Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 59-60)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله } أي : قنعوا بما أُعطوا { إنا إلى الله راغبون } في الزيادة ، أي : لكان خيراً لهم ، وهذا جواب { لو } ، وهو محذوف في اللفظ . ثم بيَّن المستحق للصدقات بقوله : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } اختلفوا في صفة الفقير والمسكين على ستة أقوال . أحدها : أن الفقير : المتعفف عن السؤال . والمسكين الذي يسأل وبه رَمَق ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وجابر بن زيد ، والزهري ، والحكم ، وابن زيد ، ومقاتل . والثاني : أن الفقير : المحتاج الذي به زمانة . والمسكين : المحتاج الذي لا زمانة به ، قاله قتادة . والثالث : الفقير : المهاجر ، والمسكين : الذي لم يهاجر ، قاله الضحاك بن مزاحم ، والنخعي . والرابع : الفقير : فقير المسلمين ، والمسكين : من أهل الكتاب ، قاله عكرمة . والخامس : أن الفقير : من له البُلْغَة من الشيء ، والمسكين الذي ليس له شيء ، قاله أبو حنيفة ، ويونس بن حبيب ، ويعقوب بن السكّيت ، وابن قتيبة . واحتجوا بقول الراعي : @ أمَّا الفقيرُ الذي كانتْ حَلُوبَتُه وفقَ العيال فلم يُتْرَكْ له سَبَدُ @@ فسماه فقيراً ، وله حَلوبة تكفيه وعياله . وقال يونس : قلت لأعرابي : أفقير أنت ؟ قال لا والله ، بل مسكين ؛ يريد أنا أسوأ حالاً من الفقير . والسادس : أن الفقير أمسُّ حاجةً من المسكين ، وهذا مذهب أحمد ، لأن الفقير مأخوذ من انكسار الفَقار ، والمسكنة مأخوذة من السكون والخشوع ، وذلك أبلغ . قال ابن الأنباري : ويروى عن الأصمعي أنه قال : المسكين أحسن حالاً من الفقير . وقال أحمد بن عبيد : المسكين أحسن حالاً من الفقير ، لأن الفقير أصله في اللغة : المفقور الذي نزعت فَقره من فِقَرِ ظهره ، فكأنه انقطع ظهره من شدة الفقر ؛ فصُرف عن مفقور إلى فقير ، كما قيل : مجروح وجريح ، ومطبوخ وطبيخ ، قال الشاعر : @ لَمّا رأى لُبَدَ النُّسُورِ تَطَايَرَتْ رَفَعَ القَوادِمَ كالفقيرِ الأعْزَلِ @@ قال : ومن الحجة لهذا القول قوله : { وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } [ الكهف : 79 ] فوصف بالمسكنة من له سفينة تساوي مالاً ، قال : وهو الصحيح عندنا . قوله تعالى : { والعاملين عليها } وهم السعاة لجباية الصدقة ، يُعْطَوْنَ منها بقدر أُجُور أمثالهم ، وليس ما يأخذونه بزكاة . قوله تعالى : { والمؤلَّفِة قلوبهم } وهم قوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألَّفهم على الإسلام بما يعطيهم ، وكانوا ذوي شرف ، وهم صنفان : مسلمون ، وكافرون . فأما المسلمون ، فصنفان : صنف كانت نِيَّاتُهم في الإسلام ضعيفة ، فتألَّفهم تقويةً لِنيَّاتهم ، كعُيَيْنة بن حصن ، والأقرع ؛ وصنف كانت نياتهم حسنة ، فأُعطوا تألُّفاً لعشائرهم من المشركين ، مثل عدي بن حاتم . وأما المشركون ، فصنفان : صنف يقصدون المسلمين بالأذى ، فتألَّفهم دفعاً لأذاهم ، مثل عامر بن الطفيل ؛ وصنف كان لهم ميل إلى الإسلام ، تألَّفهم بالعطية ليؤمنوا ، كصفوان بن أُمية . وقد ذكرت عدد المؤلفة في كتاب « التلقيح » . وحكمهم باقٍ عند أحمد في رواية ، وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، حكمهم منسوخ . قال الزهري : لا أعلم شيئا نسخَ حكم المؤلَّفة قلوبهم . قوله تعالى : { وفي الرقاب } قد ذكرناه في سورة [ البقرة : 177 ] . قوله تعالى : { والغارمين } وهم الذين لزمهم الدَّين ولا يجدون القضاء . قال قتادة : هم ناس عليهم دَيْنٌ من غير فساد ولا إِسراف ولا تبذير ، وإنما قال هذا ، لأنه لا يؤمَن في حق المفسد إذا قُضِيَ دَيْنُه أن يعود إلى الاستدانة لذلك ؛ ولا خلاف في جواز قضاء دينه ودفع الزكاة إليه ، ولكن قتادة قاله على وجه الكراهية . قوله تعالى : { وفي سبيل الله } يعني : الغزاة والمرابطين . ويجوز عندنا أن يعطى الأغنياء منهم والفقراء ، وهو قول الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يعطى إلا الفقير منهم . وهل يجوز أن يصرف من الزكاة إلى الحج ، أم لا ؟ فيه عن أحمد روايتان . قوله تعالى : { وابن السبيل } هو المسافر المنقطع به ، وإن كان له مال في بلده ، قاله مجاهد ، وقتادة ، وأبو حنيفة ، وأحمد . فأما إذا أراد أن ينشىء سفراً ، فهل يجوز أن يعطى ؟ قال الشافعي : يجوز ، وعن أحمد مثله ؛ وقد ذكرنا في سورة [ البقرة : 177 ] فيه أقوالاً عن المفسرين . قوله تعالى : { فريضة من الله } يعني : أن الله افترض هذا . فصل وحدُّ الغنى الذي يمنع أخذ الزكاة عند أصحابنا بأحد شيئين : أن يكون مالكاً لخمسين درهماً ، أو عِدلها من الذهب ، سواء كان ذلك يقوم بكفايته ، أو لا يقوم . والثاني : أن يكون له كفاية ، إِما من صناعة ، أو أجرة عقار ، أو عروض للتجارة يقوم ربحها بكفايته . وقال أبو حنيفة : الاعتبار في ذلك أن يكون مالكاً لنصاب تجب عليه فيه الزكاة . فأما ذوو القربى الذين تحرم عليه الصدقة ، فهم بنو هاشم ، وبنو المطلب . وقال أبو حنيفة : تحرم على ولد هاشم ، ولا تحرم على ولد المطلب . ويجوز أن يعمل على الصدقة من بني هاشم وبني المطلب ويأخذ عمالته منها ، خلافاً لأبي حنيفة . فأما موالي بني هاشم وبني المطلب ، فتحرم عليهم الصدقة ، خلافاً لمالك . ولا يجوز أن يعطيَ صدقته مَنْ تلزمه نفقتُه ؛ وبه قال مالك ، والثوري . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يعطي والداً وإن علا ، ولا ولداً وإن سفل ، ولا زوجه ، ويعطي مَنْ عَداهم . فأما الذميُّ ؛ فالأكثرون على أنه لا يجوز إعطاؤه . وقال عبيد الله بن الحسن : إذا لم يجد مسلماً ، أعطي الذمي . ولا يجب استيعاب الأصناف ، ولا اعتبار عدد من كل صنف ؛ وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ؛ وقال الشافعي : يجب الاستيعاب من كل صنف ثلاثة . فأما إذا أراد نقل الصدقة من بلد المال إلى موضع تُقصر فيه الصلاة ، فلا يجوز له ذلك ، فان نقلها لم يُجزئه ؛ وهو قول مالك ، والشافعي . وقال أبو حنيفة : يكره نقلها ، وتجزئه . قال أحمد : ولا يعطي الفقير أكثر من خمسين درهماً . وقال أبو حنيفة : أكره أن يعطي رجل واحد من الزكاة مائتي درهم . وإن أعطيته أجزأك . فأما الشافعي ، فاعتبر ما يدفع الحاجةَ من غير حدّ . فان أعطى من يظنه فقيراً ، فبان أنه غني ، فهل يجزىء ؟ فيه عن أحمد روايتان .