Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 111-112)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَوْمَ تَأْتِى } منصوب بـ { رحيم } أو بـ « اذكر » { كُلُّ نَفْسٍ تُجَـٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا } وإنما أضيفت النفس إلى النفس لأنه يقال لعين الشيء وذاته نفسه وفي نقيضه غيره والنفس الجملة كما هي ، فالنفس الأولى هي الجملة ، والثانية عينها وذاتها فكأنه قيل : يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره كلٌّ يقول : نفسي نفسي . ومعنى المجادلة عنها الاعتذار عنها كقولهم : { هَـؤُلاء أَضَلُّونَا } [ الأعراف : 38 ] { ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا } [ الأحزاب : 67 ] الآية { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] { وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } تعطى جزاء عملها وافياً { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } في ذلك . { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً } أي جعل القرية التي هذه حالها مثلاً لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا وتولوا فأنزل الله بهم نقمته ، فيجوز أن يراد قرية مقدرة على هذه الصفة ، وأن تكون في قرى الأولين قرية كانت هذه حالها فضربها الله مثلاً لمكة إنذراً من مثل عاقبتها { كَانَتْ ءَامِنَةً } من القتل والسبى { مُّطْمَئِنَّةً } لا يزعجها خوف لأن الطمأنينة مع الأمن ، والانزعاج والقلق مع الخوف { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا } واسعاً { مِّن كُلِّ مَكَانٍ } من كل بلد { فَكَفَرَتْ } أهلها { بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وأدرع ، أو جمع نعم كبؤس وأبؤس { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } الإذاقة واللباس استعارتان والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار ، ووجه صحة ذلك أن الإذاقة جارية عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمس الناس منها فيقولون : ذاق فلان البؤس والضر ، وأذاقه العذاب شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر والبشع . وأما اللباس فقد شبه به لاشتماله على اللابس ما غشى الإنسان والتبس به من بعض الحوادث ، وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف فلأنه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس فكأنه قيل : فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف .