Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 1-3)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } ذكر أهل التفسير أنها : " نزلت في حاطب بن أبي بَلْتَعَة ، وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صَيْفيّ بن هاشم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من مكة إلى المدينة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهَّزُ لفتح مكة ، فقال لها : « أمسلمةً جئتِ ؟ » قالتْ : لا ، قال : « فما جاء بكِ ؟ » قالت : أنتم الأهل ، والعشيرة ، والموالي ، وقد احتجت حاجةً شديدة ، فقدِمت إليكم لتعطوني . قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فأين أنتِ من شباب أهل مكة ؟ » وكانت مغنية ، فقالت : ما طُلِبَ مني شيءٌ بعد وقعة بدر ، فحثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب ، فَكَسَوْها ، وحملوها ، وأعطَوها ، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة ، فكتب معها كتاباً إلى أهل مكة ، وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل الكتاب إِلى أهل مكة ، [ وكتب في الكتاب : مِن حاطب إلى أهل مكة ] إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم ، فخذوا حذركم . فخرجت به سارة ، ونزل جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ، وعماراً ، والزبير ، وطلحة ، والمقداد ، وأبا مَرْثَدٍ ، وقال : « انطلقوا حتى تأتوا « روضة خاخ » ، فإن فيها ظعينةً معها كتاب من حاطب إلى المشركين ، فخذوه منها ، وخَلُّوا سبيلها ، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها » فخرجوا حتى أدركوها ، فقالوا لها : أين الكتاب ؟ فحلفت بالله ما معها من كتاب ، ففتشوا متاعها فلم يجدوا شيئاً فهمُّوا بالرجوع . فقال عليٌّ : والله ما كَذَبْنَا ولا كُذِّبْنَا ، وسلَّ سيفه ، وقل أخرجي الكِتابَ ، وإلا ضربت عنقكِ ، فلما رأت الجِدِّ أخرجته من ذؤابتها ، فخلَّوا سبيلها ، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى حاطب ، فأتاه ، فقال له : « هل تعرف الكتاب ؟ » قال : نعم . قال : « فما حملك على ما صنعت ؟ » فقال : يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ، ولا غششتك منذ نصحتك ، ولا أحببتهم منذ فارقتهم ، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلاَّ وَلَه بمكة من يمنع عشيرته ، وكنت [ غريباً ] فيهم ، وكان أهلي بين ظهرانَيْهم ، فخشيتُ على أهلي ، فأردت أن أَتَّخِذَ عندهم يداً ، وقد علمتُ أن الله ينزل بهم بأسه ، وكتابي لا يغني عنهم شيئاً ، فصدَّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعذَرَهُ ، ونزلت هذه السورة تنهى حاطباً عما فعل ، وتنهى المؤمنين أن يفعلوا كفعله ، فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وما يدريك يا عمر لعل الله اطَّلع على أهل بدر ، فقالوا : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » " وقد أخرج هذا الحديث في « الصحيحين » مختصراً ، وفيه ذكر علي ، وابن الزبير ، وأبي مَرْثَدٍ فقط . قوله تعالى : { تلقون إليهم بالمودة } وفيه قولان . أحدهما : أن الباء زائدة ، والمعنى : تلقون إليهم المودَّة ، ومثله { ومن يُرِدْ فيه بإلحادٍ بظلم } [ الحج : 25 ] ، هذا قول الفراء ، وأبي عبيدة ، وابن قتيبة ، والجمهور . والثاني : تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسِرَّه بالمودة التي بينكم وبينه ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { وقد كفروا } الواو للحال ، وحالهم أنهم كفروا بما جاءكم من الحق ، وهو القرآن { يخرجون الرسول وإِيَّاكم } من مكة { أن تؤمنوا بالله } { إن كنتم خرجتم } هذا شرط ، جوابه ، متقدّم ، وفي الكلام تقديم وتأخير . قال الزجاج : معنى الآية : إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء . قوله تعالى : { تُسِرُّون إليهم بالمودَّة } الباء في « المودّة » حكمها حكم الأولى . قال المفسرون : والمعنى : تُسِرُّون إليهم النصيحة { وأنا أعلم بما أخفيتم } من المودَّة للكفار { وما أعلنتم } أي : أظهرتم بألسنتكم . وقال ابن قتيبة : المعنى : كيف تستسرُّون بمودتكم لهم مني وأنا أعلم بما تضمرون وما تظهرون ؟ ! قوله تعالى : { ومن يفعلْه منكم } يعني : الإسرار والإلقاء إليهم { فقد ضلَّ سواء السبيل } أي : أخطأ طريق الهدى . ثم أخبر بعداوة الكفار فقال تعالى : { إن يثقفوكم } أي : يظفروا بكم { يكونوا لكم أعداءً } لا موالين { ويبسطوا إليكم أَيديهم } بالضرب والقتل { وألسنتَهم بالسوء } وهو : الشتم { وودُّوا لو تكفرون } فترجعون إلى دينهم . والمعنى : أنه لا ينفعكم التقرُّب إليهم ، بنقل أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : { لن تنفعَكم أرحامُكم } أي : قراباتكم . والمعنى : ذوو أرحامكم ، أراد ، لن ينفعَكم الذين عصيتم الله لأجلهم ، { يوم القيامة يفصل بينكم } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : « يُفصَل » برفع الياء وتسكين الفاء ، ونصب الصاد . وقرأ ابن عامر « يُفصَّل بينكم » برفع الياء ، والتشديد ، وفتح الصاد ، وافقه حمزة ، والكسائي ، وخلف إلا أنهم كسروا الصاد . وقرأ عاصم ، غير المفضل ، ويعقوب بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد ، وتخفيفها . وقرأ أبي بن كعب ، وابن عباس ، وأبو العالية : « نُفصِّل » بنون مرفوعة ، وفتح الفاء ، مكسورة الصاد مشددة . وقرأ أبو رزين ، وعكرمة ، والضحاك : « نَفصِل » بنون مفتوحة ، ساكنة الفاء ، مكسورة الصاد خفيفة ، أي : نفصل بين المؤمن والكافر وإن كان ولده . قال القاضي أبو يعلى : في هذه القصة دلالة على أن الخوف على المال والولد لا يبيح التقية في إِظهار الكفر ، كما يبيح في الخوف على النفس ، ويبين ذلك أن الله تعالى فرض الهجرة ، ولم يعذرهم في التخلُّف لأجل أموالهم وأولادهم . وإنما ظن حاطب أن ذلك يجوز له ليدفع به عن ولده ، كما يجوز له أن يدفع عن نفسه بمثل ذلك عند التقيَّة ، وإِنما قال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق لأنه ظن أنه فعل ذلك عن غير تأويل .