Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 89-89)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله عزّ وجلّ { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ } قد ذكرنا خلاف المفسرين والفقهاء في لغو اليمين { وَلكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُمُ الأَيْمَانَ } اختلف في سبب نزولها قولين : أحدهما : أنها نزلت في عثمان بن مظعون حين حرّم على نفسه الطعام والنساء بيمين حلفها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالحنث فيها قاله السدي ، والثاني : أنها نزلت في عبد الله بن رواحة وكان عنده ضيف فأخرت زوجته قِراه فحلف لا يأكل من الطعام شيئاً ، وحلفت الزوجة لا تأكل منه إن لم يأكل ، وحلف الضيف لا يأكل منه إن لم يأكلا ، فأكل عبد الله وأكلا معه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : أحسنت ونزلت فيه هذه الآية قاله ابن زيد . قوله { وَلكِن يؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيْمَانَ } وعقدها هو لفظ باللسان وقصد بالقلب لأن ما لم يقصده من أيمانه فهو لغو لا يؤاخذه به ثم في عقدها قولان : أحدهما : أن تكون على فعل مستقبل ولا تكون على خبر ماض ، والفعل المستقبل نوعان : نفي وإثبات ، فالنفي أن يقول : " والله لا فعلت كذا " والإثبات أن يقول " والله لأفعلن " أما الخبر الماضي فهو أن يقول : " والله ما فعلت " وقد فعل ويقول : " والله لقد فعلت كذا " وما فعل فينعقد يمينه بالفعل المستقبل في نوعي إثباته ونفيه . وفي انعقادها بالخبر الماضي قولان أحدهما : أنها لا تنعقد بالخبر الماضي قاله أبو حنيفة وأهل العراق ، والقول الثاني : أنها تنعقد على فعل مستقبل وخبر ماضٍ يتعلق الحنث بهما قاله الشافعي وأهل الحجاز . ثم قال { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } فيه قولان : أحدهما : أنها كفارة ما عقدوه من الأيمان قالته عائشة والحسن والشعبي وقتادة ، والثاني : أنها كفارة الحنث فيما عقدوه منها وهذا أشبه أن يكون قول ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم . والأصح من إطلاق هذين القولين أن يعتبر حال اليمين في عقدها وحَلها فإنها لا تخلوا من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يكون عقدها طاعة وحَلها معصية كقوله : " والله لا قتلت نفساً ولا شربت خمراً " فإذا حنث بقتل النفس وشرب الخمر كانت الكفارة لتكفير مأثم الحنث دون عقد اليمين ، الحال الثاني : أن يكون عقدها معصية وحلها طاعة كقوله " والله لا صليت ولا صمت " فإذا حنث بالصلاة والصوم كانت الكفارة لتكفير مأثم العقد دون الحنث والحال الثالث : أن يكون عقدها مباحاً وحلها مباحاً كقوله : " والله لا لبست هذا الثوب " فالكفارة تتعلق بهما وهي بالحنث أخص . ثم قال { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ } فيه قولان ، أحدهما : من أوسط أجناس الطعام قاله ابن عمر و الحسن وابن سيرين والأسود وعبيدة السلماني ، والثاني : من أوسطه في القدر قاله علي وعمر وابن عباس ومجاهد وقرأ سعيد بن جبير من وسط ما تطعمون أهليكم ثم اختلفوا في القدر على خمسة أقاويل : أحدها : أنه نصف صاع من سائر الأجناس قاله " علي وعمر وهو مذهب أبي حنيفة ، والثاني : مد واحد من سائر الأجناس قاله " ابن عمر وزيد بن ثابت وعطاء وقتادة وهو مذهب الشافعي ، والثالث : أنه غداء وعشاء قاله علي في رواية الحارث عنه وقول محمد بن كعب القرظي والحسن البصري ، والرابع : أنه على ما جرت به عادة المكفر في عياله إن كان يشبعهم أشبع المساكين وإن كان لا يشبعهم فعلى قدر ذلك قاله ابن عباس وسعيد ابن جبير ، والخامس : أنه أحد الأمرين من غداء وعشاء قاله بعض البصريين . ثم قال { أَو كِسْوَتُهُمْ } وفيها خمسة أقاويل : أحدها : كسوة ثوب واحد قاله ابن عباس ومجاهد وطاووس وعطاء [ الخراساني ] والشافعي . والثاني : كسوة ثوبين قاله أبو موسى الأشعري وابن المسيب والحسن وابن سيرين ، والثالث : كسوة ثوب جامع كالملحفة والكساء قاله إبراهيم ، والرابع : كسوة إزار ورداء وقميص قاله ابن عمر والخامس : كسوة ما تجزىء فيه الصلاة قاله بعض البصريين . ثم قال { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } يعني أو فك رقبة من أسر العبودية إلى حال الحرية والتحرير والفك : الفتق ، قال الفرزدق : @ أبني غدانة إنني حررتكم فوهبتكم لعطية بن جعال @@ وتجزئ صغيرها وكبيرها وذكرها وأنثاها وفي استحقاق إيمانها قولان : أحدهما : أنه مستحق ولا تجزئ الكفارة قاله الشافعي ، والثاني : أنه غير مستحق قاله أبو حنيفة . ثم قال : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ } فجعل الله الصوم [ له ] بدلاً من المال عند العجز عنه وجعله مع اليسار مخيراً بين التكفير بالإطعام والكسوة والعتق ، وفيها قولان : أحدهما : أنّ الواجب منها أحدها لا بعينه عند جمهور الفقهاء والثاني : أن جميعها واجب وله الاقتصار على أحدها قاله بعض المتكلمين وشاذ من الفقهاء ، وهذا إذا حُقّق خلف في العبارة دون المعنى واختلف فيما إذا لم يجده صام على خمسة أقاويل : أحدها : إذا لم يجد قوته وقوت من يقوت [ صام ] قاله الشافعي ، والثاني : إذا لم يجد ثلاثة دراهم صام قاله سعيد بن جبير ، والثالث : إذا لم يجد درهمين صام قاله الحسن ، والرابع : إذا لم يجد مائتي درهم صام قاله أبو حنيفة ، والخامس : إذا لم يجد ذلك فاضلاً عن رأس ماله الذي يتصرف به لمعاشه صام . وفي تتابع صيامه قولان : أحدهما : يلزمه قاله مجاهد وإبراهيم وكان أبيّ بن كعب وعبدالله بن مسعود يقرءان فصيام ثلاثة أيام متتابعات ، والثاني : إن صامها متفرقاً جاز . قاله مالك وأحد قولي الشافعي { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } يعني وحنثتم ، فإن قيل : لم لم يذكر مع الكفارة التوبة ؟ قيل : لأنه ليس كل يمين حنث فيها كانت مأثماً توجب التوبة ، فإن اقترن بها المأثم لزمت التوبة بالندم وترك العزم [ على المعاودة ] { وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ } يحتمل وجهين : أحدهما : يعني احفظوها أن تحلفوا والثاني : احفظوها أن تحنثوا .