Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 1-50)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { والمرسلات عُرْفاً } فيه أربعة أقوال . أحدها : أنها الرياح يَتْبَعُ بعضُها بعضاً ، رواه أبو العُبَيْدَينِ ، عن ابن مسعود ، والعوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وقتادة . والثاني : أنها الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه ، رواه مسروق عن ابن مسعود ، وبه قال أبو هريرة ، ومقاتل . وقال الفراء : هي الملائكة . فأما قوله تعالى : « عُرْفاً » فيقال : أُرْسِلتْ بالمعروف ، ويقال : تَتَابَعَتْ كعُرْفِ الفَرَسِ . والعرب تقول : يركب الناس إلى فلان عُرْفاً واحداً : إِذا توجهوا إليه فأكثروا . قال ابن قتيبة : يريد أن الملائكة متتابعة بما ترسَل به . وأصله من عُرْف الفَرَسِ ، لأنه سطر مستوٍ بعضه في إِثر بعض ، فاستعير للقوم يتبع بعضُهم بعضاً . والثالث : أنهم الرسل بما يعرفون به من المعجزات ، وهذا معنى قول أبي صالح ، ذكره الزجاج . والرابع : الملائكة والريح ، قاله أبو عبيدة . قال : ومعنى « عُرْفاً » : يتبع بعضها بعضاً . يقال : جاؤوني عُرْفاً . وفي { العاصفات } قولان . أحدهما : أنها الرياح الشديدة الهبوب ، قاله الجمهور . والثاني : الملائكة ، قاله مسلم بن صبيح . قال الزجاج : تعصف بروح الكافر . وفي « الناشرات » خمسة أقوال . أحدها : أنها الرياح تنشر السحاب ، قاله ابن مسعود ، والجمهور . والثاني : الملائكة تنشر الكتب ، قاله أبو صالح . والثالث : الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد ، قاله الضحاك . والرابع : البعث للقيامة تنشر فيه الأرواح ، قاله الربيع . والخامس : المطر ينشر النبات ، حكاه الماوردي . وفي « الفارقات » أربعة أقوال . أحدها : الملائكة تأتي بما يفرِّق بين الحق والباطل ، قاله الأكثرون . والثاني : آي القرآن فَرَّقَتْ بين الحلال والحرام ، قاله الحسن ، وقتادة ، وابن كيسان . والثالث : الريح تفرّق بين السحاب فتبدِّدُه ، قاله مجاهد . والرابع : الرسل ، حكاه الزجاج . { فالملقيات ذكراً } قولان . أحدهما : الملائكة تلقي ما حملت من الوحي إلى الأنبياء ، وهذا مذهب ابن عباس ، وقتادة ، والجمهور . والثاني : الرسل يلقون ما أُنزل عليهم إلى الأمم ، قاله قطرب . قوله تعالى : { عُذْراً أو نُذْراً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم « عُذْراً » خفيفاً « أو نُذُراً » مثقلاً . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف « عُذْراً أو نُذْراً » خفيفتان . قال الفراء : وهو مصدر ، مثقَّلاً كان أو مخفّفاً . ونصبه على معنى : أُرسلتُ بما أرسلتُ به إِعذاراً من الله وإنذاراً . وقال الزجاج : المعنى : فالملقياتِ عُذراً أو نُذراً . ويجوز أن يكون المعنى : فالملقيات ذكراً للإعذار والإنذار . وهذه المذكورات مجرورات بالقسم . وجواب القسم { إنَّما تُوعَدُون لواقع } قال المفسرون : إنَّ ما توعَدون به من أمر الساعة ، والبعث ، والجزاء لَواقِعٌ ، أي : لكائن . ثم ذكر متى يقع فقال تعالى : { فإذا النجوم طُمست } أي : مُحِيَ نُورُها { وإذا السماءُ فُرِجَتْ } أي : شُقَّتْ { وإذا الجبال نُسِفَتْ } قال الزجاج : أي : ذُهِبَ بها كلُّها بسرعة . يقال : انتسفتُ الشيء : إذا أخذتَه بسرعة . قوله تعالى : { وإذا الرسل أُقِّتَتْ } قرأ أبو عمر « وُقِّتَتْ » بواو مع تشديد القاف . ووافقه أبو جعفر ، إلا أنه خَفَّفَ القاف . وقرأ الباقون : « أُقِّتت » بألف مكان الواو مع تشديد القاف . قال الزجاج : وُقِّتَتْ وأُقِّتَتْ بمعنى واحد . فمن قرأ « أُقِّتت » بالهمز ، فإنه أبدل الهمزة من الواو لانضمام الواو . وكل واو انضمت ، وكانت ضمتها لازمة ، جاز أن تبدل منها همزة . وقال الفراء : الواو إذا كانت أول حرف ، وضُمَّتْ ، همزت . تقول : صلى القوم أُحداناً . وهذه أُجوهٌ حسان . ومعنى « أُقِّتت » : جمعت لوقتها يوم القيامة . وقال ابن قتيبة : جمعت لوقت ، وهو يوم القيامة . وقال الزجاج : جعل لها وقت واحد لفصل القضاء بين الأمة . قوله تعالى : { لأي يوم أُجِّلَتْ } أي : أُخِّرَتْ . وضَرْبُ الأجل لجمعهم ، يعجِّب العباد من هول ذلك اليوم ، ثم بَيَّنه فقال تعالى : { ليوم الفصل } وهو يوم يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق . ثم عَظَّم ذلك اليوم بقوله : { وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين } بالبعث . ثم أخبر الله تعالى عما فعل بالأمم المكذِّبة ، فقال : { ألم نُهْلِكِ الأوَّلين } يعني بالعذاب في الدنيا حين كذَّبوا رسلهم { ثم نُتْبِعُهم الآخِرين } والقراء على رفع العين في « نتبعُهم » ، وقد قرأ قوم منهم أبو حيوة بإسكان العين . قال الفراء : « نتبعهم » مرفوعة . ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود « وسنتبعهم الآخرين » . ولو جزمتَ على معنى : ألم نقدر على إهلاك الأولين وإتباعهم الآخرين كان وجهاً جيداً ، وقال الزجاج : الجزم عطف على « نُهْلكْ » ، ويكون المعنى : لمن أُهلك أولاً وآخراً . والرفع على معنى : ثم نتبِع الأول الآخر من كل مجرم . وقال مقاتل : ثم نتبعهم الآخرين : يعني : كفار مكة حين كذَّبوا بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقال ابن جرير : الأوَّلون : قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، والآخرون : قوم إبراهيم ، ولوط ، ومَدْيَن . قوله تعالى : { كذلك } أي : مثل ذلك { نفعل بالمجرمين } يعني : المكذِّبين . فإن قيل : ما الفائدة في تكرار قوله تعالى { ويل يومئذ للمكذبين } ؟ فالجواب : أنه أراد بكل آية منها غير ما أراد بالأخرى ، لأنه كلما ذكر شيئاً قال : { ويل يومئذ للمكذبين } بهذا . قوله تعالى : { ألم نخلقكم } قرأ قالون عن نافع بإظهار القاف . وقرأ الباقون بإدغامها . قوله تعالى { من ماءٍ مهينٍ } أي : ضعيف { فجعلناه في قرارٍ مكين } يعني : الرحم { إلى قََدرٍ معلومٍ } وهو مدة الحمل { فَقَدَرْنا } قرأ أهل المدينة ، والكسائي « فَقَدَّرْنَا » بالتشديد . وقرأ الباقون : بالتخفيف . وهل بينهما فرق ؟ فيه قولان . أحدهما : أنهما لغتنان بمعنى واحد . قال الفراء : تقول العرب : قَدَر عليه ، وقَدَّر عليه . وقد احتج من قرأ بالتخفيف فقال : لو كانت مشددة لقال : فنعم المقدِّرون ، فأجاب الفراء فقال : قد تجمع العرب بين اللغتين كقوله تعالى : { فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } [ الطارق : 17 ] قال الشاعر : @ وَأَنْكَرَتْني وَمَا كانَ الَّذي نَكِرَتْ مِنَ الحَوادِثِ إِلا الشَّيْبَ والصَّلَعَا @@ يقول : ما أنكرت إلا ما يكون في الناس . والثاني : أن المخفَّفة من القُدْرَة والملك ، والمشدَّدة من التقدير والقضاء . ثم بيَّن لهم صنعه ليعتبروا فيوحِّدوه ، فقال تعالى : { ألم نجعل الأرض كِفَاتاً } قال اللغويون : الكفت في اللغة : الضم . والمعنى : أنها تضم أهلها أحياءً على ظهرها ، وأمواتاً في بطنها . قال ابن قتيبة : يقال : اكفتْ هذا إليك ، أي : ضمه . وكانوا يسمون بقيع الغرقد : كفتة ، لأنه مقبرة يضم الموتى . وفي قوله تعالى { أحياءً وأمواتاً } قولان . أحدهما : أن المعنى : تكفتهم أحياءً وأمواتاً ، قاله الجمهور . قال الفراء : وانتصب الأحياء والأموات بوقوع الكفات عليهم ، كأنك قلت : ألم نجعل الأرض كفاتَ أحياءٍ وأمواتٍ ، فإذا نَوَّنْتَ نصبتَ كما يقرأ { أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة يتيماً } [ البلد : 14 ] . وقال الأخفش انتصب على الحال . والقول الثاني : أن المعنى : ألم نجعل الأرض أحياءً بالنبات والعمارة ، وأمواتاً بالخراب واليبس ، هذا قول ، مجاهد ، وأبي عبيدة . قوله تعالى { وجعلنا فيها رواسي } قد سبق بيانه { شامخات } أي : عاليات : { وأسقيناكم } قد سبق معنى « أسقينا » ، [ الحجر : 22 : والجن : 16 ] ومعنى « الفرات » [ الفرقان : 53 ، وفاطر : 12 ] والمعنى : أن هذه الأشياء أعجب من البعث . ثم ذكر ما يقال لهم في الآخرة : { إنطلقوا إلى ما كنتم به تكذِّبون } في الدنيا ، وهو النار ، { انطلقوا إلى ظلٍّ } قرأ الجمهور هذه الثانية بكسر اللام على الأمر . وقرأ أُبَيُّ بن كعب ، وأبو عمران ، ورويس عن يعقوب بفتح اللام على الخبر بالفعل الماضي . قال ابن قتيبة و « الظل » هاهنا : ظل من دخان نار جهنم سطع ، ثم افترق ثلاث فرق ، وكذلك شأن الدُّخان العظيم إذا ارتفع أن يتشعب ، فيقال لهم : كونوا فيه إِلى أن يفرغ من الحساب ، كما يكون أولياء الله في ظل عرشه ، أو حيث شاء من الظل ، ثم يُؤْمَرُ بكل فريق إلى مستقرِّه من الجنة والنار { لا ظليل } أي : لا يظلكم من حرِّ هذا اليوم بل يدنيكم من لهب النار إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس . قال مجاهد : تكون شعبة فوق الإِنسان ، وشعبة عن يمينه ، وشعبة عن شماله ، فتحيط به . وقال الضحاك : الشعب الثلاث : هي الضَّريع ، والزَّقوم ، والغِسْلين . فعلى هذا القول يكون هذا بعد دخول النار . قوله تعالى : { ولا يغني من اللَّهَب } أي : لا يدفع عنكم لَهَبَ جهنم . ثم وصف النار فقال تعالى : { إنها تَرْمي بِشَرَرٍ } ، وهو جمع شررة ، وهو ما يتطاير من النار متفرقاً { كالقَصْر } قرأ الجمهور بإسكان الصاد على أنه واحد القصور المبنيَّة . وهذا المعنى في رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وهو قول الجمهور . وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، ومجاهد ، وأبو الجوزاء ، « كالقَصَر » بفتح الصاد . وفي أفراد البخاري من حديث ابن عباس قال : كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل فنرفعه للشتاء ، فنسميه : القصر . قال ابن قتيبة : من فتح الصاد أراد : أُصول النخل المقطوعة المقلوعة . قال الزجاج : أراد أعناق الإبل . وقرأ سعد ابن أبي وقاص ، وعائشة ، وعكرمة ، وأبو مجلز ، وأبو المتوكل ، وابن يعمر « كالقَصِر » بفتح القاف ، وكسر الصاد . وقرأ ابن مسعود ، وأبو هريرة ، والنخعي ، « كالقُصُر » برفع القاف والصاد جميعاً . وقرأ أبو الدرداء ، وسعيد بن جبير « كالقِصَر » بكسر القاف ، وفتح الصاد ، وقرأ أبو العالية ، وأبو عمران ، وأبو نُهيك ، ومعاذ القارىء ، « كالقُصْر » بضم القاف وإسكان الصاد . قوله تعالى : { كأنه جِمَالاَتٌ } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم « جِمالاَتٌ » بألف . وكسر الجيم . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم « جِمَالَةُ » على التوحيد . وقرأ رويس عن يعقوب « جُمَالاَت » بضم الجيم . وقرأ أبو رزين ، وحميد ، وأبو حيوة ، « جُمَالة » برفع الجيم على التوحيد . قال الزجاج : من قرأ « جِمالات » بالكسر ، فهو جمع جِمَال ، كما تقول : بُيوت ، وبُيوتَات ، وهو جمع الجمع ، فالمعنى : كأن الشرارات كالجمالات . ومن قرأ { جُمالات } بالضم ، فهو جمع « جمالة » ومن قرأ « جِمالةً » فهو جمع جَمَل وجِمالة ، كما قيل : حَجر ، وحِجَارة ، وذَكَر ، وذِكَارَة ، وقرئت « جُمالة » على ما فسرناه في جُمالات بالضم . و « الصُّفْر » هاهنا : السود . يقال للإبل التي هي سود تضرب إلى الصفرة : إِبل صُفْرٌ . وقال الفراء : الصُّفْر : سود الإبل لا يُرى الأسود من الإبل إلا وهو مُشْرَبٌ صُفْرَةً ، فلذلك سَمَّتْ العرب سود الإبل : صُفْراً ، كما سَمَّوا الظباء : أدماً لما يعلوها من الظلمة في بياضها . قوله تعالى : { هذا يومُ لا ينطقون } قال المفسرون : هذا في بعض مواقف القيامة . قال عكرمة : تكلَّموا واختصموا ، ثم ختم على أفواههم ، فتكلَّمت أيديهم ، وأرجلهم ، فحينئذ لا ينطقون بحجة تَنْفَعُهم . وقرأ أبو رجاء ، والقاسم ابن محمد والأعمش ، وابن أبي عبلة « هذا يومَ لا ينطقون » بنصب الميم . قوله تعالى : { هذا يوم الفصل } أي : بين أهل الجنة وأهل النار { جمعناكم } يعني : مكذِّبي هذه الأمة و { الأوَّلين } من المكذِّبين الذين كذَّبوا أنبياءَهم { فإن كان لكم كيد فكيدونِ } أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب ، أي : إن قَدَرْتُم على حيلة ، فاحتالوا لأنفسكم . ثم ذكر ما للمؤمنين ، فقال تعالى : { إن المتَّقين في ظِلال } يعني : ظلال الشجر ، وظلال أكنان القصور { وعيون } الماء ، وهذا قد تقدَّم بيانه ، إلى قوله تعالى { كلوا } أي : ويقال لهم : كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون في الدنيا بطاعة الله . ثم قال لكفار مكة : { كلوا وتمتعوا قليلاً } في الدنيا إِلى منتهى آجالكم { إِنكم مجرمون } أي : مشركون بالله . قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اركعوا } فيه قولان . أحدهما : أنه حين يُدْعَون إلى السجود يوم القيامة ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : أنه في الدنيا كانوا إذا قيل لهم : اركعوا ، أي صلوا { لا يركعون } أي : لا يصلُّون . وإلى نحو هذا ذهب مجاهد في آخرين ، وهو الأصح . وقيل نزلت : في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة ، فقالوا : لا نحني ، فإنها مَسَبَّةٌ علينا ، فقال : لا خير في دين ليس فيه ركوع . قوله تعالى : { فبأي حديث بعده يؤمنون } أي : إن لم يصدِّقوا بهذا القرآن ، فبأيِّ كتاب بعده يصدِّقون ، ولا كتاب بعده : !