Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 94, Ayat: 1-8)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ألم نشرح لك صَدْرك } الشرح : الفتح بإذهاب ما يصد عن الإدراك . والله تعالى فتح صدر نبيه للهدى والمعرفة بإذهاب الشواغل التي تصدر عن إدراك الحق . ومعنى هذا الإستفهام : التقريرُ ، أي : قد فعلنا ذلك { ووضعنا عنك وزرك } أي : حَطَطْنَا عنك إِثْمَكَ الذي سَلَفَ في الجاهلية ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والفراء ، وابن قتيبة في آخرين . وقال الزجاج : المعنى : أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال ابن قتيبة : وأصل الوِزْر : ما حمله الإنسان على ظهره ، فَشُبِّه بالحمل فجعل مكانه . ومعنى { أنقض ظهرك } أثقله حتى سمع نقيضه ، أي : صوته . وهذا مَثَلٌ ، يعني : أنه لو كان حملاً يحمل لَسُمِع نقيضُ الظهر منه . وذهب قوم إلى أن المراد بهذا تخفيف أعباء النبوة التي يُثْقِلُ القيامُ بها الظُّهْرَ ، فَسَهَّلَ الله له ذلك حتى تيَسَّر عليه الأمر . وممن ذهب إلى هذا عبد العزيز بن يحيى . قوله تعالى : { ورفعنا لك ذِكْرَك } فيه خمسة أقوال . أحدها : ما روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عن هذه الآية ، فقال : قال الله عز وجل : إذا ذُكِرْتُ [ ذُكِرْتَ ] معي . قال قتادة : فليس خطيب ، ولا مُتَشَهِّدٌ ، ولا صاحب صلاة إلا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، وهذا قول الجمهور . والثاني : رفعنا لك ذِكْرَك بالنبوة ، قاله يحيى بن سلام . والثالث : رفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا ، حكاه الماوردي . والرابع : رفعنا لك ذكرك عند الملائكة في السماء . والخامس : بأخذ الميثاق لك على الأنبياء ، وإلزامهم الإيمان بك ، والإقرار بفضلك ، حكاهما الثعلبي . قوله تعالى : { فإن مع العسر يسراً } ضم سين « العُسُر » وسين « اليُسُر » أبو جعفر . و « العسر » مذكور في الآيتين بلفظ التعريف . و « اليُسر » مذكور بلفظ التنكير ، فدل على أن العسر واحد ، واليسر اثنان . قال ابن مسعود ، وابن عباس في هذه [ الآية ] : لن يغلب عُسْر يسرين . قال الفراء : العرب إذا ذَكَرَتْ نَكِرَةً ثم أعادتها بنكرة صارت اثنتين ، كقولك : إذا كسبت درهماً فأنفق درهماً ، فالثاني غير الأول ، وإذا أعادتها معرفة ، فهي كقولك : إذا كسبت درهماً فأنفق الدرهم ، فالثاني هو الأول . ونحو هذا قال الزجاج : ذَكَرَ العُسْر بالألف واللام ، ثم ثَنَّى ذِكْرَه ، فصار المعنى : إن مع العسر يسرين . وقال الحسين بن يحيى الجرجاني ويقال له : صاحب النظم ـ : معنى الكلام : لا يحزنك ما يُعَيِّرك به المشركون من الفقر « فإن مع العسر يسراً » [ عاجلاً في الدنيا ، فأنجزه بما وعده ، بما فتح عليه ، ثم ابتدأ فصلاً آخر فقال : « إن مع العسر يسراً » ] والدليل على ابتدائه تَعرِّيه من الفاء والواو ، وهو وعد لجميع المؤمنين أن مع عسر المؤمنين يسراً في الآخرة ، فمعنى قولهم : لن يغلب عسر يسرين : لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده الله المؤمنين في الدنيا ، فاليسر الذي وعدهم في الآخرة ، إنما يغلب أحدهما ، وهو يسر الدنيا . فأما يسر الآخرة ، فدائم لا ينقطع ، كقوله [ صلى الله عليه وسلم ] : " شهرا عيد لا ينقصان " أي لا يجتمعان في النقص . وحكي عن العتبي قال : كنت ذات ليلة في البادية بحالة من الغَمِّ ، فأُلْقِيَ في رَوعي بيت من الشعر ، فقلت : @ أَرَى المَوْتَ لِمَنْ أَصْبَـ ـحَ مَغْمُوماً لَهُ أَرُوَحْ @@ فلما جن الليل سمعت هاتفاً يهتف : @ أَلاَ يا أَيُّهَا المرءُ الْـ ـلَذِي الهمُّ بِه بَرَّحْ وَقَدْ أَنْشَدَ بَيْتَاً لَمْ يَزَلْ في فِكْرِهِ يَسْنَحْ إذا اشتَدَّ بك العُسْرُ { أَلَمْ نَشْرَحْ } فَفَكِّر في فَعُسْرٌ بَيْنَ يُسْرَيْنِ إِذا أَبْصَرْتَهُ فَافْرَحْ @@ فحفظت الأبيات وفرَّج الله غَمِّي . قوله تعالى : { فإذا فرغت فانصب } أي : فادأبْ في العمل ، وهو من النَّصْب ، والنَّصب : التعبُ ، الدَّؤوب في العمل . وفي معنى الكلام خمس أقوال . أحدها : فإذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل ، قاله ابن مسعود . والثاني : فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، ومقاتل . والثالث : فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك ، قاله مجاهد . والرابع : فإذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك ، قاله الشعبي ، والزهري . والخامس : إذا صح بدنك فاجعل صحتك نَصباً في العبادة ، ذكره علي ابن أبي طلحة { وإلى ربك فارغب } قال الزجاج : اجعل رغبتك إلى الله عز وجل وحده .