Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 15-30)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فأما الإنسان } فيمن عنى به أربعة أقوال . أحدها : عتبة بن ربيعة ، وأبو حذيفة بن المغيرة ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثاني : أُبَيّ بن خلف ، قاله ابن السائب . والثالث : أُمية بن خلف ، قاله مقاتل . والرابع : أنه الكافر الذي لا يؤمن بالبعث ، قال الزجاج : وابتلاه بمعنى اختبره بالغنى واليسر { فأكرمه } بالمال { ونَعَّمه } بما وسَّع عليه من الإفضال { فيقول ربي أكرمني } فتح ياء « ربيَ » « أكرمنيَ » « ربيَ » « أهاننيَ » أهل الحجاز ، وأبو عمرو ، أي : فضلني بما أعطاني ، ويظن أن ما أعطاه من الدنيا لكرامته عليه { وأما إذا ما ابتلاه } بالفقر { فقَدَر عليه رِزْقَه } وقرأ أبو جعفر ، وابن عامر « فقدَّر » بتشديد الدال ، والمعنى : ضيَّق عليه بأن جعله على مقدار البُلْغَة { فيقول ربي أهانني } أي : هذا الهوان منه لي حين أذلَّني بالفقر . واعلم أن من لا يؤمن بالبعث ، فالكرامة عنده زيادة الدنيا ، والهوان قِلَّتُها . قوله تعالى : { كلا } أي : ليس الأمر كما يظن . قال مقاتل : ما أعطيت [ من أغنيت ] هذا الغنى لكرامته عليَّ ، ولا أفقرت [ مَنْ ] أفقرت لهوانه عليَّ ، وقال الفراء : المعنى : لم يكن ينبغي له أن يكون هكذا ، إنما ينبغي أن يحمد الله على الأمرين : الفقر ، والغنى . ثم أخبر عن الكفار فقال تعالى : { بل لا تكرمون اليتيم } قرأ أهل البصرة « يُكرِمون » و « يَحُضُّون » و « يَأْكُلون » و « يُحِبُّون » بالياء فيهن ، والباقون بالتاء . ومعنى الآية : إني أهنت من أهنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم . والآية تحتمل معنيين . أحدهما : أنهم كانوا لا يَبَرُّونه . والثاني : لا يعطونه حَقَّه من الميراثِ ، وكذلك كانت عادة الجاهلية لا يورِّثون النساء ولا الصبيان . ويدل على المعنى الأول قوله تعالى : { ولا تَحاضُّون على طعام المسكين } قرأ أبو جعفر ، وأهل الكوفة « تحاضون » بألف مع فتح التاء . وروى الشيرزي عن الكسائي كذلك إلا أنه ضم التاء . والمعنى : لا يأمرون بإطعامه لأنهم لا يرجون ثواب الآخرة . ويدل على المعنى الثاني قوله تعالى : { وتأكلون التُّراثَ أكلاً لَمّا } قال ابن قتيبة : التراث : الميراث ، والتاء فيه منقلبة عن واوٍ ، كما قالوا : تُجاه ، والأصل : وُجاه ، وقالوا : تُخمَة ، والأصل : وُخَمَة . و { لَمَّا } أي : شديداً ، وهو من قولك : لممْتُ بالشيء : إذا جمعتَه ، وقال الزجاج : هو ميراث اليتامى . قوله تعالى : { وتحبون المال } أي : تحبون جمعه { حُبّاً جماً } أي : كثيراً فلا تنفقونه في خير { كلا } أي : ما هكذا ينبغي أن يكون [ الأمر ] . ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم ، فقال تعالى : { إذا دُكَّت الأرض دَكَّاً دَكَّاً } أي : مرَّة بعد مرَّة ، فتكسَّر كل شيء عليها ، { وجاء ربك } قد ذكرنا هذا المعنى في قوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } [ البقرة : 210 ] . قوله تعالى : { والملك صفاً صفاً } أي : تأتي [ ملائكة ] كل سماءٍ صفاً [ صفا ] على حدة . قال الضحاك : يكونون سبعة صفوف ، { وجيء يومئذٍ بجهنَّم } روى مسلم في أفراده من حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام ، مع [ كل زمام ] سبعون ألف ملك يجرَّونها " قال مقاتل : يجاء بها فتقام عن يسار العرش . قوله تعالى : { يومئذ } أي : يوم يجاء بجهنم { يتذكر الإنسان } أي : يتَّعظ الكافر ويتوب . قال مقاتل : هو أمية بن خلف { وأنَّى له الذكرى } أي : كيف له بالتوبة وهي في القيامة لا تنفع { يقول يا ليتني قدَّمتُ } العمل الصالح في الدنيا { لحياتي } في الآخرة التي لا موت فيها { فيومئذ لا يعذَّب عذابه أحدٌ } قرأ الكسائي ، ويعقوب ، والمفضل « لا يعذَّب » بفتح الذال ، والباقون بكسرها ، فمن فتح ، أراد : لا يعذب عذاب الكافر أحد ، ومن كسر أراد : لا يعذَّب عذاب الله أحد ، أي كعذابه ، وهذه القراءة تختص بالدنيا ، والأولى تختص بالآخرة . قوله تعالى : { يا أيتها النفس المطمئنة } اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال . أحدها : في حمزة بن عبد المطلب لما استشهد يوم أُحد ، قاله أبو هريرة ، وبريدة الأسلمي . والثاني : في عثمان بن عفان حين أوقف بئر رومة ، قاله الضحاك . والثالث : في خبيب بن عدي لما صلبه أهل مكة ، قاله مقاتل . والرابع : في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، حكاه الماوردي . والخامس : [ في ] جميع المؤمنين ، قاله عكرمة . وفي معنى « المطمئنة » ثلاثة أقوال . أحدها : المؤمنة ، قاله ابن عباس . وقال الزجاج : المطمئنة بالإيمان . والثاني : الراضية بقضاء الله ، قاله مجاهد . والثالث : الموقنة بما وعد الله ، قاله قتادة . واختلفوا في أي حين يقال لها ذلك على قولين . أحدهما : عند خروجها من الدنيا ، قاله الأكثرون . والثاني : عند البعث يقال لها : ارجعي إلى صاحبك ، وإلى جسدك ، فيأمر الله الأرواح أن تعود إلى الأجساد ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال عطاء ، وعكرمة والضحاك . وفي قوله تعالى { ارجعي إلى ربك راضية } أربعة أقوال . أحدها : ارجعي إلى صاحبك الذي كنتِ في جسده ، وهذا المعنى في رواية العوفي عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة والضحاك . والثاني : { ارجعي إلى ربك } بعد الموت في الدنيا ، قاله أبو صالح . والثالث : ارجعي إلى ثواب ربك ، قاله الحسن . والرابع : يا أيتها النفس المطمئنة [ إلى الدنيا ] ارجعي إلى الله تعالى بتركها ، حكاه الماوردي . قوله تعالى : { فادخلي في عبادي } أي : في جملة عبادي المصطَفَيْن . قال أبو صالح : يقال لها عند الموت : ارجعي إلى ربك ، فإذا كان يوم القيامة قيل لها : { فادخلي في عبادي } وقال الفراء : ادخلي مع عبادي . وقرأ سعد بن أبي وقاص ، وأُبَي بن كعب ، وابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وأبو العالية ، وأبو عمران : « في عبدي » على التوحيد . قال الزجاج : فعلى هذه القراءة والله أعلم يكون المعنى : ارجعي إلي ربك ، أي : إلى صاحبك الذي خرجتِ منه ، فادخلي فيه .