Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 82, Ayat: 1-19)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إذا السماء انفطرت } انفطارها : انشقاقها . و { انتثرت } بمعنى تساقطت . و { فجرت } بمعنى فُتح بعضها في بعض فصارت بحراً واحداً . وقال الحسن : ذهب ماؤها ، و { بُعْثِرَتْ } بمعنى أثيرت . قال ابن قتيبة : قُلِبَتْ فأُخْرِج ما فيها . يقال بَعْثَرْتُ المتاع وبَحْثَرْتُه : إذا جعلتَ أسفله أعلاه . قوله تعالى : { علمت نفس ما قدَّمت وأخَّرت } هذا جواب الكلام . وقد شرحناه في قوله تعالى { يُنَبَّأُ الإنسان يومئذ بما قدَّم وأخَّر } [ القيامة : 13 ] . قوله تعالى : { يا أيها الإنسان } فيه أربعة أقوال . أحدها : أنه عُنِيَ به أبو الأشدين ، وكان كافراً ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . وقد ذكرنا اسمه في [ المدثر : 30 ] . والثاني : أنه الوليد بن المغيرة ، قاله عطاء . والثالث : أُبيّ بن خلف ، قاله عكرمة . والرابع : أنه أشار الى كل كافر ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { ما غَرَّكَ } قال الزجاج : أي : ما خَدَعك وسوَّلَ لك حتى أضعتَ ما وجب عليك ؟ . وقال غيره : المعنى : ما الذي أمَّنك من عقابه وهو كريم متجاوز إذْ لم يعاقبك عاجلاً ؟ وقيل للفضيل بن عياض : لو أقامك الله سبحانه يوم القيامة ، وقال : ما غرَّك بربك الكريم ، ماذا كنت تقول ؟ قال : أقول : غرني سُتورك المرخاة . وقال يحيى بن معاذ : لو قال لي : ما غرك بي ؟ قلت : بِرُّك سالفاً وآنفاً . قيل : لما ذكر الصفة التي هي الكرم هاهنا دون سائر صفاته ، كان كأنه لقَّن عبده الجواب ، ليقول : غَرَّني كرم الكريم . قوله تعالى : { الذي خلقك } ولم تك شيئاً { فسوَّاك } إنساناً تسمع وتبصر { فَعَدلك } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر « فعدَّلك » بالتشديد . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي « فَعَدَلك » بالتخفيف . قال الفراء : من قرأ بالتخفيف ، فوجهه والله أعلم فصوَّرك إلى أي صورة شاء ، إما حَسَن ، وإما قبيح ، وإما طويل ، وإما قصير . وقيل : في صورة أب ، في صورة عم ، في صورة بعض القرابات تشبيها . ومن قرأ بالتشديد ، فإنه أراد والله أعلم - : جعلك معتدلاً ، معدَّل الخلقة . وقال غيره : عدَّل أعضاءك فلم تفضل يد على يد ، ولا رِجل على رجل ، وعدل بك أن يجعلك حيواناً بهيماً . قوله تعالى : { في أي صورة ما شاء ركَّبك } قال الزجاج : يجوز أن تكون « ما » زائدة . ويجوز أن تكون بمعنى الشرط والجزاء ، فيكون المعنى : في أي صورة ما شاء أن يركِّبك فيها ركبك . وفي معنى الآية أربعة أقوال . أحدها : في أي صورة من صور القرابات ركَّبك ، وهو معنى قول مجاهد . والثاني : في أي صورة ، من حسن ، أو قبح ، أو طول ، أو قصر ، أو ذَكَر ، أو أنثى ، وهو معنى قول الفراء . والثالث : إن شاء أن يركِّبك في غير صورة الإنسان ركبك ، قاله مقاتل . وقال عكرمة : إن شاء في صورة قرد ، وإن شاء في صورة خنزير . والرابع : إن شاء في صورة إنسان بأفعال الخير . وإن شاء في صورة حمار بالبلادة والبله ، وإن شاء في صورة كلب بالبخل ، أو خنزير بالشره ، ذكره الثعلبي . قوله تعالى : { بل تكذِّبون بالدِّين } وقرأ أبو جعفر « بالياء » أي : بالجزاء والحساب ، تزعمون أنه غير كائن . ثم أعلمهم أن أعمالهم محفوظة ، فقال تعالى { وإن عليكم لحافظين } أي : من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم { كراماً } على ربِّهم { كاتبين } يكتبون أعمالكم { يعلمون ما تفعلون } من خير وشر ، فيكتبونه عليكم . قوله تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم } وذلك في الآخرة إذا دخلوا الجنة { وإن الفجار } وفيهم قولان . أحدهما : أنهم المشركون . والثاني : الظَّلَمة . ونقل عن سليمان بن عبد الملك أنه قال لأبي حازم : يا ليت شعري ما لنا عند الله ؟ فقال له : اعرض عملك على كتاب الله ، فإنك تعلم ما لك عنده ، فقال : وأين أجده ؟ قال : عند قوله تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم ، وإن الفجار لفي جحيم } قال سليمان : فأين رحمة الله ؟ قال : قريب من المحسنين . قوله تعالى : { يصلونها } يعني : يدخلون الجحيم مقاسين حرَّها { يوم الدِّين } أي : يوم الجزاء على الأعمال { وما هم عنها } أي : عن الجحيم { بغائبين } وهذا يدل على تخليد الكفار . وأجاز بعض العلماء أن تكون « عنها » كناية عن القيامة ، فتكون فائدة الكلام تحقيق البعث . ويشتمل هذا على الأبرار والفجار . ثم عظَّم ذلك اليوم بقوله تعالى : { وما أدراك ما يوم الدِّين } ثم كرَّر ذلك تفخيماً لشأنه ، وكان ابن السائب يقول : الخطاب بهذا للإنسان الكافر ، لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : { يوم لا تملك نفس لنفس } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو « يوم » بالرفع والباقون بالفتح . قال الزجاج : من رفع « اليوم » ، فعلى أنه صفة لقوله تعالى : « يوم الدين » . ويجوز أن يكون رفعه بإضمار « هو » ، ونصبه على معنى : هذه الأشياء المذكورة تكون { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً } قال المفسرون : ومعنى الآية أنه لا يملك الأمرَ أحدٌ إلا الله ، ولم يملِّك أحداً من الخلق شيئاً كما ملَّكهم في الدنيا . وكان مقاتل يقول : لا تملك نفس لنفسٍ كافرةٍ شيئاً من المنفعة . والقول على الإطلاق أصح ، لأن مقاتلاً فيما أحسب خاف نفي شفاعة المؤمنين . والشفاعة إنما تكون عن أمر الله وتمليكه .