Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 7-7)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { منه آيات محكمات } المحكم : المتقن المبيّن ، وفي المراد به هاهنا ثمانية أقوال . أحدها : أنه الناسخ ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة ، والسدي في آخرين . والثاني : أنه الحلال والحرام ، روي عن ابن عباس ، ومجاهد . والثالث : أنه ما علم العلماء تأويله . روي عن جابر بن عبد الله . والرابع : أنه الذي لم ينسخ ، قاله الضحاك . والخامس : أنه مالم تتكرر ألفاظه ، قاله ابن زيد . والسادس : أنه ما استقل بنفسه ، ولم يحتج إلى بيان ، ذكره القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد . وقال الشافعي ، وابن الأنباري : هو ما لم يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً ، والسابع : أنه جميع القرآن غير الحروف المقطعة . والثامن : أنه الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، والحلال والحرام ، ذكر هذا والذي قبله القاضي أبو يعلى . وأم الكتاب أصله . قاله ابن عباس ، وابن جبير ، فكأنه قال : هن أصل الكتاب اللواتي يعمل عليهن في الأحكام ، ومجمع الحلال والحرام . وفي المتشابه سبعة أقوال . أحدها : أنه المنسوخ ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة ، والسدي في آخرين . والثاني : أنه ما لم يكن للعلماء إلى معرفته سبيل ، كقيام الساعة ، روي عن جابر بن عبد الله . والثالث : أنه الحروف المقطعة كقوله : « ألم » ونحو ذلك ، قاله ابن عباس . والرابع : أنه ما اشتبهت معانيه ، قاله مجاهد . والخامس : أنه ما تكررت ألفاظه ، قاله ابن زيد . والسادس : أنه ما احتمل من التأويل وجوهاً . وقال ابن الأنباري : المحكم ما لا يحتمل التأويلات ، ولا يخفى على مميّز ، والمتشابه : الذي تعتوره تأويلات . والسابع : أنه القصص ، والأمثال ، ذكره القاضي أبو يعلى . فإن قيل : فما فائدة إنزال المتشابه ، والمراد بالقرآن البيان والهدى ؟ فعنه أربعة أجوبة . أحدها : أنه لما كان كلام العرب على ضربين . أحدهما : الموجز الذي لا يخفى على سامعه ، ولا يحتمل غير ظاهره . والثاني : المجاز ، والكنايات ، والإشارات ، والتلويحات ، وهذا الضرب الثاني هو المستحلى عند العرب ، والبديع في كلامهم ، أنزل الله تعالى القرآن على هذين الضربين ، ليتحقق عجزهم عن الإتيان بمثله ، فكأنه قال : عارضوه بأي الضربين شئتم ، ولو نزل كله محكماً واضحاً ، لقالوا : هلا نزل بالضرب المستحسن عندنا . ومتى وقع في الكلام إشارة أو كناية ، أو تعريض أو تشبيه ، كان أفصح وأغرب . قال امرؤ القيس : @ وما ذرفت عيناك إلا لنضر بي بسهميك في أعشار قلب مقتَّل @@ فجعل النظر بمنزلة السهم على جهة التشبيه ، فحلا هذا عند كل سامع ومنشد ، وزاد في بلاغته . وقال امرؤ القيس أيضاً : @ رمتني بسهم أصاب الفؤاد غداة الرحيل فلم أننصر @@ وقال أيضاً : @ فقلت له لما تمطى بصُلبه وأردف أعجازاً وناء بكلكل @@ فجعل لليل صلباً وصدراً على جهة التشبيه ، فحسن بذلك شعره . وقال غيره : @ من كميت أجادها طابخاها لم تمت كل موتها في القدور @@ أراد بالطابخين : الليل والنهار على جهة التشبيه . وقال آخر : @ تبكي هاشماً في كل فجر كما تبكي على الفنن الحمام @@ وقال آخر : @ عجبت لها أنى يكون غناؤها فصيحاً ولم تفتح بمنطقها فما @@ فجعل لها غناء وفماً على جهة الاستعارة . والجواب الثاني : أن الله تعالى أنزله مختبراً به عباده ، ليقف المؤمن عنده ، ويرده إلى عالمه ، فيعظم بذلك ثوابه ، ويرتاب به المنافق ، فيداخله الزيغ ، فيستحق بذلك العقوبة ، كما ابتلاهم بنهر طالوت . والثالث : أن الله تعالى أراد أن يشغل أهل العلم بردّهم المتشابه إلى المحكم ، فيطول بذلك فكرهم ، ويتصل بالبحث عنه اهتمامهم ، فيثابون على تعبهم ، كما يثابون على سائر عباداتهم ، ولو جعل القرآن كله محكماً لاستوى فيه العالم والجاهل ، ولم يفضل العالم على غيره ، ولماتت الخواطر ، وإنما تقع الفكرة والحيلة مع الحاجة إلى الفهم . وقد قال الحكماء : عيب الغنى : أنه يورث البلادة ، وفضل الفقر : أنه يبعث على الحيلة ، لأنه إذا احتاج احتال . والرابع : أن أهل كل صناعة يجعلون في علومهم معاني غامضة ، ومسائل دقيقة ليحرجوا بها من يعلَّمون ، ويمرّنوهم على انتزاع الجواب ، لأنهم إذا قدروا على الغامض ، كانوا على الواضح أقدر ، فلما كان ذلك حسناً عند العلماء ، جاز أن يكون ما أنزل الله تعالى من المتشابه على هذا النحو ، وهذه الأجوبة معنى ما ذكره ابن قتيبة ، وابن الأنباري . قوله تعالى : { فأما الذين في قلبوهم زيغ } في الزيغ قولان . أحدهما : أنه الشك ، قاله مجاهد ، والسدي . والثاني : أنه الميل ، قاله أبو مالك وعن ابن عباس كالقولين . وقيل : هو الميل عن الهدى . وفي هؤلاء القوم أربعة أقوال . أحدها : أنهم الخوارج ، قاله الحسن . والثاني : المنافقون ، قاله ابن جريج . والثالث : وفد نجران من النصارى ، قاله الربيع . والرابع : اليهود ، طلبوا معرفة بقاء هذه الأمة من حساب الجُمّل ، قاله ابن السائب . قوله تعالى : { فيتبعون ما تشابه منه } قال ابن عباس : يُحيلون المحكم على المتشابه ، والمتشابه على المحكم ، ويُلبسون . وقال السدي : يقولون : ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا ، ثم نسخت ؟ ! وفي المراد بالفتنة هاهنا ، ثلاثة أقوال . أحدها : أنها الكفر ، قاله السدي ، والربيع ، ومقاتل ، وابن قتيبة . والثاني : الشبهات ، قاله مجاهد . والثالث : إفساد ذات البين ، قاله الزجاج : وفي التأويل وجهان . أحدهما : أنه التفسير . والثاني : العاقبة المنتظرة . والراسخ : الثابت ، يقال : رسخ يرسخ رسوخاً . وهل يعلم الراسخون تأويله أم لا ؟ فيه قولان . أحدهما : أنهم لا يعلمونه ، وأنهم مستأنفون ، وقد روى طاووس عن ابن عباس أنه قرأ { ويقول الراسخون في العلم آمنّا به } وإلى هذا المعنى ذهب ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وابن عباس ، وعروة ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، والفراء ، وأبو عبيدة ، وثعلب ، وابن الأنباري ، والجمهور . قال ابن الأنباري : في قراءة عبد الله { إِن تأويله ، إِلا عند الله والراسخون في العلم } وفي قراءة أُبيّ ، وابن عباس { ويقول الراسخون } وقد أنزل الله تعالى في كتابه أشياء ، استأثر بعلمها ، كقوله تعالى : { قل إنما علمها عند الله } [ الأعراف : 187 ] وقوله تعالى : { وقروناً بين ذلك كثيراً } [ الفرقان : 38 ] فأنزل الله تعالى المجمل ، ليؤمن به المؤمن ، فيسعد ، ويكفر به الكافر ، فيشقى . والثاني : أنهم يعلمون ، فهم داخلون في الاستثناء . وقد روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : أنا ممن يعلم تأويله ، وهذا قول مجاهد ، والربيع ، واختاره ابن قتيبة ، وأبو سليمان الدمشقي . قال ابن الأنباري : الذي روى هذا القول عن مجاهد ابن أبي نجيح ، ولا تصح روايته التفسير عن مجاهد .