Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 85, Ayat: 1-22)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { والسماء ذات البروج } قد ذكرنا البروج في [ الحجر : 16 ] { واليوم الموعود } هو يوم القيامة بإجماعهم { وشاهدٍ ومشهود } فيه أربعة وعشرون قولاً . أحدها : أن الشاهد ، يوم الجمعة ، والمشهود . يوم عرفة ، رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قال علي ، وابن عباس في رواية ، وابن زيد . فعلى هذا سمي يومُ الجمعة شاهداً ، لأنه يشهد على كل عامل بما فيه ، وسمي يومُ عرفة مشهوداً ، لأن الناس يشهدون فيه موسم الحج ، وتشهده الملائكة . والثاني : أن الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم النحر ، قاله ابن عمر . والثالث : أن الشاهد : الله عز وجل ، والمشهود : يوم القيامة ، رواه الوالبي عن ابن عباس . والرابع : أن الشاهد : يوم عرفة ، والمشهود : يوم القيامة ، رواه مجاهد عن ابن عباس . والخامس : أن الشاهد : محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود : يوم القيامة ، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس ، وبه قال الحسن بن علي . والسادس : أن الشاهد : يوم القيامة ، والمشهود : الناس ، قاله جابر بن عبد الله . والسابع : أن الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم القيامة ، قاله الضحاك . والثامن : أن الشاهد : يوم التروية ، والمشهود : يوم عرفة ، قاله سعيد بن المسيب . والتاسع : أن الشاهد : هو الله ، والمشهود : بنو آدم ، قاله سعيد بن جبير . والعاشر : أن الشاهد : محمد ، والمشهود : يوم عرفة ، قاله الضحاك . والحادي عشر : أن الشاهد : آدم عليه السلام ، والمشهود : يوم القيامة ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد . والثاني عشر : أن الشاهد ، ابن آدم ، والمشهود : يوم القيامة ، رواه ليث عن مجاهد ، وبه قال عكرمة . الثالث عشر : أن الشاهد : آدم عليه السلام ، وذريته ، والمشهود يوم القيامة ، قاله عطاء بن يسار . والرابع عشر : أن الشاهد : الإنسان ، والمشهود : الله عز وجل ، قاله محمد بن كعب . والخامس عشر : أن الشاهد : يوم النحر ، والمشهود : يوم عرفة ، قاله إبراهيم . والسادس عشر : أن الشاهد : عيسى عليه السلام ، والمشهود ، أمته ، قاله أبو مالك . ودليله قوله تعالى : { وكنتُ عليهم شهيداً } [ المائدة : 117 ] . والسابع عشر : أن الشاهد : محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود : أمته ، قاله عبد العزيز بن يحيى ، وبيانه { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء : 41 ] . والثامن عشر : أن الشاهد : هذه الأمة ، والمشهود : سائر الناس ، قاله الحسين بن الفضل ، ودليله { لتكونوا شهداء على الناس } [ البقرة : 143 ] . والتاسع عشر : أن الشاهد : الحفظة ، والمشهود : بنو آدم ، قاله محمد بن علي الترمذي ، وحكي عن عكرمة نحوه . والعشرون : أن الشاهد : الحق ، والمشهود : الكون ، قاله الجنيد . والحادي والعشرون : أن الشاهد ، الحجر الأسود ، والمشهود : الحاج . والثاني والعشرون : أن الشاهد : الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والمشهود : محمد صلى الله عليه وسلم ، وبيانه { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين … } الآية [ آل عمران : 81 ] . والثالث والعشرون : أن الشاهد : الله عز وجل ، والملائكة ، وأولو العلم ، والمشهود : لا إله إلا الله ، وبيانه { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم } [ آل عمران : 18 ] ، حكى هذه الأقوال الثلاثة الثعلبي . والرابع والعشرون : أن الشاهد : الأنبياء عليهم السلام ، والمشهود : الأمم ، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله . وفي جواب القسم ثلاثة أقوال . أحدها : أنه قوله تعالى : { إنَّ بطش ربك لشديد } قاله قتادة ، والزجاج . والثاني : أنه قوله تعالى : { قُتِلَ أصحاب الأُخدود } ، كما أن القسم في قوله تعالى : { والشمس وضحاها } { قد أفلح } ، حكاه الفراء . والثالث : أنه متروك ، وهذا اختيار ابن جرير . قوله تعالى : { قُتِلَ أصحابُ الأُخدود } أي : لُعِنُوا . والأخدود : شق يشق في الأرض ، والجمع : أخاديد . وهؤلاء قوم حفروا حفائر في الأرض وأوقدوا فيها النار ، وألقَوا فيها من لم يكفر . واختلف العلماء فيهم على ستة أقوال . أحدها : أنه مَلِكٌ كان له ساحر فبعث إليه غلاماً يعلِّمه السحر ، وكان الغلام يمرُّ على راهب ، فأعجبه أمره ، فتبعه ، فعلم به المَلِك ، فأمره أن يرجع عن دينه ، فقال : لا أفعل ، فاجتهد الملك في إهلاكه ، فلم يقدر ، فقال الغلام : لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به . اجمع الناس في صعيد واحد ، واصلبني على جذع ، وارمني بسهم من كنانتي ، وقل : بسم الله ربِّ الغلام ، ففعل ، فمات الغلام ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، فخدَّ الأخاديد ، وأضرم فيها النار ، وقال : من لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها ، ففعلوا ، وهذا مختصر الحديث ، وفيه طول ، وقد ذكرته في « المغني » و « الحدائق » بطوله من حديث صهيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : أن ملكاً من الملوك سكر ، فوقع على أخته ، فلما أفاق قال لها : ويحك : كيف المخرج ؟ فقالت له : اجمع أهل مملكتك فأخبرهم أن الله عز وجل قد أَحَلَّ نكاح الأخوات ، فإذا ذهب هذا في الناس وتناسَوه ، خطبتَهم فحرَّمته . ففعل ذلك ، فأبوا أن يقبلوا ذلك منه ، فبسط فيهم السوط ، ثم جرَّد السيف ، فأبَوْا فخدَّ لهم أخدودا ، وأوقد فيه النار ، وقذف من أبى قبول ذلك ، قاله علي بن طالب . والثالث : أنهم ناس اقتتل مؤمنوهم وكفارهم ، فظهر المؤمنون ، ثم تعاهدوا أن لا يَغدِر بعضهم ببعض ، فغَدَر كفارهم ، فأخذوهم ، فقال له رجل من المؤمنين : أوقدوا ناراً ، واعرضوا عليها ، فمن تابعكم على دينكم ، فذاك الذي تحبون ، ومن لم يتبعكم أُقحم النار فاسترحتم منه ، ففعلوا ، فجعل المسلمون يقتحمونها ، ذكره قتادة . والرابع : أن قوماً من المؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة ، فأرسل إليهم جبَّار من عبدة الأوثان ، فعرض عليهم الدخول في دينه فأَبَوْا ، فخدَّلهم أخدودا ، وألقاهم فيه ، قاله الربيع بن أنس . والخامس : أن جماعة آمنوا من قوم يوسف بن ذي نواس بعدما رفع عيسى ، فخدَّلهم أُخدوداً ، وأوقد فيه النار ، فأحرقهم كلهم ، فأنزل الله تعالى : « قُتل أصحاب الأخدود » وهم : يوسف بن ذي نواس وأصحابه ، قاله مقاتل . والسادس : أنهم قوم كانوا يعبدون صنماً ، ومعهم قوم يكتمون إيمانهم ، فعلموا بهم ، فخدُّوا لهم أُخدوداً ، وقذفوهم فيه ، حكاه الزجاج . واختلفوا في الذين أُحرقوا على خمسة أقوال . أحدها : أنهم كانوا من الحبشة ، قاله علي كرم الله وجهه . والثاني : من بني إسرائيل ، قاله ابن عباس . والثالث : من أهل اليمن ، قاله الحسن . وقال الضحاك : كانوا من نصارى اليمن ، وذلك قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة . والرابع : من أهل نجران ، قاله مجاهد . والخامس : من النبط ، قاله عكرمة . وفي عددهم ثلاثة أقوال . أحدها : اثنا عشر ألفاً ، قاله وهب . والثاني : سبعون ألفاً ، قاله ابن السائب . والثالث : ثمانون رجلاً ، وتسعة نسوة ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { النَّارِ ذاتِ الوقُود } هذا بدل من « الأخدود » كأنه قال : قتل أصحاب النار ، و « الوقود » مفسر في [ البقرة : 24 ] . وقرأ أبو رزين العقيلي ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة « الوُقُود » بضم الواو { إذ هم عليها قعود } أي : عند النار . وكان الملك وأصحابه جلوساً على الكراسي عند الأخدود يعرضون المؤمنين على الكفر ، فمن أبى ألْقَوْه { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } أي : حضور ، فأخبر الله عز وجل في هذه الآيات بقصة قوم بلغ من إيمانهم ويقينهم أن صبروا على التحريق بالنار ، ولم يرجعوا عن دينهم . قوله تعالى : { وما نقموا منهم } قرأ ابن أبي عبلة « نقِموا » بكسر القاف . قال الزجاج : { أي } ما أنكروا عليهم إيمانهم . وقد شرحنا معنى « نقموا » في [ المائدة : 59 ] و [ براءة : 74 ] وشرحنا معنى « العزيز الحميد » في [ البقرة : 129 ، 267 ] . قوله تعالى : { والله على كل شيء شهيد } أي : لم يَخْفَ عليه ما صنعوا ، فهو شهيد عليهم بما فعلوا . قوله تعالى : { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } أي : أحرقوهم ، وعذَّبوهم . كقوله تعالى : { يوم هم على النار يفتنون } [ الذاريات : 13 ] { ثم لم يتوبوا } من شركهم وفعلهم ذلك بالمؤمنين { فلهم عذاب جهنم } بكفرهم { ولهم عذاب الحريق } بما أحرقوا المؤمنين ، وكلا العذابَيْن في جهنم عند الأكثرين . وذهب الربيع بن أنس في جماعة إلى أن النار ارتفعت إلى الملك وأصحابه فأحرقتهم ، فذلك عذاب الحريق في الدنيا . قال الربيع : وقبض الله أرواح المؤمنين قبل أن تمسَّهم النار . وحكى الفراء أن المؤمنين نَجوْا من النار ، وأنها ارتفعت فأحرقت الكفرة . قوله تعالى : { ذلك الفوز الكبير } لأنهم فازوا بالجنة . وقال بعض المفسرين : فازوا من عذاب الكفار ، وعذاب الآخرة . قوله تعالى : { إن بطش ربك } قال ابن عباس : إن أخذه بالعذاب إذا أَخَذَ الظَّلَمَة والجبابرة لشديد . قوله تعالى : { إنه هو يُبْدِئُ ويعيدُ } فيه قولان : أحدهما : يبدئ الخلق ويعيدهم ، قاله الجمهور . والثاني : يبدئ العذاب في الدنيا على الكفار ثم يعيده عليهم في الآخرة ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقد شرحنا في [ هود : 90 ] معنى « الودود » . قوله تعالى : { ذو العرش المجيدُ } وقرأ حمزة ، والكسائي ، والمفضل عن عاصم « المجيدِ » بالخفض ، وقرأ غيرهم بالرفع ، فمن رفع « المجيدُ » جعله من صفات الله عز وجل ، ومن كسر جعله من صفة العرش . قوله تعالى : { هل أتاك حديث } أي : قد أتاك حديث { الجنودِ } وهم الذين تجنَّدوا على أولياء الله . ثم بَيَّن من هم ، فقال تعالى : { فرعونَ وثمودَ بل الذين كفروا } يعني : مشركي مكة { في تكذيبٍ } لك والقرآن ، أي : لم يعتبروا بمن كان قبلهم { والله من ورائهم محيط } لا يخفى عليه شيء من أعمالهم { بل هو قرآنٌ مجيدٌ } أي : كريم ، لأنه كلام الله ، وليس كما يقولون بشعر ، ولا كهانة ، ولا سِحر . وقرأ أبو العالية ، وأبو الجوزاء ، وأبو عمران ، وابن السميفع « بل هو قرآن مجيد » بغير تنوين وبخفض « مجيد » { في لوحٍ محفوظٍ } وهو اللوح المحفوظ ، منه نسخ القرآن وسائر الكتب ، فهو محفوظ عند الله ، محروس به من الشياطين ، ومن الزيادة فيه والنقصان منه . وقرأ نافع « محفوظ » رفعاً على نعت القرآن . فالمعنى : إنه محفوظ من التحريف والتبديل .