Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 6-6)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِذا قمتم إِلى الصلاة } قال الزجاج : المعنى : إِذا أردتم القيام إِلى الصلاة كقوله : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } [ النحل : 98 ] قال ابن الأنباري : وهذا كما تقول : إذا آخيت فآخ أهل الحسب ، وإِذا اتجرت فاتجر في البزّ . قال : ويجوز أن يكون الكلام مقدّماً ومؤخراً ، تقديره : إِذا غسلتم وجوهكم ، واستوفيتم الطهور ، فقوموا إِلى الصلاة . وللعُلماء في المراد بالآية قولان . أحدهما : إِذا قمتم إِلى الصلاة محدثين ، فاغسلوا ، فصار الحدث مضمراً في وجوب الوضوء ، وهذا قول سعد بن أبي وقاص ، وأبي موسى الأشعري ، وابن عباس ، والفقهاء . والثاني : أن الكلام على إِطلاقه من غير إِضمار ، فيجب الوضوء على كل من يريد الصلاة ، محدثاً كان ، أو غير محدث ، وهذا مروي عن علي رضي الله عنه ، وعكرمة ، وابن سيرين . ونقل عنهم أن هذا الحكم غير منسوخ ، ونقل عن جماعة من العلماء أن ذلك كان واجباً ، ثم نسخ بالسنّة ، وهو ما روى بُريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح خمس صلوات بوضوءٍ واحدٍ ، فقال له عمر : لقد صنعت شيئاً لم تكن تصنعه ؟ فقال " عمداً فعلته يا عمر " وقال قوم : في الآية تقديم وتأخير ، ومعناها : إِذا قمتم إِلى الصلاة من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء ، فاغسلوا وجوهكم . قوله تعالى : { وأيديكم إِلى المرافق } « إِلى » حَرْفٌ موضوعٌ للغاية ، وقد تدخل الغاية فيها تارة ، وقد لا تدخل ، فلما كان الحدث يقيناً ، لم يرتفع إِلا بيقين مثله ، وهو غسل المرفقين . فأما الرأس فنقل عن أحمد وجوب مسح جميعه ، وهو قول مالك ، وروي عنه : يجب مسح أكثره ، وروي عن أبي حنيفة روايتان . إِحداهما : أنه يتقدّر بربع الرأس . والثانية : بمقدار ثلاث أصابع . قوله تعالى : { وأرجلكم إِلى الكعبين } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم : بكسر اللام عطفاً على مسح الرأس ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، ويعقوب : بفتح اللام عطفاً على الغَسل ، فيكون من المقدم والمؤخّر . قال الزجاج : الرِّجل من أصل الفخذ إِلى القدم ، فلما حدّ الكعبين ، عُلمَ أن الغسل ينتهي إِليهما ، ويدل على وجوب الغَسل التحديد بالكعبين ، كما جاء في تحديد اليد « إِلى المرافق » ولم يجئ في شيء من المسح تحديد . ويجوز أن يراد الغسل على قراءة الخفض ، لأن التحديد بالكعبين يدل على الغسل ، فينسق بالغسل على المسح . قال الشاعر : @ يا ليتَ بَعْلك قد غدا متقلِّداً سيفاً ورُمحاً @@ والمعنى : وحاملاً رمحاً . وقال الآخر : @ علفتها تبناً وماءً بارِداً @@ والمعنى : وسقيتها ماءً بارداً . وقال أبو الحسن الأخفش : يجوز الجرّ على الإِتباع ، والمعنى : الغسل ، نحو قولهم : جحر ضبٍ خربٍ ، وقال ابن الأنباري : لما تأخّرت الأرجل بعد الرؤوس ، نسقت عليها للقرب والجوار ، وهي في المعنى نسق على الوجوه ، كقولهم : جحر ضبٍّ خَربٍ ، ويجوز أن تكون منسوقة عليها ، لأن العرب تسمّي الغسل مسحاً ، لأن الغسل لا يكون إِلا بمسح . وقال أبو علي : مَن جرّ فحُجَّتُه أنه وجد في الكلام عاملين : أحدهما : الغسل ، والآخر : الباء الجارّة ، ووجه العاملين إِذا اجتمعا : أن يحمل الكلام على الأقرب منهما دون الأبعد ، وهو « الباء » هاهنا ، وقد قامت الدلالة على أن المراد بالمسح : الغسل من وجهين . أحدهما : أن أبا زيد قال : المسح خفيف الغسل ، قالوا : تمسحت للصلاة ، وقال أبو عبيدة : فطفق مسحاً بالسوق ، أي : ضرباً ، فكأن المسح بالآية غسل خفيف . فإن قيل : فالمستحب التكرار ثلاثاً ؟ قيل : إِنما جاءت الآية بالمفروض دون المسنون . والوجه الثاني : أن التحديد والتوقيت إِنما جاء في المغسول دون الممسوح ، فلما وقع التحديد مع المسح ، عُلم أنه في حكم الغسل لموافقته الغسل في التحديد ، وحجة من نصب أنه حَمل ذلك على الغسل لاجتماع فُقهاء الأمصار على الغسل . قوله تعالى : { إِلى الكعبين } « إِلى » بمعنى « مع » والكعبان : العظمان الناتئان من جانبي القدم . قوله تعالى : { وإِن كنتم جنباً فاطّهروا } أي : فتطهروا ، فأدغمت التاء في الطاء ، لأنهما من مكان واحد ، واجتلبت الهمزة توصّلاً إِلى النطق بالساكن ، وقد بين الله عز وجل طهارة الجنب في سورة ( النساء ) بقوله : { حتى تغتسلوا } [ النساء : 43 ] وقد ذكرنا هناك الكلام في تمام الآية إِلى قوله : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } و « الحرج » : الضيق ، فجعل الله الدين واسعاً حين رخّص في التيمم . قوله تعالى : { ولكن يريد ليطهركم } أي : يريد أن يطهركم . قال مقاتل : من الأحداث والجنابة ، وقال غيره : من الذنوب والخطايا لأن الوضوء يكفر الذنوب . قوله تعالى : { وليتم نعمته عليكم } في الذي يتمُّ به النعمة أربعة أقوال . أحدها : بغفران الذنوب . قال محمد بن كعب القرظي : حدثني عبد الله بن دارة ، عن حمران قال : مررت على عثمان بفخّارةٍ من ماءٍ ، فدعا بِها فتوضأ ، فأحسن الوضوء ثم قال : لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة أو مرّتين أو ثلاثاً ما حدثتكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما توضأ عبد فأحسن الوضوء ، ثم قام إِلى الصلاة ، إِلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى " قال محمد بن كعب : وكنت إِذا سمعت الحديث التمسته في القرآن ، فالتمست هذا فوجدته في قوله تعالى : { إِنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخّر ويتمَّ نعمته عليك } [ الفتح : 1 ، 2 ] فعلمت أن الله لم يتم النعمة عليه حتى غفر له ذنوبه ، ثم قرأت الآية التي في « المائدة » : { إِذا قمتم إِلى الصلاة } إِلى قوله { وليتم نعمته عليكم } فعلمت أنه لم يتم النعمة عليهم حتى غفر لهم . والثاني : بالهداية إِلى الإِيمان ، وإِكمال الدين ، وهذا قول ابن زيد . والثالث : بالرخصة في التيمم ، قاله مقاتل ، وأبو سليمان . والرابع : ببيان الشرائِع ، ذكره بعض المفسّرين .