Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 44-44)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ } قال المفسرون : سبب نزول هذه الآية : استفتاء اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الزانيين ، وقد سبق . و « الهدى » : البيان . فالتوراة مبينة صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومبينة ما تحاكموا فيه إِليه . و « النور » : الضياء الكاشف للشبهات ، والموضح للمشكلات . وفي النبيين الذين أسلموا ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم الأنبياء من لَدُنْ موسى إِلى عيسى ، قاله الأكثرون . فعلى هذا القول في معنى « أسلموا » أربعة أقوال . أحدها : سلموا لحكم الله ، ورضوا بقضائه . والثاني : انقادوا لحكم الله ، فلم يكتموه كما كتم هؤلاء . والثالث : أسلموا أنفسهم إِلى الله عز وجل . والرابع : أسلموا لما في التوراة ودانوا بها ، لأنه قد كان فيهم من لم يعمل بكل ما فيها كعيسى عليه السلام . قال ابن الأنباري : وفي « المسلم » قولان . أحدهما : أنه سُمّي بذلك لاستسلامه وانقياده لربه . والثاني : لإِخلاصه لربه ، من قوله : { ورجلاً سالماً لرجل } [ الزمر : 29 ] أي : خالصاً له . والثاني : أن المراد بالنبيين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الحسن ، والسدي . وذلك حين حكم على اليهود بالرجم ، وذكره بلفظ الجمع كقوله : { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } [ النساء : 54 ] . وفي الذي حكم به منها قولان . أحدهما : الرجم والقود . والثاني : الحكم بسائِرها ما لم يرد في شرعه ما يخالف . والثالث : النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ، قاله عكرمة . قوله تعالى : { للذين هادوا } قال ابن عباس : تابوا من الكفر . قال الحسن : هم اليهود . قال الزجاج : ويجوز أن يكون في الآية تقديم وتأخير على معنى : إِنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا . فأما « الربانيون » فقد سبق ذكرهم في ( آل عمران ) . وأما « الأحبار » فهم العلماء واحدهم حَبر وحِبر ، والجمع أحبار وحبور . وقال الفراء : أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد الأحبار : حِبر بكسر الحاء . وفي اشتقاق هذا الاسم ثلاثة أقوال . أحدها : أنه من الحَبار وهو الأثر الحسن ، قاله الخليل . والثاني : أنه من الحِبر الذي يكتب به ، قاله الكسائي . والثالث : أنه من الحبر الذي هو الجمال والبهاء . وفي الحديث " يخرج رجل من النار قد ذهَبَ حِبْرُه وسِبْرُه " أي جماله وبهاؤه . فالعالِمُ بَهِيٌ بجمال العلم . وهذا قول قطرب . وهل بين الرّبانيين والأحبار فَرْق أم لا ؟ فيه قولان . أحدهما : لا فرق ، والكل العلماء ، هذا قول الأكثرين ، منهم ابن قتيبة ، والزجاج . وقد روي عن مجاهد أنه قال : الرّبانيون : الفُقهاء العُلماء ، وهم فوق الأحبار . وقال السدي : الربانيون العلماء ، والأحبار القُرّاء . وقال ابن زيد : الربانيون : الولاة ، والأحبار : العُلماء ، وقيل : الربانيون : علماء النصارى ، والأحبار : علماء اليهود . قوله تعالى : { بما استحفظوا من كتاب الله } قال ابن عباس : بما استودعوا من كتاب الله وهو التوراة . وفي معنى الكلام قولان . أحدهما : يحكمون بحكم ما استحفظوا . والثاني : العلماء بما استحفظوا . قال ابن جرير : « الباء » في قوله : « بما استحفظوا » من صلة الأحبار . وفي قوله : { وكانوا عليه شهداء } قولان . أحدهما : وكانوا على ما في التوراة من الرَّجم شهداء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : وكانوا شهداء لمحمد عليه السلام بما قال أنه حق . رواه العوفي عن ابن عباس . قوله تعالى : { فلا تخشوا الناس واخشوني } قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، وابن عامر ، والكسائي « واخشون » بغير ياء في الوصل والوقف . وقرأ أبوعمرو بياء في الوصل ، وبغير ياء في الوقف ، وكلاهما حسنٌ . وقد أشرنا إِلى هذا في ( آل عمران ) . ثم في المخاطبين بهذا قولان . أحدهما : أنهم رؤساء اليهود ، قيل لهم : فلا تخشوا الناس في إِظهار صفة محمد ، والعمل بالرّجم ، واخشوني في كتمان ذلك ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس . قال مقاتل : الخطاب ليهود المدينة ، قيل لهم : لا تخشوا يهود خيبر أن تخبروهم بالرّجم ، ونعت محمد ، واخشوني في كتمانه . والثاني : أنهم المسلمون ، قيل لهم : لا تخشوا الناس ، كما خشيت اليهود الناس ، فلم يقولوا الحق ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . قوله تعالى : { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } في المراد بالآيات قولان . أحدهما : أنها صفة محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن . والثاني : الأحكام والفرائِض . والثمن القليل مذكور في ( البقرة ) . فأما قوله : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } . وقوله تعالى بعدها : { فأولئك هم الظالمون } { فأولئك هم الفاسقون } . فاختلف العلماء فيمن نزلت على خمسة أقوال . أحدها : أنها نزلت في اليهود خاصة ، رواه عبيد بن عبد الله عن ابن عباس ، وبه قال قتادة . والثاني : أنها نزلت في المسلمين ، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا المعنى . والثالث : أنها عامّةٌ في اليهود ، وفي هذه الأمَّة ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، والنخعي ، والسدي . والرابع : أنها نزلت في اليهود والنصارى ، قاله أبو مجلز . والخامس : أن الأولى في المسلمين ، والثانية في اليهود ، والثالثة في النصارى ، قاله الشعبي . وفي المراد بالكفر المذكور في الآية الأولى قولان . أحدهما : أنه الكفر بالله تعالى . والثاني : أنه الكفر بذلك الحكم ، وليس بكفر ينقل عن الملّة . وفصل الخطاب : أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً له ، وهو يعلم أن الله أنزله ، كما فعلت اليهود ، فهو كافر ، ومن لم يحكم به ميلاً إِلى الهوى من غير جحود ، فهو ظالم وفاسِق . وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومَن أقرَّ به ولم يحكم به فهو فاسق وظالم .