Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 4-31)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إنا اعتدنا للكافرين سلاسلاً } قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وحمزة : « سلاسل » بغير تنوين ووقفوا بألف . ووقف أبو عمرو بألف . قال مكي بن أبي طالب النحوي : « سلاسل » و « قوارير » أصله أن لا ينصرف ، ومن صرفه من القراء ، فإنها لغة لبعض العرب . وقيل : إنما صرفه لأنه وقع في المصحف بالألف ، فصرفه لاتباع خط المصحف . قال مقاتل : السلاسل في أعناقهم ، والأغلال في أيديهم . وقد شرحنا معنى « السعير » في [ النساء : 10 ] . قوله تعالى : { إن الأبرار } واحدهم بَرٌّ ، وبَارٌّ ، وهم الصادقون . وقيل : المطيعون . وقال الحسن : هم الذين لا يؤذون الذَّر { يشربون من كأس } أي : من إناءٍ فيه شراب { كان مزاجها } يعني : مزاج الكأس { كافوراً } وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الكافور المعروف ، قاله مجاهد ، ومقاتل ، فعلى هذا في المراد « بالكافور » ثلاثة أقوال . أحدها : برده ، قاله الحسن . والثاني : ريحه ، قاله قتادة . والثالث : طعمه ، قاله السدي . والثاني : أنه اسم عين في الجنة ، قاله عطاء ، وابن السائب . والثالث : أن المعنى : مزاجها كالكافور لطيب ريحه ، أجازه الفراء ، والزجاج . قوله تعالى : { عيناً } قال الفراء : هي المفسرة للكافور ، وقال الأخفش : هي منصوبة على معنى : أعني عيناً . وقال الزجاج : الأجود أن يكون المعنى : من عين ، { يشرب بها } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : يشرب منها . والثاني : يشربها ، والباء صلة . والثالث : يشرب بها عباد الله الخمر يمزجونها بها . وفي هذه العين قولان . أحدهما : أنها الكافور الذي سبق ذكره . والثاني : التسنيم ، و { عباد الله } هاهنا : أولياؤه { يفجِّرونها تفجيراً } قال مجاهد : يقودونها إلى حيث شاؤوا من الجنة . قال الفراء : حيث ما أحب الرجل من أهل الجنة فجرَّها لنفسه . قوله تعالى : { يوفون بالنذر } قال الفراء : فيه إضمار « كانوا » يوفون بالنذر . وفيه قولان . أحدهما : يوفون بالنذر إذا نذروا في طاعة الله ، قاله مجاهد ، وعكرمة . والثاني : يوفون بما فرض الله عليهم ، قاله قتادة . ومعنى « النذر » في اللغة : الإيجاب . فالمعنى : يوفون بالواجب عليهم { ويخافون يوماً كان شرُّه مستطيراً } قال ابن عباس : فاشياً . وقال ابن قتيبة : فاشياً منتشراً . يقال : استطار الحريق : إِذا انتشر ، واستطار الفجر : إذا انتشر الضوء . وأنشدوا للأعشى : @ فَبَانَتْ وَقَدْ أَسْأَرَتْ في الفُؤَا دِ صَدْعاً عَلَى نَأْيِها مُسْتَطِيراً @@ وقال مقاتل : كان شرُّه فاشياً في السموات ، فانشقت ، وتناثرت الكواكب ، وفزعت الملائكة ، وكوِّرت الشمس والقمر في الأرض ، ونُسِفَتْ الجبال ، وغَارَت المياه ، وتكَسَّر كل شيء على وجه الأرض من جبلٍ ، وبناءٍ ، وفَشَا شَرُّ يوم القيامة فيهما . قوله تعالى : { ويطعمون الطعام على حُبِّه } اختلفوا فيمن نزلت على قولين . أحدهما : نزلت في علي بن أبي طالب . آجر نفسه ليسقي نخلاً بشيء من شعيرٍ ليلة حتى أصبح . فلما قبض الشعير طحن ثلثه ، وأصلحوا منه شيئاً يأكلونه ، فلما استوى أتى مسكين ، فأخرجوه إليه ، ثم عمل الثلث الثاني ، فلما تم أتى يتيم ، فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي ، فلما استوى جاء أسير من المشركين ، فأطعموه وطوَوْا يومهم ذلك ، فنزلت هذه الآيات ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثاني : أنها نزلت في أبي الدحداح الأنصاري صام يوماً ، فلما أراد أن يفطر جاء مسكين ، ويتيم ، وأسير ، فأطعمهم ثلاثة أرغفة ، وبقي له ولأهله رغيف واحد ، فنزلت فيهم هذه الآية ، قاله مقاتل . وفي هاء الكناية في قوله تعالى « على حُبِّه » قولان . أحدهما : ترجع إلى الطعام ، فكأنهم كانوا يُؤْثِرُون وهم محتاجون إليه ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، والزجاج ، والجمهور . والثاني : ترجع إلى الله تعالى ، قاله الداراني . وقد سبق معنى « المسكين واليتيم » [ البقرة : 83 ] . وفي الأسير أربعة أقوال . أحدها : أنه المسجون من أهل القبلة ، قاله عطاء ، ومجاهد ، وابن جبير . والثاني : أنه الأسير المشرك ، قاله الحسن ، وقتادة . والثالث : المرأة ، قاله أبو حمزة الثمالي . والرابع : العبد ، ذكره الماوردي . فصل وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الآية تضمنت مدحهم على إطعام الأسير المشرك . قال : وهذا منسوخ بآية السيف . وليس هذا القول بشيء ، فإن في إطعام الأسير المشرك ثواباً ، وهذا محمول على صدقة التطوع . فأما الفرض فلا يجوز صرفه إلى الكفَّار ، ذكره القاضي أبو يعلى . قوله تعالى : { إنما نطعمكم لوجه الله } أي : لطلب ثواب الله . قال مجاهد ، وابن جبير : أما إنهم ما تكلموا بهذا ، ولكن علمه الله من قلوبهم ، فأثنى به عليهم لِيَرْغَبَ في ذلك راغب . قوله تعالى : { لا نريد منكم جزاءً } أي : بالفعل { ولا شكوراً } بالقول { إنا نخاف من ربنا يوماً } أي : ما في يوم { عبوساً } قال ابن قتيبة : أي : تعبس فيه الوجوه ، فجعله من صفة اليوم ، كقوله تعالى : { في يومٍ عاصفٍ } [ إِبراهيم : 18 ] ، أراد : عاصف الريح . فأما « القمطرير » فروى ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أنه الطويل . وروى عنه العوفي أنه قال : هو الذي يقبِّض فيه الرجل ما بين عينيه . فعلى هذا يكون اليوم موصوفاً بما يجري فيه ، كما قلنا في « العبوس » لأن اليوم لا يوصف بتقبيض ما بين العينين . وقال مجاهد ، وقتادة : « القمطرير » الذي يقلِّص الوجوه ، ويقبض الحياة ، وما بين الأعين من شدته . وقال الفراء : هو الشديد . يقال يوم قمطرير ، ويوم قماطر . وأنشدني بعضهم : @ بَنِي عَمِّنَا هَلْ تَذْكُرونَ بَلاَءَنَا عليكُم إذا ما كان يَوْمٌ قُماطِرُ @@ وقال أبو عبيدة : العبوس ، والقمطرير ، والقماطر ، والعَصِيب ، والعَصَبْصَب : أشد ما يكون من الأيام ، وأطوله في البلاء . قوله تعالى : { فوقاهم الله شَرَّ ذلك اليوم } بطاعتهم في الدنيا { ولقَّاهم نَضْرَةً } أي : حُسْنَاً وبياضاً في الوجوه { وسُرُورَاً } لا انقطاع له . وقال الحسن : النَّضْرة في الوجوه . والسُّرُور في القلوب { وجزاهم بما صبروا } على طاعته ، وعن معصيته { جَنَّةً وحريراً } وهو لباس أهل الجنة { متكئين فيها } قال الزجاج : هو منصوب على الحال ، أي : جزاهم جنة في حال اتكائهم فيها ، وقد شرحنا هذا في [ الكهف : 31 ] . قوله تعالى : { لاَ يرَوْنَ فيها شمساً } فيُؤذيهم حَرُّها { ولا زمهريراً } وهو البرد الشديد . والمعنى : لا يجدون فيها الحَرَّ والبرد . وحكي عن ثعلب أنه قال : الزمهرير : القمر ، وأنشد : @ وَلَيْلَةٍ ظَلاَمُهَا قَد اعْتَكَرْ قَطَعْتُهَا وَالزّمْهَريرُ مَا زَهَر @@ أي : لم يطلع القمر . قوله تعالى : { ودانيةً } قال الفراء : المعنى : وجزاهم جنة ، ودانيةً عليهم ظلالها ، أي : قريبة منهم ظلال أشجارها { وذُلِّلَت قُطوفُها تذليلاً } قال ابن عباس : إِذا هَمَّ أن يتناول من ثمارها تَدَلَّتْ إليه حتى يتناولَ ما يريد . وقال غيره : قُرِّبَتْ إليهم مُذَلَّلة كيف شاؤوا ، فهم يتناولونها قياماً ، وقعوداً ، ومضطجعين ، فهو كقوله تعالى { قطوفها دانية } [ الحاقة : 23 ] . فأما « الأكواب » فقد شرحناها في [ الزخرف : 71 ] { كانت قواريرا } أي : تلك الأكواب هي قوارير ، ولكنها من فضة ، قال ابن عباس : لو ضَرَبْتَ فضةَ الدنيا حتى جعلتَها مثل جناح الذباب ، لم يُرَ الماء من ورائها ، وقوارير الجنة من فضة في صفاء القارورة . وقال الفراء ، وابن قتيبة : هذا على التشبيه ، المعنى : كأنها من فضة ، أي : لها بياض كبياض الفضة وصفاء كصفاء القوارير . وكان نافع ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : يقرؤون « قواريراً قواريراً » فَيَصِلُونَهما جميعاً بالتنوين . ويقفون عليهما بالألف . وكان ابن عامر وحمزة يَصِلاَنِهما جميعاً بغير تنوين ، ويقفان عليهما بغير ألف . وكان ابن كثير يَصِل الأول بالتنوين ، ويقف عليه بالألف ، ويَصِلُ الثاني بغير تنوين ، ويقف بغير ألف . وروى حفص عن عاصم أنه كان يقرأ « سلاسل » و « قوارير قوارير » يَصِلُ الثلاثة بغير تنوين ، ويقف على الثلاثة بالألف . وكان أبو عمرو يقرأ الأول « قواريرا » فيقف عليه بالألف ، ويصل بغير تنوين . وقال الزجاج : الاختيار عند النحويين أن لا يصرف « قوارير » لأن كل جمع يأتي بعد ألفه حرفان لا ينصرف . ومن قرأ « قواريرا » يصرف الأول علامة رأس آية ، وترك صرف الثاني لأنه ليس بآخر آية . ومن صرف الثاني : أتبع اللفظ اللفظ ، لأن العرب ربما قلبت إعراب الشيء لتُتْبِعَ اللفظ اللفظ ، كما قالوا : جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ . وإِنما الخَرِبُ مِن نعت الجحر . قوله تعالى : { قدَّروها تقديراً } وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو عمران ، والجحدري ، وابن يعمر « قُدِّروها » برفع القاف ، وكسر الدال ، وتشديدها . وقرأ حميد ، وعمرو بن دينار ، « قَدَرُوها » بفتح القاف ، والدال ، وتخفيفها . ثم في معنى الآية قولان . أحدهما : قَدَّرُوها في أنفسهم ، فجاءت على ما قَدَّرُوا ، قاله الحسن . وقال الزجاج : جعل الإناء على قَدْر ما يحتاجون إليه ويريدونه على تقديرهم . والثاني : قَدَّروها على مقدارٍ لا يزيد ولا ينقص ، قاله مجاهد . وقال غيره : قَدَّر الكأس على قَدْر رِيِّهم ، لا يزيد عن رِيِّهم فيُثْقِلُ الكفَّ ، ولا ينقص منه فيطلب الزيادة ، وهذا ألذُّ الشراب . فعلى هذا القول يكون الضمير في « قدَّروا » للسقاة والخدم . وعلى الأول للشاربين . قوله تعالى : { ويُسْقَوْن فيها } يعني في الجنة { كأساً كان مزاجها زنجبيلا } والعرب تضرب المثل بالزنجبيل ، والخمر ، ممزوجَين . قال المسيَّب بن عَلسَ يصف فم امرأة : @ فَكَأَنَّ طَعْمَ الزَّنْجَبيل بِهِ إذْ ذُقْتَهُ وَسُلاَفَةُ الخَمْرِ @@ وقال آخر : @ كَأَنَّ القَرَنْفُلَ والزَّنْجَبِيـ ل باتا بِفِيها وأرْيَاً مُشَاراً @@ الأَرْي : العسل . والمشار : المستخرج من بيوت ، النحل . قال مجاهد : والزنجبيل : اسم العين التي منها شراب الأبرار ، وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : الزنجبيل معرَّب . وقال الدِّيْنَوَرِي : يَنْبُتُ في أرياف عُمَان ، وهي عروق تسري في الأرض ، وليس بشجرة تؤكل رُطَباً . وأجود ما يحمل من بلاد الصين . قال الزجاج : وجائز أن يكون فيها طعم الزنجبيل ، والكلام فيه كالكلام السابق في الكافور . وقيل : شراب الجنة عل بردِ الكافور ، وطعم الزنجبيل ، وريح المسك . قوله تعالى : { عيناً فيها } قال الزجاج : يسقون عيناً . وسلسبيل : اسم العين ، إلا أنه صرف لأنه رأس آية . وهو في اللغة : صفة لما كان في غاية السلاسة ، فكأن العين وصفت وسميت بصفتها . وقرأتُ على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : قوله تعالى : { تسمى سلسبيلاً } قيل : هو اسم أعجمي نَكِرَة ، فلذلك انصرف . وقيل : هو اسم معرفة ، إلا أنه أُجْرِيَ ، لأنه رأس آية . وعن مجاهد ، قال : حديدة الجرية . وقيل : سلسبيل سلس ماؤها ، مستقيد لهم . وقال ابن الأنباري : السلسبيل صفة للماء . لِسَلَسِهِ وسهولة مدخله في الحلق . يقال : شراب سَلْسَل ، وسَلْسال ، وسَلْسَبِيل . وحكى الماوردي : أن عليّاً قال : المعنى : سَلْ سَبِيلاً إليها ، ولا يصح . قوله تعالى : { ويطوف عليهم ولدان مخلَّدون } قد سبق بيانه [ الواقعة : 17 ] { إذَا رأيتَهم حَسِبْتَهم لؤلؤاً منثوراً } أي : في بَيَاضِ اللؤلؤ وحُسْنِهُ ، واللؤلؤُ إذا نثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظراً . وإنما شُبِّهوا باللؤلؤ المنثور ، لانتشارهم في الخدمة . ولو كانوا صَفْاً لَشَبَّهوه بالمنظوم . { وإذا رأيتَ ثَمَّ } يعني : الجنة { رأيتَ نعيماً } لا يوصف و { مُلكاً كبيراً } أي : عظيماً واسعاً لا يريدون شيئاً إِلا قدَروا عليه ، ولا يدخل عليهم ملَك إلا باستئذان . قوله تعالى : { عَالِيَهُم } قرأ أهل المدينة ، وحمزة ، والمفضل عن عاصم بإسكان الياء ، وكسر الهاء . وقرأ الباقون بفتح الياء ، إلا أن الجعفي ، عن أبي بكر قرأ « عَالِيَتُهُم » بزيادة تاء مضمومة . وقرأ أنس بن مالك ، ومجاهد ، وقتادة ، « عَلَيْهِم » بفتح اللام ، وإسكان الياء من غير تاءٍ ، ولا ألف . قال الزجاج : فأما تفسير إعراب « عالِيْهم » بإسكان الياء ، فيكون رفعه بالابتداء . ويكون الخبر { ثيابُ سُنْدُسٍ } وأما « عَالِيَهم » بفتح الياء فنصبه على الحال من شيئين ، أحدهما من الهاء والميم . والمعنى : يطوف على الأبرار وِلْدَانٌ مُخَلَّدُون عَالِيَاً للأبرار ثيابُ سندس ، لأنه وصف أحوالهم في الجنة ، فيكون المعنى : يطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء . ويجوز أن يكون حالاً من الوِلْدان . المعنى إذا رأيتَهم حَسِبْتَهم لؤلؤاً منثوراً في حال عُلُوِّ الثياب . وأما « عَالِيَتُهُم » فقد قرئت بالرفع وبالنصب . وهما وجهان جَيِّدان في العربية ، إلا أنهما يخالفان المصحف . فلا أرى القراءة بهما ، وتفسيرها كتفسير « عاليهم » . قوله تعالى : { ثيابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ } قرأ ابن عامر ، وأبو عمرو ، « خضر » رفعا « وإِسْتَبْرقٍ » خفضاً . وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم « خُضْرٍ » خفضاً « وإستبرقٌ » رفعا . وقرأ نافع ، وحفص عن عاصم « خُضْرٌ وإستبرقٌ » كلاهما بالرفع . وقرأ حمزة ، والكسائي ، « خضْرٍ وإسْتَبْرقٍ » كلاهما بالخفض . قال الزجاج : من قرأ « خُضْرٌ » بالرفع فهو نعت الثياب ، ولفظ الثياب لفظ الجمع . ومن قرأ « خُضْرٍ » فهو من نعت السندس ، والسندسُ في المعنى راجع إلى الثياب . ومن قرأ « وإستَبْرَقٌ » فهو نسق على « ثيابٌ » المعنى : وعليهم إستبرق . ومن خفض ، عطفه على السندس ، فيكون المعنى : عليهم ثياب من هذين النوعين وقد بَيّنَّا في [ الكهف : 31 ] معنى السندس ، والإستبرق ، والأساور . قوله تعالى : { وسقاهم رَبُّهم شراباً طهوراً } فيه قولان . أحدهما : لا يُحْدِثون ولا يَبُولُون عن شُرْب خَمْر الجَنَّة ، قاله عطية . والثاني : لأن خمر الجنة طاهرةٌ ، وليست بنجسةٍ كخمرِ الدنيا ، قاله الفراء . وقال أبو قلابة : يُؤْتَوْنَ بعد الطَعام بالشَّرابِ الطَّهورِ فيشربون فَتَضْمُر بذلك بُطونُهم ، ويفيض من جلودهم عَرقٌ مثل ريح المسك . قوله تعالى : { إنَّ هذا } يعني : ما وصف من نعيم الجنة { كان لكم جزاءً } بأعمالكم { وكان سعيُكم } أَي : عملكم في الدنيا بطاعته { مشكوراً } قال عطاء : يريد شكرتُكم عليه ، وأَثَبْتُكم أفضل الثواب { إنَّا نحن نزَّلنا عليك القرآن تنزيلاً } أي : فضَّلناه في الإنزال ، فلم نُنْزِلْه جُمْلَةً واحدةً { فاصبر لحكم ربك } وقد سبق بيانه في مواضع [ الطور : 48 ، والقلم : 48 ] . والمفسرون يقولون : هذا منسوخ بآية السيف ، ولا يصح ، { ولا تُطِعْ منهم } أي : من مشركي أهل مكة { آثماً أو كفوراً } « أو » بمعنى : الواو ، كقوله تعالى : { أو الحوايا } [ الأنعام : 146 ] وقد سبق هذا وللمفسرين في المراد بالآثم والكفور ثلاثة أقوال . أحدها : أنهما صفتان لأبي جهل . والثاني : أن الآثم : عتبة بن ربيعة ، والكفور : الوليد بن المغيرة . والثالث : الآثم : الوليد . والكَفُور : عتبة . وذلك أنهما قالا له : ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتزويج . { واذكر اسم رَبِّكَ } أي : اذكره بالتوحيد في الصلاة { بُكْرَةً } يعني : الفجر { وأصيلاً } يعني : العصر . وبعضهم يقول : صلاة الظهر والعصر { ومن الليل فاسْجُدْ له } يعني : المغرب والعشاء . وسَبِّحهُ { ليلاً طويلاً } وهي : صلاة الليل ، كانت فريضة عليه ، وهي لأُمَّتِهِ تَطَوُّع { إن هؤلاء } يعني : كفَّار مكة { يحبُّون العاجلة } أي : الدار العاجلة ، وهي : الدنيا { ويَذَرُون وراءهم } أي : أمامهم { يوماً ثقيلاً } أي : عسيراً شديداً . والمعنى : أنهم يتركون الإيمان به ، والعمل له . ثم ذكر قدرتَه ، فقال تعالى : { نحن خلقناهم وشَدَدَنا أسرهم } أي : خَلْقهم ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج . قال ابن قتيبة : يقال امرأة حَسَنَةُ الأسر . أي : حَسَنَةُ الخَلْقِ ، كأنها أُسِرتْ ، أي : شُدَّتْ . وأصل هذا من الإسار ، وهو : القِدُّ . [ الذي تشد به الأقتاب ] يقال : ما أحسن ما أَسَر قَتَبَهُ ، أي : ما أحسن ما شَدَّه [ بالقِدِّ ] . وروي عن أبي هريرة قال : مفاصلهم . وعن الحسن قال : أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب { وإذا شئنا بّدَّلنا أمثالهم } أي : إن شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم ، فجعلناهم بدلاً منهم { إنَّ هذه تذكرة } قد شرحنا الآية في [ المزمل : 19 ] . قوله تعالى : { وما تشاؤون } إيجاد السبيل { إلا أن يشاء الله } ذلك لكم . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، « وما يشاؤون » بالياء . قوله تعالى : { يُدْخِلُ مَنْ يشاء في رحمته } قال المفسرون : الرحمة : هاهنا الجنة { والظالمين } المشركون . قال أبو عبيدة : نصب « الظالمين » بالجوار . المعنى : ولا يُدخل الظالمين في رحمته . وقال الزجاج : إنما نصب « الظالمين » ، لأنَّ قبله منصوباً . المعنى : يُدخل من يشاء في رحمته ، ويعذب الظالمين . ويكون قوله تعالى : { أعدَّ لهم } تفسيراً لهذا المضمر ، وقرأ أبو العالية ، وأبو الجوزاء ، وابن أبي عبلة ، « والظالمون » رفعاً .