Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 47-55)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إنَّ المجرمينَ في ضلالٍ وسُعُرٍ } في سبب نزولها قولان . أحدهما : أن مشركي مكة جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخاصِمونَ في القدَرَ ، فنزلت هذه الآية إلى قوله : { خَلَقْناه بقَدَرٍ } انفرد بإخراجه مسلم من حديث أبي هريرة وروى أبو أُمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن هذه الآية نزلت في القَدَريَّة " . والثاني : " أن أُسْقُف نَجران جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم فقال : يا محمد تزعُم أن المعاصي بقَدر ، وليس كذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنتم خُصَماءُ الله » " ، فنزلت : { إِن المجرمين } إلى قوله { بقَدرٍ } ، قاله عطاء . قوله تعالى : { وسُعُرٍ } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : الجنون . والثاني : العَناء ، وقد ذكرناهما في صدر السورة . والثالث : أنه نار تَسْتَعِرُ عليهم ، قاله الضحاك . فأمّا { سَقَر } فقال الزجّاج : هي اسم من أسماء جهنَّم لا ينصرف لأنها معرفة ، وهي مؤنَّثة . وقرأت على شيخنا أبي منصور قال : سَقَر : اسم لنار الأخرة أعجميّ ، ويقال : بل هو عربيّ ، من قولهم : سَقَرَتْه الشمس : إذا أذابته ، سمِّيتْ بذلك لأنها تُذيب الأجسام . وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جَمَع اللهُ الخلائق يوم القيامة أمر منادياً فنادى نداءً يسمعُه الأوَّلون والآخرون : أين خُصَماءُ اللهِ ؟ فتقوم القَدريَّة ، فيؤمر بهم إلى النار " ، يقول الله تعالى : { ذُوقُوا مَسَّ سَقَر إنّا كُلَّ شيء خلقناه بقَدرٍ } ، وإنما قيل لهم : « خُصَماء الله » لأنهم يُخاصمون في أنه لا يجوز أن يُقَدِّر المعصية على العَبْد ثم يعذِّبه عليها . وروى هشام بن حسان عن الحسن قال : واللهِ لو أنِّ قدريّاً صام حتى يصير كالحَبْل ، ثم صلَّى حتى يصير كالوتر ، ثم أخذ ظلماً وزُوراً حتى ذُبح بين الرُّكْن والمقام لكَبَّه اللهُ على وجهه في سَقَر « إنّا كُلَّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ » . وروى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ شيء بقدرٍ حتى العَجْزُ والكَيْسُ " وقال ابن عباس : كل شيء بقدرٍ حتى وضعُ يدك على خدِّك . وقال الزجّاج : معنى « بقَدَرٍ » أي : كل شيء خلقناه بقدرٍ مكتوبٍ في اللوح المحفوظ . قبل وقوعه ، ونصب « كُلَّ شيءٍ » بفعل مضمر ؛ المعنى : إنّا خلقنا كلَّ شيء خلقناه بقَدرٍ . قوله تعالى : { وما أمْرُنا إلاّ واحدةٌ } قال الفراء : أي : إلاّ مرَّة واحدة ، وكذلك قال مقاتل : مرَّة واحدة لا مثنوّية لها . وروى عطاء عن ابن عباس قال يريد : إِن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر . وقال ابن السائب : المعنى : وما أمرنا بمجيء الساعة في السُّرعة إلاّ كلَمْح البصر . ومعنى اللَّمْح بالبصر : النَّظر بسرعة . { ولقد أهلكْنا أشياعَكم } أي : أشباهكم ونُظَراءكم في الكُفر من الأمم الماضية { فهل من مُدَّكر } أي مُتَّعظ { وكل شيء فعلوه } يعني الأمم . وفي { الزُّبُر } قولان . أحدهما : أنه كُتُب الحَفَظة . والثاني : اللَّوح المحفوظ . { وكُلُّ صغيرٍ وكبيرٍ } أي : من الأعمال المتقدِّمة { مُسْتَطَرٌ } أي : مكتوب ، قال ابن قتيبة : هو « مُفْتَعَلٍ » من « سَطَرْتُ » : إذا كتبت ، وهو مثل « مَسْطُور » . قوله تعالى : { في جَنّاتٍ ونَهَرٍ } قال الزجّاج : المعنى : في جنّات وأنهار ، والاسم الواحد يَدلُّ على الجميع ، فيجتزأ به من الجميع . أنشد سيبويه والخليل : @ بِها جِيَفُ الْحَسْرَى ، فأَمّا عِظامُها فَبِيضٌ وأَمّا جِلْدُها فَصَلِيبُ @@ يريد : وأمّا جلودها ، ومثله : @ في حَلْقِكُم عَظْمٌ وقد شجينا @@ ومثله : @ كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُمُ تَعِيشُوا @@ وحكى ابن قتيبة عن الفراء أنه وُحِّد لأنه رأسُ آية ، فقابل بالتوحيد رؤوس الآي ، قال : ويقال : النَّهَر : الضِّياء والسَّعة ، من قولك : أنْهَرْتُ الطعنة : إِذا وسَّعْتَها ، قال قيس بن الخَطِيم يصف طعنة : @ مَلَكْتُ بها كَفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا يَرَى قائمٌ مِنْ دُونِها ما وراءَها @@ أي : أوسعتُ فَتْقَها . قلت : وهذا قول الضحاك . وقرأ الأعمش « ونُهُرٍ » . قوله تعالى : { في مَقْعَدِ صِدْقٍ } أي : مَجلِس حسن ؛ وقد نبَّهْنا على هذا المعنى في قوله : { أنَّ لهم قَدَمَ صِدْقٍ } [ يونس : 2 ] فأمّا المَلِيك ، فقال الخطابي : المَلِيك : هو المالك ، وبناء فَعِيل للمُبالغة في الوصف ، ويكون المَلِيك بمعنى المَلِك ، ومنه هذه الآية . والمُقْتَدِر مشروح في [ الكهف : 45 ] .