Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 38-38)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } قال ابن السائب : نزلت في طُعمة بن أُبيرق ، وقد مضت قصته في سورة ( النساء ) . و « السارق » : إِنما سُمّي سارقاً ، لأنه يأخذ الشيء في خفاءٍ واسترق السّمع : إِذا تسمَّع مستخفياً . قال المبرّد : والسارق هاهنا مرفوع بالابتداء ، لأنه ليس القصد منه واحداً بعينه ، وإِنما هو ، كقولك : مَنْ سَرَق فاقطعْ يده . وقال ابن الأنباري : وإِنّما دخلت الفاء ، لأن في الكلام معنى الشرط ، تقديره : من سرق فاقطعوا يَدَهُ . قال الفرّاء : وإِنما قال : { فاقطعوا أيديهما } لأن كلَّ شيءٍ موحّد من خلق الإنسان إِذا ذُكِرَ مضافاً إِلى اثنين فصاعداً ، جُمع ، تقول : قد هشمت رؤوسَهما ، وملأت [ ظهورهما ] وبطونهما [ ضرباً ] . ومثله { فقد صنعت قلوبُكما } [ التحريم : 4 ] وإِنما اختير الجمع على التثنية ، لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين اثنين في الانسان : اليدين ، والرجلين ، والعينين ، فلما جرى أكثره على هذا ، ذُهِبَ بالواحد منه إِذا أُضيف إِلى اثنين مذهب التثنية ، وقد يجوز تثنيتهما . قال أبو ذؤيب . @ فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ كَنَوَافِذِ العُبُط التي لا تُرقَع @@ فصل وهذه الآية اقتضت وجوب القطع على كلِّ سارق ، وبينت السُنَّة أن المراد به السارقُ لِنِصابٍ من حِرْزِ مثله ، كما قال تعالى : { فاقتلوا المشركين } [ التوبة : 5 ] ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء ، والصبيان ، وأهل الصّوامع . واختُلِفَ في مقدار النصاب ، فمذهب أصحابنا : أن للسّرقة نصابين : أحدهما : من الذهب ربع دينار ، ومن الوَرِق ثلاثة دراهم أو قيمة ثلاثة دراهم مِن العروض وهو قول مالك . وقال أبو حنيفة : لا يقطع حتى تبلغ السّرقة عشرة دراهم . وقال الشافعي : الاعتبار في ذلك بربع دينار ، وغيره مقوَّمٌ به ، فلو سرق درهمين قيمتهما ربع دينار ، قُطع ، فان سَرق نصاباً من التّبر ، فعليه القطع . وقال أبو حنيفة : لا يقطع حتى يبلغ ذلك نصاباً مضروباً ، فان سرق منديلاً لا يساوي نصاباً ، في طرفه دينار ، وهو لا يعلم ، لا يقطع . وقال الشافعي : يقطع . فإن سرق ستارة الكعبة ، قطع ، خلافاً لأبي حنيفة . فإن سرق صَبياً صغيراً حُراً ، لم يقطع ، وإِن كان على الصغير حُلي . وقال مالك : يقطع بكل حال . وإِذا اشترك جماعة في سرقة نصاب ، قطعوا ، وبه قال مالك ، إِلا أنه اشترط أن يكون المسروق ثقيلاً يحتاج إِلى معاونة بعضهم لبعض في إِخراجه . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا قطع عليه بحال ويجبُ القطع على جاحد العاريَّة عندنا . وبه قال سعيد بن المسيب ، والليث بن سعد ، خلافاً لأكثر الفقهاء . فصل فأما الحرز ، فهو ما جعل للسكنى ، وحفظ الأموال ، كالدور والمضارب والخيم التي يسكنها الناس ، ويحفظون أمتعتهم بها ، فكل ذلك حِرز ، وإِن لم يكن فيه حافظ ولا عنده ، وسواء سُرِق من ذلك وهو مفتوح الباب ، أو لا باب له إِلا أنه محجّر بالبناء . فأما ما كان في غير بناءٍ ولا خيمة ، فإنه ليس في حرز إِلا أن يكون عنده من يحفظه . ونقل الميموني عن أحمد : إِذا كان المكان مشتركاً في الدّخول إِليه ، كالحمام والخيمة لم يقطع السارق منه ، ولم يُعتَبَر الحافظ : ونقل عنه ابن منصور : لا يقطع سارق الحمام إِلا أن يكون على المتَاع أجير حافظ . فأما النبّاش ، فقال أحمد في رواية أبي طالب : يقطع ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وابن أبي ليلى . وقال الثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة : لا يقطع . فصل فأما موضع قطع السارق ، فمن مَفْصِل الكَفِّ ، ومِن مَفْصِلِ الرِّجْلِ . فأما اليد اليُسرى والرجل اليُمنى فروي عن أحمد : لا تقطع ، وهو قول أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وأبي حنيفة ، وروي عنه : أنها تقطع ، وبه قال مالك ، والشافعي . ولا يثبت القطع إِلا باقراره مرتين ، وبه قال ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأبو يوسف . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : يثبت بمرّة . ويجتمع القطع والغرم موسِراً كان أو معسراً . وقال أبو حنيفة : لا يجتمعان ، فان كانت العين باقية أخذها ربُّها ، وإِن كانت مستهلكة ، فلا ضمان . وقال مالك : يضمنها إِن كان موسراً ، ولا شيء عليه إِن كان معسراً . قوله تعالى : { نكالاً من الله } قد ذكرنا « النكال » في ( البقرة ) . قوله تعالى : { والله عزيز حكيم } قال سعيد بن جبير : شديد في انتقامه ، حكيم إِذ حكم بالقطع ، قال الأصمعي : قرأت هذه الآية ، وإِلى جنبي أعرابيٌ ، فقلت : والله غفور رحيم ، سهواً ، فقال الأعرابي : كلام مَن هذا ؟ قلت : كلام الله . قال : أعد فأعدت : والله غفور رحيم ، فقال : ليس هذا كلام الله ، فتنبهت ، فقلت : والله عزيز حكيم . فقال : أصبت ، هذا كلام الله . فقلت له : أتقرأ القرآن ؟ قال : لا . قلت : فمن أين علمت أني أخطأت ؟ فقال : يا هذا عزَّ فحكم فقطع ، ولو غفر ورحم لما قطع .