Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 54-54)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } اختلفوا أي يوم بدأ بالخلق على ثلاثة أقوال . أحدها : أنه يوم السبت . روى مسلم في « صحيحه » من حديث أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال : " خلق الله عز وجل التربة يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الاربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر [ من ] يوم الجمعة [ في ] آخر الخلق ، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل " وهذا اختيار محمد بن إسحاق . قال ابن الانباري : وهذا إجماع أهل العلم . والثاني : يوم الأحد ، قاله عبد الله بن سلام ، وكعب ، والضحاك ، ومجاهد ، واختاره ابن جرير الطبري ، وبه يقول أهل التوراة . والثالث : يوم الاثنين ، قاله ابن إسحاق ، وبهذا يقول أهل الإنجيل . ومعنى قوله : { في ستة ايام } أي : في مقدار ذلك ، لأن اليوم يعرف بطلوع الشمس وغروبها ، ولم تكن الشمس حينئذ . قال ابن عباس : مقدار كل يوم من تلك الأيام ألف سنة ، وبه قال كعب ، ومجاهد ، والضحاك ، ولا نعلم خلافاً في ذلك . ولو قال قائل : إنها كأيام الدنيا ، كان قوله بعيداً من وجهين . أحدهما : خلاف الآثار . والثاني : أن الذي يتوهمه المتوهِّم من الإِبطاء في ستة آلاف سنة ، يتوهمه في ستة أيام عند تصفح قوله : { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } [ يس : 82 ] . فان قيل : فهلاَّ خلقها في لحظة ، فانه قادر ؟ فعنه خمسة أجوبة . أحدها : أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده ، ذكره ابن الانباري . والثاني : أن التثبُّت في تمهيد ما خُلق لآدم وذريته قبل وجوده ، أبلغُ في تعظيمه عند الملائكة . والثالث : أن التعجيل أبلغ في القدرة ، والتثبيت أبلغ في الحكمة ، فأراد إظهار حكمته في ذلك ، كما يظهر قدرته في قوله : { كن فيكون } . والرابع : انه علّم عباده التثبُّت ، فاذا تثبت من لا يزلُّ ، كان ذو الزَّلل أول بالتثبُّت . والخامس : أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء ، أبعد من أن يُظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق . قوله تعالى : { ثم استوى على العرش } قال الخليل بن أحمد : العرش : السرير ؛ وكل سرير لملك يسمى عرشاً ، وقلما يُجمع العرش إلا في اضطرار ، واعلم أن ذكر العرش مشهور عند العرب في الجاهلية والإسلام . قال أُمية بن أبي الصلت : @ مجِّدوا الله فَهْو لِلمَجْدِ أهْلُ ربُّنا في السَّمَاءِ أمْسَى كَبِيْرا بالبناء الأعلى الذي سبق النَّا س وسوَّى فوق السمَّاءِ سَرِيرَا شَرْجَعَاً لا يَنَالُهُ نَاظِرُ العَيْـ ـنِ تَرَى دُوْنَه المَلائِكَ صُوْرا @@ وقال كعب : إن السموات في العرش : كالقنديل معلَّق بين السماء والأرض . وروى إسماعيل بن أبي خالد عن سعد الطائي قال : العرش ياقوتة حمراء . وإجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية . وقد شذَّ قوم فقالوا : العرش بمعنى الملك . وهذا عدول عن الحقيقة الى التجوُّز ، مع مخالفة الأثر ؛ ألم يسمعوا قوله تعالى : { وكان عرشه على الماء } [ هود : 7 ] أتراه كان المُلك على الماء ؟ وكيف يكون الملك ياقوتة حمراء ؟ وبعضهم يقول : استوى بمعنى استولى ؛ ويحتج بقول الشاعر : @ حتَّى اسْتَوى بِشْرٌ عَلَى العِرَاقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقٍ @@ ويقول الشاعر أيضاً : @ هُمَا اسْتَويا بِفَضْلِهِما جَمِيْعاً عَلى عَرْشِ المُلوكِ بغَيْرِ زُوْرِ @@ وهذا منكر عند اللغويين . قال ابن الاعرابي : العرب لا تعرف استوى بمعنى استولى ، ومن قال ذلك فقد أعظم . قالوا : وإنما يقال استولى فلان على كذا ، إذا كان بعيداً عنه غير متمكن منه ، ثم تمكن منه ؛ والله عز وجل لم يزل مستولياً على الأشياء ؛ والبيتان لا يعرف قائلهما ، كذا قال ابن فارس اللغوي . ولو صحّا ، فلا حجة فيهما لما بيَّنَّا من استيلاء من لم يكن مستولياً . نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة . قوله تعالى : { يغشي الليل النهار } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : « يُغْشي » ساكنة الغين خفيفة . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : « يُغَشّي » مفتوحة الغين مشددة ؛ وكذلك قرؤوا في ( الرعد ) قال الزجاج : المعنى : أن الليل يأتي على النهار فيغطيِّه ؛ وإنما لم يقل : ويغشي النهار الليل ، لأن في الكلام دليلاً عليه ؛ وقد قال في موضع آخر : { يكوِّر الليل على النهار ويكوِّر النهار على الليل } [ الزمر : 5 ] . وقال أبو علي : إنما لم يقل : يغشي النهار الليل ، لأنه معلوم من فحوى الكلام ، كقوله : { سرابيل تقيكم الحر } [ النحل : 81 ] وانتصب الليل والنهار ، لأن كل واحد منهما مفعول به ، فأما الحثيث : فهو السريع . قوله تعالى : { والشمسَ والقمرَ والنجومَ مسخراتٍ } قرأ الأكثرون : بالنصب فيهنَّ ، وهو على معنى : خلق السموات والشمس . وقرأ ابن عامر : « والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ » بالرفع فيهن هاهنا وفي [ النحل : 12 ] ، تابعه حفص في قوله تعالى : { والنجوم مسخرات } في [ النحل : 12 ] فحسب . والرفع على الاستئناف . والمسخرات : المذلَّلات لما يراد منهنَّ من طلوع وأفول وسير على حسب إرادة المدبّر لهنَّ . قوله تعالى : { ألا له الخلق } لأنه خلقهم { والأمر } فله أن يأمر بما يشاء . وقيل : الأمر : القضاء . قوله تعالى : { تبارك الله } فيه أربعة أقوال . أحدها : تفاعل من البركة ، رواه الضحاك عن ابن عباس ؛ وكذلك قال القتيبيُّ ، والزجاج . وقال أبو مالك : افتعل من البركة . وقال الحسن : تجيء البركة من قِبَله . وقال الفراء : تبارك من البركة ؛ وهو في العربية كقولك : تقدس ربنا . والثاني : أن تبارك بمعنى تعالى ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وكذلك قال أبو العباس : تبارك ارتفع ؛ والمتبارِك : المرتفِع . والثالث : أن المعنى : باسمه يُتبرَّك في كل شيء ، قاله ابن الانباري . والرابع : أن معنى « تبارك » : تقدس ، أي : تطهر ، ذكره ابن الانباري أيضاً .