Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 71-75)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وسيِقَ الذين كَفَروا إِلى جهنَّمَ زُمَراً } قال أبو عبيدة : الزُّمَر : جماعاتٌ في تفرقة بعضُهم على إِثر بعض ، واحدها : زُمْرة . قوله تعالى : { رُسُلٌ مِنْكُمْ } أي : من أنفُسكم . و { كلمةُ العذاب } هي قوله { لأَملأَنَّ جهنَّمَ } [ الأعراف : 18 ] . قوله تعالى : { فُتِحَتْ أبوابُها } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : { فُتِّحَتْ } و { فُتِّحَتْ } مشدَّدتين ؛ وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : بالتخفيف . وفي هذه الواو ثلاثة أقوال : أحدها : أنها زائدة ، روي عن جماعة من اللُّغويين منهم الفراء . والثاني : أنها واو الحال ؛ فالمعنى : جاؤوها وقد فُتحتْ أبوابُها ، فدخلت الواو لبيان أن الأبواب كانت مفتَّحةٍ قبل مجيئهم ، وحذفت من قصة أهل النار لبيان أنها كانت مُغْلَقةً قبل مجيئهم ، ووجه الحكمة في ذلك من ثلاثة أوجه : أحدها : أنَّ أهل الجنة جاؤوها وقد فُتحت أبوابُها ليستعجلوا السُّرور والفرح إِذا رأَوا الأبواب مفتَّحةً ، وأهل النار يأتونها وأبوابُها مُغلَقة ليكون أشدَّ لحرِّها ، ذكره أبو إِسحاق ابن شاقْلا من أصحابنا . والثاني : أن الوقوف على الباب المغلق نوعُ ذُلٍّ ، فصِينَ أهلُ الجنة عنه ، وجعل في حق أهل النار ، ذكره لي بعض مشايخنا . والثالث : أنه لو وَجَدَ أهلُ الجنة بابها مُغلَقاً لأثَّر انتظارُ فَتْحه في كمال الكَرَم ، ومن كمال الكَرَم غَلْقُ باب النّار إِلى حين مجيء أهلها ، لأن الكريم يعجِّل المثوبة ، ويؤخِّر العقوبة ، وقد قال عز وجل : { ما يَفْعَلُ اللهُ بِعذابكم إِنْ شَكَرْتُمْ وآمنتُم } [ النساء : 147 ] قال المصنف : هذا وجهٌ خطر لي . والقول الثالث : أن الواو زِيدتْ لأنَّ أبواب الجنة ثمانيةٌ ، وأبواب النار سبعةٌ ، والعرب تَعْطِفُ في العدد بالواو على ما فوق السبعة على ما ذكرناه في قوله : { ويَقُولونَ سَبْعَةٌ وثامِنُهم كلَبْهُم } [ الكهف : 22 ] حكى هذا القول والذي قبله الثعلبي . واختلف العلماء : أين جوابُ هذه الآية ؟ على ثلاثة أقوال : أحدها : أن الجواب محذوف ، قاله أبو عبيدة ، والمبرِّد ، والزجّاج في آخرين . وفي تقدير هذا المحذوف قولان : أحدهما : أن تقديره : { حتى إِذا جاؤوها … } إِلى آخر الآية سُعِدوا ، قاله المبرِّد . والثاني : { حتى إذا جاؤوها … } إِلى قوله : { فادخُلوها خالدين } … دخلوها ، وإِنما حُذف ، لأن في الكلام دليلاًَ عليه ، وهذا اختيار الزجاج . والقول الثاني : أن الجواب : قال لهم خزنتُها ، والواو زائدة ، ذكره الأخفش . قال : ومثله في الشِّعر . @ فإذا وذلكَ يا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْ إِلاَ كَلَمَّةِ حالِمٍ بخَيالِ @@ أي : فإذا ذلك . والثالث : الجواب : { حتى إِذا جاؤوها فُتحتْ أبوابُها } والواو زائدة ، حكاه الزجاج عن قوم من أهل اللغة . وفي قوله : { طِبْتُمْ } خمسة أقوال : أحدها : أنهم إذا انْتَهَوا إِلى باب الجنة وَجدوا عند بابها شجرةً يَخرج من تحت ساقها عينان ، فيَشربون من إِحداهما فلا يبقى في بطونهم أذىً ولا قذىً إِلاّ خرج ، ويغتَسلون من الأُخرى ، فلا تَغْبَرُّ جلودُهم ولا تَشَعَّثُ أشعارُهم أبداً ، حتى إِذا انتَهَوْا إِلى باب الجنة قال لهم عند ذلك خزنتها : { سلامٌ عليكم طِبْتُم } رواه عاصم بن ضمرة عن علي رضى الله عنه ، وقد ذكرنا في [ الأعراف : 44 ] نحوه عن ابن عباس . والثاني : طاب لكم المقام ، قاله ابن عباس . والثالث : طِبْتُم بطاعة الله ، قاله مجاهد . والرابع : أنهم طُيِّبوا قَبْلَ دخول الجنة بالمغفرة ، واقتُصَّ من بَعْضِهم لِبَعْض ، فلمّا هُذِّبوا قالت لهم الخََزَنَةُ : طِبْتُم ، قاله قتادة . والخامس : كنتم طِّبِينَ في الدُّنيا ، قاله الزجاج . فلمّا دخَلوها قالوا : { الحمدُ لله الذي صَدَقَنا وَعْدَهُ } بالجنة { وأَوْرَثَنا الأرضَ } أي أرض الجنة { نتبوَّأ منها حيثُ نشاء } أي : نَتَّخِذُ فيها من المنازل ما نشاء . وحكى أبو سليمان الدمشقي : أن أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة قبل الأمم فينزلون منها حيث شاؤوا ، ثم تنزل الأُمم بعدهم فيها ، فلذلك قالوا : " نتبوَّأ من الجنة حيثُ نشاءُ " ؛ يقول الله عز وجل : { فنِعْمَ أَجْرُ العامِلينَ } أي : نِعْمَ ثوابُ المُطِيعِينَ في الدُّنيا الجنة . قوله تعالى : { وتَرَى الملائكةَ حافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ } : أي مُحْدِقِينَ به ، يُقال : حَفَّ القومُ بفلانٍ : إِذا أَحْدَقوا به ؛ ودخلتْ " مِنْ " للتوكيد ، كقولك : ما جاءني من أحدٍ . { يُسَبِّحونَ بِحَمْدِ ربِّهم } قال السدي ، ومقاتل : بأَمْرِ ربِّهم . وقال بعضهم : يُسَبِّحونَ بالحمد له حيث دخل الموحِّدون الجنة . وقال ابن جرير : التَّسبيح هاهنا بمعنى الصَّلاة . قوله تعالى : { وقُضِيَ بينَهم } أي : بينَ الخلائق { بالحَقِّ } أي : بالعَدْلِ { وقِيل الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ } هذا قول أهل الجنة شُكْراً لله تعالى على إِنعامه . قال المفسِّرون : ابتدأ اللهُ ذِكْرَ الخَلْق بالحَمْدِ فقال : { الحَمْدُ لله الذي خلق السموات والأرض } [ الأنعام : 1 ] وختم غاية الأمر وهو استقرار الفريقين في منازلهم بالحمد لله بهذه الآية ، فنبَّه على تحميده في بداية كُلِّ أمْرٍ وخاتِمته .