Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 26-31)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى } لولا ذلك لكتم عليها ولم يفضحها { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا } هو ابن عم لها ، وإنما ألقى الله الشهادة على لسان من هو من أهلها لتكون أوجب للحجة عليها وأوثق لبراءة يوسف . وقيل : كان ابن خال لها وكان صبياً في المهد . وسمي قوله شهادة لأنه أدى مؤدى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَـٰذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّـٰدِقِينَ } والتقدير : وشهد شاهد فقال : إن كان قميصه : وإنما دل قدّ قميص من قبل على أنها صادقة لأنه يسرع خلفها ليلحقها فيعثر في مقادم قميصه فيشقه ، ولأنه يقبل عليها وهي تدفعه عن نفسه فيتخرق قميصه من قبل . وأما تنكير { قبل } و { دبر } فمعناه من جهة يقال لها قبل ومن جهة يقال لها دبر ، وإنما جمع بين « إن » التي للاستقبال وبين « كان » لأن المعنى أن يعلم أنه كان قميصه قد . { فَلَماَّ رَأَى } قطفير { قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } وعلم براءة يوسف وصدقه وكذبها { قَالَ إِنَّهُ } إن قولك { ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً } أو إن هذا الأمر وهو الاحتيال لنيل الرجال { مِن كَيْدِكُنَّ } الخطاب لها ولأمتها { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } لأنهن ألطف كيداً وأعظم حيلة وبذلك يغلبن الرجال ، والقصريات منهن معهن ما ليس مع غيرهن من البوائق . وعن بعض العلماء : إني أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان ، لأن الله تعالى قال : { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ضَعِيفاً } [ النساء : 76 ] وقال لهن { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } { يُوسُفَ } حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث ، وفيه تقريب له وتلطيف لمحله { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } الأمر واكتمه ولا تتحدث به . ثم قال لراعيل { وَٱسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَـٰطِئِينَ } من جملة القوم المتعمدين للذنب . يقال : خطىء إذا أذنب متعمداً ، وإنما قال بلفظ التذكير تغليباً للذكر على الإناث ، وكان العزيز رجلاً حليماً قليل الغيرة حيث اقتصر على هذا القول . { وَقَالَ نِسْوَةٌ } جماعة من النساء وكن خمساً : امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب . والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثها غير حقيقي ولذا لم يقل قالت وفيه لغتان كسر النون وضمها { فِى ٱلْمَدِينَةِ } في مصر { امرأت العزيز } يردن قطفير ، والعزيز الملك بلسان العرب { تُرَاوِدُ فَتَـٰهَا } غلامها يقال فتاي وفتاتي أي غلامي وجاريتي { عَن نَّفْسِهِ } لتنال شهوتها منه { قَدْ شَغَفَهَا حُبّا } تمييز أي قد شغفها حبه يعني خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد ، والشغاف حجاب القلب أو جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب { إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } في خطأ وبعد عن طريق الصواب { فَلَمَّا سَمِعَتْ } راعيل { بِمَكْرِهِنَّ } باغتيابهن وقولهن امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ومقتها . وسمي الاغتياب مكراً لأنه في خفية وحال غيبة كما يخفي الماكر مكره . وقيل كانت استكتمتهن سرها فأفشينه عليها { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } دعتهن . قيل : دعت أربعين امرأة منهن الخمس المذكورات { وَأَعْتَدَتْ } وهيأت افتعلت من العتاد { لَهُنَّ مُتَّكَئاً } ما يتكئن عليه من نمارق قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهن متكئات والسكاكين في أيديهن أن يدهشن عند رؤيته ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها . لأن المتكىء إذا بهت لشيء وقعت يده على يده { وآتت كل واحدة منهن سكيناً } وكانوا لا يأكلون في ذلك الزمان إلا بالسكاكين كفعل الأعاجم { وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } بكسر التاء : بصري وعاصم وحمزة ، وبضمها غيرهم . { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائع والجمال الفائق ، وكان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء ، وكان إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران ، وكان يشبه آدم يوم خلقه ربه . وقيل : ورث الجمال من جدته سارة . وقيل { أكبرن } بمعنى حضن والهاء للسكت ، إذ لا يقال النساء قد حضنه لأنه لا يتعدى إلى مفعول ، يقال : أكبرت المرأة حاضت ، وحقيقته دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر وكأن أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله : @ خف الله واستر ذا الجمال ببرقع فإن لحت حاضت في الخدور العواتق @@ { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } وجرحنها كما تقول : كنت أقطع اللحم فقطعت يدي تريد جرحتها أي أردن أن يقطعن الطعام الذي في أيديهن فدهشن لما رأينه فخدشن أيديهن { وَقُلْنَ حَٰشَ لِلَّهِ } « حاشا » كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء تقول : أساء القوم حاشا زيد . وهي حرف من حروف الجر فوضعت موضع التنزيه والبراءة ، فمعنى حاشا لله براءة الله وتنزيه الله . وقراءة أبي عمرو « حاشا لله » نحو قولك سقيا لك ، كأنه قال براءة ، ثم قال : الله ، لبيان من يبرأ وينزه ، وغيره { حاش لله } بحذف الألف الأخيرة والمعنى تنزيه الله من صفات العجز والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله { مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } نفين عنه البشرية لغرابة جماله وأثبتن له الملكية وبتتن بها الحكم لما ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان .