Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 1-18)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يا أيها المُزَّمِّل } وقرأ أُبَيُّ بن كعب ، وأبو العالية ، وأبو مجلز ، وأبو عمران ، والأعمش : « المتزمِّل » بإظهار التاء . وقرأ عكرمة ، وابن يعمر : « المزمل » بحذف التاء وتخفيف الزاي قال اللغويون : « المُّزَّمِّل » الملتف في ثيابه ، وأصله المتزِّمل فأدغمت التاء في الزاي . فثقِّلت . وكل من التفَّ بثوبه فقد تزمَّل . قال الزجاج : وإِنما أدغمت فيها لقربها منها . قال المفسرون : وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتزمَّل في ثيابه في أول ما جاء جبريل فَرَقاً منه حتى أنس به . وقال السدي : كان قد تزمَّل للنوم . وقال مقاتل : خرج من البيت وقد لبس ثيابه ، فناداه جبريل : يا أيها المُزَّمِّل . وقيل : أريد به مُتَزَمِّل النبوة . قال عكرمة : في معنى هذه الآية : زُمِّلْتَ هذا الأمر ، فَقُمْ به . وقيل : إِنما لم يخاطب بالنبي والرسول هاهنا ، لأنه لم يكن قد بلَّغ ، وإنما كان في بدء الوحي . قوله تعالى : { قم الليل } أي : للصلاة . وكان قيام الليل فرضاً عليه { إلا قليلا نصفَه } هذا بدل من الليل ، كما تقول : ضربت زيداً رأسَه . فإنما ذكرت زيداً لتوكيد الكلام ، لأنه أوكد من قولك : ضربت رأس زيد . والمعنى : قم من الليل النصف إلا قليلاً { أو انقص منه قليلاً } أي : من النصف { أو زِد عليه } أي : على النصف . قال المفسرون : انقص من النصف إلى الثلث ، أو زد عليه إلى الثلثين ، فجعل له سَعَة في مدة قيامه ، إذ لم تكن محدودة ، فكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين ، فشق ذلك عليه وعليهم ، فكان الرجل لا يدري كم صلى ، وكم بقي من الليل ، فكان يقوم الليل كلَّه مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب ، فنسخ ذلك عنه وعنهم بقوله تعالى : { إِن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل … } الآية ، هذا مذهب جماعة من المفسرين . وقالوا : ليس في القرآن سورة نَسَخَ آخِرُها أولَها سوى هذه السورة ، وذهب قوم إلى أنه نُسِخَ قيامُ اللَّيْلِ في حقِّه بقوله تعالى { ومن الليل فتهجَّدْ به نافلةً لكَ } [ الإسراء : 79 ] ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس . وقيل : نسخ عن الأمة ، وبقي عليه فرضه أبداً . وقيل : إنما كان مفروضاً عليه دونهم ، وفي مدة فرضه قولان . أحدهما : سَنَةٌ ، قال ابن عباس : كان بين أول ( المزَّمِّل ) وآخرها سَنَةٌ . والثاني : ستة عشر شهراً ، حكاه الماوردي . قوله تعالى : { وَرَتِّل القرآن } قد ذكرنا الترتيل في [ الفرقان : 32 ] . قوله تعالى : { إِنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } وهو القرآن . وفي معنى ثِقَله ستة أقوال . أحدها : أنه كان يثقُل عليه إذا أُوحي إليه . وهذا قول عائشة قالت ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، يعني يتخلص عنه ، وإِن جبينه ليتفصّد عرقاً . والثاني : أن العمل به ثقيل في فروضه وأحكامه ، قاله الحسن ، وقتادة . والثالث : أنه يثقل في الميزان يوم القيامة ، قاله ابن زيد . والرابع : أنه المهيب ، كما يقال للرجل العاقل : هو رزين راجح ، قاله عبد العزيز بن يحيى . والخامس : أنه ليس بالخفيف ولا السفساف ، لأنه كلام الرب عز وجل ، قاله الفراء . والسادس : أنه قول له وزن في صحته وبيانه ونفعه ، كما تقول : هذا كلام رصين ، وهذا قول وزن : إذا استجدته . ذكره الزجاج . قوله تعالى : { إِن ناشئة الليل } قال ابن مسعود ، وابن عباس ، هي قيام الليل بلسان الحبشة . وهل هي في وقت مخصوص من الليل ، أم في جميعه ؟ فيه قولان . أحدهما : أنها في جميع الليل . وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال : الليل كلُّه ناشئة . وإلى هذا ذهب اللغويون . قال ابن قتيبة : ناشئة الليل : ساعاته الناشئة ، من نشأتْ : إذا ابتدأتْ . وقال الزجاج : ناشئة الليل : ساعات الليل ، كلّ ما نشأ منه ، أي : كلّ ما حدث . وقال أبو علي الفارسي : كأن المعنى : إن صلاة ناشئة ، أو عمل ناشئة الليل . والثاني : أنها في وقت مخصوص من الليل ، ثم فيه خمسة أقوال . أحدها : أنها ما بين المغرب والعشاء ، قاله أنس بن مالك . والثاني : أنها القيام بعد النوم ، وهذا قول عائشة ، وابن الأعرابي . وقد نص عليه أحمد في رواية المرودي . والثالث : أنها ما بعد العشاء ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبو مجلز . والرابع : أنها بَدْءُ الليل ، قاله عطاء ، وعكرمة . والخامس : أنها القيام من آخر الليل ، قاله يمان ، وابن كيسان . قوله تعالى : { هي أشد وَطْأً } قرأ ابن عامر ، وأبو عمرو ، « وِطاءً » بكسر الواو مع المد ، وهوَ مصدر واطأت فلاناً على كذا مُواطَأَةً ، وَوِطاء ، وأراد أن القراءة في الليل يتواطأ فيها قلب المصلي ولسانه وسمعه على التفهُّم للقرآن والإحكام لتأويله . ومنه قوله تعالى : { ليواطئوا عِدَّة ما حَرَّم الله } [ التوبة : 37 ] وقرأ الباقون « وَطْأً » بفتح الواو مع القصر والمعنى : إنه أثقل على المصلي من ساعات النهار ، من قول العرب : اشتدت على القوم وَطْأَةُ السلطان : إذا ثقل عليهم ما يلزمهم . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم « اللهم اشدد وطأتك على مضر » ذكر معنى القراءتين ابن قتيبة . وقرأ ابن محيصن « أشد وَطَاءً » بفتح الواو ، والطاء ، وبالمد . قوله تعالى : { وأقْومُ قيلا } أي : أخلص للقول ، وأسمع له ، لأن الليل تهدأ فيه الأصوات فتخلص القراءة ، ويفرغ القلب لفهم التلاوة ، فلا يكون دون سمعه وتفهّمه حائل . قوله تعالى : { إن لك في النهار سبحاً طويلاً } أي : فراغاً لنومك وراحتك ، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك ، قاله ابن عباس ، وعطاء ، وقرأ علي ، وابن مسعود ، وأبو عمران ، وابن أبي عبلة « سبخاً » بالخاء المعجمة قال الزجاج : ومعناها في اللغة صحيح يقال : قد سبخت القطن بمعنى نفشته ، ومعنى نَفَّشته : وسَّعته فيكون المعنى : إن لك في النهار توسُّعاً طويلاً . قوله تعالى : { واذكر اسم ربك } أي : بالنهار أيضاً { وتَبَتَّل إِليه تبتيلا } قال مجاهد : أخلص له إخلاصاً . وقال ابن قتيبة : انقطع إليه ، من قولك : بَتَّلُت الشيء : إذا قطعتَه . وقال الزجاج : انقطع إِليه في العبادة . ومنه قيل لمريم : البتول ، لأنها انقطعت إلى الله تعالى في العبادة . وكذلك صدقة بتلة : منقطعة من مال المصِّدِّق ، والأصل في مصدر تبتَّل تبتلاً . وإنما قوله تعالى : « تبتيلاً » محمول على معنى تبتّل { رب المشرق } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم « ربُّ » بالرفع . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، بالكسر . وما بعد هذا قد سبق [ الشعراء : 28 ] إلى قوله تعالى { واصبر على ما يقولون } من التكذيب لك والأذى { واهجرهم هجراً جميلاً } لا جزع فيه . وهذه الآية عند المفسرين منسوخة بآية السيف { وذَرْني والمكذِّبين } أي : لا تهتمَّ بهم ، فأنا أكفيكهم { أُولي النَّعْمة } يعني : التَّنَعُّم . وفيمن عُني بهذا ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم المطعِمُون بِبَدْرٍ ، قاله مقاتل بن حيان . والثاني : أنهم بنو المغيرة بن عبد الله ، قاله مقاتل بن سليمان . والثالث : أنهم المستهزئون ، وهم صناديد قريش ، حكاه الثعلبي . قوله تعالى : { ومَهِّلْهم قليلاً } قالت عائشة : فلم يكن إلا اليسير حتى كانت وقعة بدر ، وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف ، وليس بصحيح . قوله تعالى : { إن لدينا أنكالاً } وهي القيود ، واحدها : نكل . وقد شرحنا معنى « الجحيم » في [ البقرة : 119 ] { وطعاماً ذا غُصَّةٍ } وهو الذي لا يسوغ في الحلق ، وفيه للمفسرين أربعة أقوال . أحدها : أنه شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج ، قاله ابن عباس ، وعكرمة . والثاني : الزَّقُّوم ، قاله مقاتل . والثالث : الضَّريع ، قاله الزجاج . والرابع : الزَّقُّوم والغِسْلين والضَّريع ، حكاه الثعلبي . قوله تعالى : { يوم ترجُف الأرض } قال الزجاج : هو منصوب بقوله تعالى : « إن لدينا أنكالاً » والمعنى : ينكِّل الكافرين ، ويعذِّبهم ، { يوم ترجُف الأرض } أي : تُزَلزَل وتُحَرَّك أغلظ حركة . قوله تعالى : { وكانت الجبال } قال مقاتل : المعنى : وصارت بعد الشدة ، والقوة « كثيباً » قال الفراء : « الكثيب » : الرمل . و « المهيل » : الذي تحرَّك أسفله ، فينهال عليكم من أعلاه . والعرب تقول : مهيل ومهيول ، ومكيل ومكيول . وقال الزجاج : الكثيب جمعه : كثبان ، وهي القطع العظام من الرمل . والمهيل : السائل . قوله تعالى : { إنا أرسلنا إليكم } يعني : أهل مكة { رسولاً } يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم { شاهداً عليكم } بالتبليغ وإِيمان من آمن ، وكفر من كفر { كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً } وهو موسى عليه السلام ، والوبيل : الشديد . قال ابن قتيبة : هو من قولك : استوبلت المكان : إذا استوخمتَه . ويقال : كَلًأ مُسْتَوْبَل أُي : لاَ يُسْتَمْرَأُ . قال الزجاج : الوبيل : الثقيل الغليظ جداً . ومنه قيل للمطر العظيم . وابل قال مقاتل : والمراد بهذا الأخذ الوبيل : الغرق . وهذا تخويف لكفار مكة أن ينزل بهم العذاب لتكذيبهم ، كما نزل بفرعون . قوله تعالى : { فكيف تتقون إن كفرتم يوماً } أي : عذاب يوم . قال الزجاج : المعنى : بأي شيء تتحصَّنون من عذاب يوم مِنْ هوله يَشيب الصغير من غير كِبَر . وقرأ أُبي بن كعب ، وأبو عمران « نجعل الولدان » بالنون . قوله تعالى : { السماء مُنْفَطِرٌ به } قال الفراء : السماء تُذَكَّر وتؤنَّث . وهي هاهنا في وجه التذكير . قال الشاعر : @ فَلَوْ رَفَع السَّماءُ إليه قوماً لَحِقْنَا بِالسَّماءِ مَعَ السَّحابِ @@ قال الزجاج : وتذكير السماء على ضربين . أحدهما : على أن معنى السماء معنى السقف . والثاني : على قولهم : امرأة مُرْضِع على جهة النسب . فالمعنى : السماء ذات انفطار ، كما أن المرضع ذات الرضاع . وقال ابن قتيبة : ومعنى الآية : السماء مُنْشَقّ به ، أي : فيه ، يعني في ذلك اليوم . قوله تعالى : { كان وعده مفعولاً } وذلك أنه وعد بالبعث فهو كائن لا محالة .