Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 82-83)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لتجدن أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود } قال المفسّرون : نزلت هذه الآية وما بعدها مما يتعلق بها في النجاشي وأصحابه . قال سعيد بن جبير : بعث النجاشي قوماً إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلموا ، فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها ، وسنذكر قصّتهم فيما بعد . قال الزجاج : واللام في « لتجدن » لام القسم ، والنون دخلت تفصل بين الحال والاستقبال ، و « عداوة » منصوب على التمييز ، واليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين حسداً للنبي صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : { والذين أشركوا } يعني : عبدة الأوثان . فأما الذين قالوا : إِنا نصارى ، فهل هذا عامّ في كل النصارى ، أم خاص ؟ فيه قولان . أحدهما : أنه خاص ، ثم فيه قولان : أحدهما : أنه أراد النجاشي وأصحابه لما أسلموا ، قاله ابن عباس ، وابن جبير . والثاني : أنهم قوم من النصارى كانوا متمسّكين بشريعة عيسى ، فلما جاء محمد عليه السلام أسلموا ، قاله قتادة . والقول الثاني : أنه عام . قال الزجاج : يجوز أن يراد به النصارى ، لأنهم كانوا أقلَّ مظاهرةً للمشركين من اليهود . قوله تعالى : { ذلك بأن منهم قسيسين } قال الزجاج : « القس » و « القسيس » : من رؤساء النصارى . وقال قطرب : القسيس : العالم بلغة الروم ، فأما « الرهبان » فهم العباد أرباب الصوامع . قال ابن فارس : الترهّب : التعبّد ، فان قيل : كيف مدحهم بأن منهم قسيسين ورهبانا ، وليس ذلك من أمرِ شريعتنا ؟ فالجواب : أنه مدحهم بالتمسّك بدين عيسى حين استعملوا في أمر محمد ما أخذ عليهم في كتابهم ، وقد كانت الرهبانية مستحسنة في دينهم . والمعنى : بأن فيهم علماء بما أوصى به عيسى من أمر محمد صلى الله عليه وسلم . قال القاضي أبو يعلى : وربما ظن جاهلٌ أن في هذه الآية مدح النصارى ، وليس كذلك ، لأنه إِنما مدح مَن آمن منهم ، ويدل عليه ما بعد ذلك ، ولا شك أن مقالة النصارى أقبح من مقالة اليهود . قوله تعالى : { وأنهم لا يستكبرون } أي : لا يتكبرون عن إتباع الحق . قوله تعالى : { وإِذا سمعوا ما أُنزل إِلى الرسول } قال ابن عباس : لما حضر أصحاب النبي عليه السلام بين يدي النجاشي ، وقرؤوا القرآن ، سمع ذلك القسيسون والرهبان ، فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق ، فقال الله تعالى : { ذلك بأن منهم قسيسين } إِلى قوله : { من الشاهدين } . وقال سعيد بن جبير : بعث النجاشي من خيار أصحابه ثلاثين رجلاً إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقرأ عليهم القرآن . فبكوا ورقُّوا ، وقالوا : نعرف والله ، وأسلموا ، وذهبوا إِلى النجاشي فأخبروه فأسلم ، فأنزل الله فيهم { وإِذا سمعوا ما أُنزل إِلى الرسول … } الآية . وقال السدي : كانوا اثني عشر رجلاً ؛ سبعة من القسيسين ، وخمسة من الرهبان ، فلما قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، بكوا وآمنوا ، فنزلت هذه الآية فيهم . قوله تعالى : { فاكتبنا مع الشاهدين } ، أي : مع من يشهد بالحق . وللمفسرين في المراد بالشاهدين هاهنا أربعة أقوال . أحدها : محمد وأُمته ، رواه علي بن أبي طلحة ، وعكرمة عن ابن عباس . والثاني : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث : الذين يشهدون بالإِيمان ، قاله الحسن . والرابع : الأنبياء والمؤمنون ، قاله الزجاج .