Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 103-103)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ما جعل الله من بحيرة } أي : ما أوجب ذلك ، ولا أمر به . وفي « البحيرة » أربعة أقوال . أحدها : أنها الناقة إِذا نُتِجَتْ خمسة أبطن نظروا إِلى الخامس ، فإن كان ذكراً نحروه ، فأكله الرجال والنساء ، وإِن كان أنثى شقوا أُذنها ، وكانت حراماً على النساء لا ينتفعن بها ، ولا يذقن من لبنها ، ومنافعها للرجال خاصة ، فإذا ماتت ، إشترك فيها الرجال والنساء ، قاله ابن عباس ، واختاره ابن قتيبة . والثاني : أنها الناقة تلد خمس إِناث ليس فيهن ذكر ، فيَعْمِدون إِلى الخامسة ، فيَبْتِكُون أُذنها ، قاله عطاء . والثالث : أنها ابنة السائِبة ، قاله ابن إِسحاق ، والفراء . قال ابن إِسحاق : كانت الناقة إِذا تابعت بين عشر إِناث ، ليس فيهن ذكر ، سُيِّبت ، فإذا نُتِجَتْ بعد ذلك أُنثى ، شقّت أُذنها ، وسمّيت بحيرة ، وخليت مع أُمها . والرابع : أنها الناقة كانت إِذا نُتِجَت خمسة أبطن ، وكان آخرها ذكراً بحروا أُذنها ، أي : شقُّوها ، وامتنعوا من ركوبها وذبحها ، ولا تطرد عن ماء ، ولا تمنع عن مرعى ، وإِذا لقيها لم يركبها ، قاله الزجاج . فأما « السائبة » ، فهي فاعلة بمعنى : مفعولة ، وهي المسيّبة ، كقوله : { في عيشة راضية } : أي مرضيّة . وفي السائِبة خمسة أقوال . أحدها : أنها التي تُسيّب من الأنعام للآلهة ، لا يركبون لها ظهراً ، ولا يحلبون لها لبناً ، ولا يجزُّون منها وبراً ، ولا يحملون عليها شيئاً ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : أن الرجل كان يُسيّب من ماله ما شاء ، فيأتي به خزنة الآلهة ، فيطعمون ابن السبيل من ألبانِه ولحومه إِلا النساء ، فلا يطعمونهن شيئاً منه إِلا أن يموت ، فيشترك فيه الرجال والنساء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال الشعبي : كانوا يهدون لآلهتهم الإِبل والغنم ، ويتركونها عند الآلهة ، فلا يشرب منها إِلا رجلٌ ، فان مات منها شيءٌ أكله الرجال والنساء . والثالث : أنها الناقة إِذا ولدت عشرة أبطن ، كلهن إِناث ، سيّبت ، فلم تركب ، ولم يجز لها وبر ، ولم يشرب لبنها إِلا ضيف أو ولدُها حتى تموت ، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء ، ذكره الفراء . والرابع : أنها البعير يُسيّب بنذر يكون على الرجل إِن سلمه الله تعالى من مرض ، أو بلّغه منزله أن يفعل ذلك ، قاله ابن قتيبة . قال الزجاج : كان الرجل إِذا نذر لشيء من هذا ، قال : ناقتي سائبة ، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها ولا تمنع من ماء ومرعى . والخامس : أنه البعير يحج عليه الحجة ، فيُسيّب ، ولا يستعمل شكراً لنجحها ، حكاه الماوردي عن الشافعي . وفي « الوصيلة » خمسة أقوال . أحدها : أنها الشاة كانت إِذا نُتِجَت سبعة أبطن ، نظروا إِلى السابع ، فإن كان أُنثى ، لم ينتفع النساء منها بشيء إِلا أن تموت ، فيأكلها الرجال والنساء ، وإِن كان ذكراً ، ذبحوه ، فأكلوه جميعاً ، وإِن كان ذكراً وأُنثى ، قالوا : وصلت أخاها ، فتترك مع أخيها فلا تذبح ، ومنافعها للرجال دون النساء ، فإذا ماتت ، اشترك فيها الرجال والنساء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وذهب إِلى نحوه ابن قتيبة ، فقال : إِن كان السابع ذكراً ، ذبح فأكل منه الرجال والنساء ، وإِن كان أُنثى ، تركت في النعم ، وإِن كان ذكراً وأُنثى ، قالوا : وصلت أخاها ، فلم تذبح ، لمكانها ، وكانت لحومها حراماً على النساء ، ولبن الأُنثى حراماً على النساء إِلا أن يموت منها شيء فيأكله الرجال والنساء . والثاني : أنها الناقة البكر تبتكر في أول نتاج الإِبل بالأُنثى ، ثم تثنّي بالأنثى ، فكانوا يستبقونها لطواغيتهم ، ويَدْعونها الوصيلة ، أي : وصلت إِحداهما بالأُخرى ، ليس بينهما ذكر ، رواه الزهري عن ابن المسيّب . والثالث : أنها الشاة تنتج عشر إِناثٍ متتابعاتٍ في خمسة أبطن ، فيدعونها الوصيلة ، وما ولدت بعد ذلك فللذكور دون الإِناث ، قاله ابن إِسحاق . والرابع : أنها الشاة تنتج سبعة أبطن ، عناقين عناقين ، فإذا ولدت في سابعها عناقاً وجدياً ، قيل : وصلت أخاها ، فجَرت مجرى السائبة ، قاله الفراء . والخامس : أن الشاة كانت إِذا ولدت أُنثى ، فهي لهم ، وإِذا ولدت ذكراً جعلوه لآلهتهم فإن ولدت ذكراً وأُنثى ، قالوا : وصلت أخاها ، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم ، قاله الزجاج . وفي « الحام » ستة أقوال . أحدها : أنه الفحل ، ينتج من صلبه عشرة أبطن ، فيقولون : قد حمى ظهره ، فيسيبونه لأصنامهم ، ولا يحملُ عليه ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، واختاره أبو عبيدة ، والزجاج . والثاني : أنه الفحل يولد لولده ، فيقولون : قد حمى هذا ظهره ، فلا يحملون عليه ، ولا يجزُّون وبره ، ولا يمنعونه ماءً ، ولا مرعى ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، واختاره الفراء ، وابن قتيبة . والثالث : أنه الفحل يظهر من أولاده عشر إِناثٍ من بناته ، وبنات بناته ، قاله عطاء . والرابع : أنه الذي ينتج له سبع إِناث متواليات ، قاله ابن زيد . والخامس : أنه الذي لصُلبه عشرة كلها تضرِب في الإِبل ، قاله أبو روق . والسادس : أنه الفحل يضرب في إِبل الرجل عشر سنين ، فيخلَّى ، ويقال : قد حمى ظهره ، ذكره الماوردي عن الشافعي . قال الزجاج : والذي ذكرناه في البحيرة ، والسائِبة ، والوصيلة ، والحام أثبت ما روينا عن أهل اللغة . وقد أعلم الله عز وجل في هذه الآية أنه لم يحرّم من هذه الأشياء شيئاً ، وأن الذين كفروا افتروا على الله عز وجل . قال مقاتل : وافتراؤهم : قولهم : إِن الله حرَّمه ، وأمرنا به . وفي قوله : { وأكثرهم لا يعقلون } قولان . أحدهما : وأكثرهم ، يعني : الأتباع لا يعقلون أن ذلك كذب على الله من الرؤساء الذين حرموا ، قاله الشعبي . والثاني : لا يعقلون أن هذا التحريم من الشيطان ، قاله قتادة .