته العرب ، أبدلت من شينه سيناً ، كما قالوا : موسى ، وأصله بالعبرانية موشى . قاله ابن الأنباري ، وإنما بدأ بلقبه ، فقال : المسيح عيسى بن مريم ، لأن المسيح أشهر من عيسى ، لأنه قل أن يقع على سميٍّ يشتبه به ، وعيسى قد يقع على عدد كثير ، فقدمه لشهرته ، ألا ترى أن ألقاب الخلفاء أشهر من أسمائهم . فأما قوله : عيسى بن مريم ، فإنما نسبه إلى أمه ، لينفي ما قال عنه الملحدون من النصارى ، إذ أضافوه إلى الله تعالى . قوله تعالى : { وجيهاً } قال ابن زيد : الوجيه في كلام العرب : المحبب المقبول . وقال ابن قتيبة . الوجيه : ذوالجاه . وقال الزجاج : هو ذو المنزلة الرفيعة عند ذوي القدر والمعرفة ، يقال قد وجُه الرجل يوْجُه ، وجاهة ، ولفلان جاه عند الناس ، أي : منزلة رفيعة . قوله تعالى : { ومن المقرّبين } قال قتادة : عند الله يوم القيامة . والمهد : مضجع الصبي في رضاعه ، وهو مأخوذ من التمهيد ، وهو التوطئة ، وفي تكليمه للناس في تلك الحال قولان . أحدهما : لتبرئة أمه مما قذفت به ، والثاني : لتحقيق معجزته الدالة على نبوته . ، قال ابن عباس : تكلم ساعة في مهده ، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغ النطق . { وكهلاً } قال : ابن ثلاثين سنة أرسله الله تعالى ، فمكث في رسالته ثلاثين شهراً ، ثم رفعه الله . وقال وهب بن منبه : جاءه الوحي على رأس ثلاثين سنة ، فمكث في نبوته ثلاث سنين ، ثم رفعه الله . قال ابن الأنباري كان عليه السلام قد زاد على الثلاثين ، ومن أربى عليها ، فقد دخل في الكهولة ، والكهل عند العرب : الذي قد جاوز الثلاثين ، وإنما سمي الكهل كهلاً ، لاجتماع قوته ، وكمال شبابه ، وهو من قولهم : قد اكتهل النبات . وقال ابن فارس : الكهل : الرجل حين وخطه الشيب . فإن قيل : قد علم أن الكهل يتكلم ، فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها : أن هذا الكلام خرج مخرج البشارة بطول عمره ، أي : أنه يبلغ الكهولة . وقد روي عن ابن عباس أنه قال : { وكهلاً } قال : ذلك بعد نزوله من السماء . والثاني : أنه أخبرهم أن الزمان يؤثر فيه ، وأن الأيام تنقله من حال إلى حال ، ولو كان إلهاً لم يدخل عليه هذا التغير ، ذكره ابن جرير الطبري . والثالث : أن المراد بالكهل : الحليم ، قاله مجاهد .