Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 21-24)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } أخبر الله بهذا عن تعظيم شأن القرآن ، وأنه لو جعل في جبل - على قساوته وصلابته - تمييزاً ، كما جعل في بني آدم ، ثم أنزل عليه القرآن لتشقَّق من خشية الله ، وخوفاً أن لا يؤدِّيَ حق الله في تعظيم القرآن . و « الخاشع » : المتطأطىء الخاضع ، و « المتصدِّع » : المتشقِّق . وهذا توبيخ لمن لا يحترم القرآن ، ولا يؤثِّر في قلبه مع الفهم والعقل ، وَيَدُلُّك على هذا المثل قوله تعالى : { وتلك الأمثال نضربها للناس } ثم أخبر بعظمته وربوبيته ، فقال تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو } قال الزجاج : قوله تعالى : { هو الله } ردٌّ على قوله تعالى : في أول السورة : { سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم } . فأما هذه الأسماء ، فقد سبق ذكر « الله » ، و « الرحمن » ، و « الرحيم » في ( الفاتحة ) وذكرنا معنى « عالم الغيب والشهادة » في [ الأنعام : 73 ] . و « الملك » في سورة [ المؤمنين : 116 ] . فأما « القدوس » فقرأ أبو الأشهب ، وأبو نهيك ، ومعاذ القارىء بفتح القاف . قال أبو سليمان الخطابي : « القدوس » : الطاهر من العيوب ، المنزَّه عن الأنداد والأولاد . « والقدس » : الطهارة . ومنه سمي : بيت المقدس ، ومعناه : المكان الذي يُتَطَهَّرُ فيه من الذنوب ، وقيل للجنة : حظيرة القدس ، لطهارتها من آفات الدنيا . والقدس : السطل الذي يتطهر فيه ، ولم يأت من الأسماء على فُعُّول بضم الفاء الا « قُدُّوس » ، و « سُبُّوح » وقد يقال أيضاً : قَدُّوس ، وسَبُّوح ، بالفتح فيهما ، وهو القياس في الأسماء ، كقولهم سَفَّود ، وكَلُّوب . فأما « السلام » فقال ابن قتيبة : سمى نفسه سلاماً ، لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنقص والفناء . وقال الخطابي : معناه : ذو السلام . والسلام في صفة الله سبحانه : هو الذي سَلِمَ من كل عيب ، وبرىء من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين . قال : وقد قيل : هو الذي سَلِمَ الخلقُ من ظلمه . فأما « المؤمن » ، ففيه ستة أقوال . أحدها : أنه الذي أَمِنَ الناسُ ظلمَهُ ، وأَمِنَ مَنْ آمَنَ به عذابَهُ ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني : أنه المجير ، قاله القرظي . والثالث : الذي يصدِّق المؤمنين إذا وحَّدوه ، قاله ابن زيد . والرابع : أنه الذي وَحَّد نفسه ، لقوله تعالى : { شهد الله أنه لا إِله إلا هو } [ آل عمران : 18 ] ذكره الزجاج . والخامس : أنه الذي يُصدِّق عباده وعده ، قاله ابن قتيبة . والسادس : أنه يصدِّق ظنون عباده المؤمنين ، ولا يُخيِّب آمالَهم ، كقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما يحكيه عن ربه عز وجل : { أنا عند ظن عبدي بي } حكاه الخطابي . فأما « المهيمن » ففيه أربعة أقوال . أحدها : أنه الشهيد ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والكسائي . قال الخطابي : ومنه قوله تعالى { ومهيمناً عليه } [ المائدة : 48 ] ، فالله الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل . والثاني : أنه الأمين ، قاله الضحاك ، قال الخطابي : وأصله : مؤيمن ، فقلبت الهمزة هاءً ، لأن الهاء أخَفُّ عليهم من الهمزة . ولم يأت مُفَيْعِلٌ في غير التصغير ، إلا في ثلاثة أحرف « مسيطر » و « مُبيطر » و « مهيمن » وقد ذكرنا في سورة [ الطور : 37 ] عن أبي عبيدة ، أنها خمسة أحرف : والثالث : المصدِّق فيما أخبر ، قاله ابن زيد . والرابع : أنه الرقيب على الشيء ، والحافظ له ، قاله الخليل . قال الخطابي : وقال بعض أهل اللغة . الهيمنة : القيام على الشيء ، والرعاية له ، وأنشد : @ أَلاَ إنَّ خَيْرَ الْنَّاس بَعْدَ نَبِيِّهِ مُهَيْمِنهُ الْتاليه في الْعُرْفِ والْنُّكْرِ @@ يريد القائم على الناس بعده بالرِّعاية لهم . وقد زدنا هذا شرحاً في [ المائدة : 48 ] وبيَّنَّا معنى : « العزيز » في [ البقرة : 129 ] . فأما « الجبار » ، ففيه أربعة أقوال : أحدها : أنه العظيم ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما يريد ، قاله القرظي والسدي . وقال قتادة : جبر خلقه على ما شاء . وحكى الخطابي : أنه الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه . يقال : جبره السلطان ، وأجبره . والثالث : أنه الذي جبر مفاقر الخلق ، وكفاهم أسباب المعاش والرزق . والرابع : أنه العالي فوق خلقه ، من قولهم : تجبر النبات : إِذا طال وعلا ، ذكر القولين الخطابي . فأما « المتكبر » ففيه خمسة أقوال : أحدها : أنه الذي تكبَّر عن كل سوءٍ ، قاله قتادة . والثاني : أنه الذي تكبَّر عن ظلم عباده ، قاله الزجاج . والثالث : أنه ذو الكبرياء ، وهو الملك ، قاله ابن الأنباري . والرابع : أنه المتعالي عن صفات الخلق . والخامس : أنه الذي يتكبَّر على عتاة خلقه ، إذا نازعوه العظمة ، فقصمهم ، ذكرهما الخطابي . قال : والتاء في « المتكبر » { تاء } التفرُّد والتخصُّص ، لأن التعاطي ، والتكلّف ، والكبر لا يليق بأحد من المخلوقين ، وإنما سمة العبد الخضوع والتذلل . وقيل : إن المتكبر من الكبرياء الذي هو عظمة الله ، لا من الكبر الذي هو مذموم في الخلق . وأما « الخالق » ، فقال الخطابي : هو المتبدىء للخلق المخترع لهم على غير مثال سبق ، فأما في نعوت الآدميين ، فمعنى الخلق : كقول زهير : @ وَلأَنْتَ تَفْري ما خَلَقْتَ وبَعْـ ضُ الْقَوْم يَخْلُقُ ثم لاَ يَفْرِي @@ يقول : إذا قدرت شيئاً قطعته ، وغيرك يقدر ما لا يقطعه ، أي : يتمنَّى ما لا يبلغه ، و { البارىء } الخالق . يقال : بَرَأَ الله الخلق ، يَبْرَؤُهُمْ . « والمصوِّر » : الذي أنشأ خلقه على صُوَرٍ مختلفةٍ ليتعارفوا بها . ومعنى التصوير : التخطيط ، والتشكيل . وقرأ الحسن ، وأبو الجوزاء ، وأبو عمران ، وابن السميفع ، « البارىء المصور » بفتح الواو والراء جميعاً ، يعني : آدم عليه السلام . وما بعد هذا قد تقدم بيانه [ الأعراف : 180 ، والإسراء : 110 ] إلى آخر السورة .