Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 189-202)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال معاذ بن جبل : يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يمتلىء ويستوي ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا لا يكون على حالة واحدة كالشمس ؟ فنزل { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } جـمع هلال سمي به لرفع الناس أصواتهم عند رؤيته { قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } أي معالم يوقت بها الناس مزارعهم ومتاجرهم ومحال ديونهم وصومهم وفطرهم وعدة نسائهم وأيام حيضهن ومدة حملهن وغير ذلك ، ومعالم للحج يعرف بها وقته . كان ناس من الأنصار إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطاً ولا داراً ولا فسطاطاً من باب ، فإن كان من أهل المدر نقب نقباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج ، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء فنزل { وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا } أي ليس البر بتحرجكم من دخول الباب ، ولا خلاف في رفع البر هنا لأن الآية ثمة تحتمل الوجهين كما بينا فجاز الرفع والنصب ثمة ، وهذه لا تحتمل إلا وجهاً واحداً وهو الرفع إذ الباء لا تدخل إلا على خبر « ليس » { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ } بر { مَنِ ٱتَّقَىٰ } ما حرم الله . « البيوت » وبابه مدني وبصري وحفص وهو الأصل مثل كعب وكعوب ، ومن كسر الباء فلمكان الياء بعدها ولكن هي توجب الخروج من كسر إلى ضم وكأنه قيل لهم عند سؤالهم عن الأهلة وعن الحكمة في نقصانها وتمامها . معلوم أن كل ما يفعله الله تعالى لا يكون إلا حكمة فدعوا السؤال عنه وانظروا في خصلة واحدة تفعلونها مما ليس من البر في شيء وأنتم تحسبونها براً ، فهذا وجه اتصاله بما قبله . ويحتمل أن يكون ذلك على طريق الاستطراد لما ذكر أنها مواقيت الحج لأنه كان من أفعالهم في الحج ، ويحتمل أن يكون هذا تمثيلاً لتعكيسهم في سؤالهم وإن مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت ويدخل من ظهره ، والمعنى ليس البر وما ينبغي أن تكونوا عليه بأن تعكسوا في مسائلكم ، ولكن البر بر من اتقى ذلك وتجنبه ولم يجسر على مثله . { وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوٰبِهَا } وباشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن تباشر عليها ولا تعكسوا ، أو المراد وجوب الاعتقاد بأن جميع أفعاله تعالى حكمة وصواب من غير اختلاج شبهة ولا اعتراض شك في ذلك حتى لا يسأل عنه لما في السؤال من الاتهام بمقارنة الشك { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فيم أمركم به ونهاكم عنه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لتفوزوا بالنعيم السرمدي . { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } المقاتلة في سبيل الله الجهاد لإعلاء كلمة الله وإعزاز الدين { ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ } يناجزونكم القتال دون المحاجزين وعلى هذا يكون منسوخاً بقوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } [ التوبة : 36 ] وقيل : هي أول آية نزلت في القتال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتل ويكف عمن كف ، أو الذين يناصبونكم القتال دون من ليس من أهل المناصبة من الشيوخ والصبيان والرهبان والنساء ، أو الكفرة كلهم لأنهم قاصدون لمقاتلة المسلمين فهم في حكم المقاتلة { وَلاَ تَعْتَدُواْ } في ابتداء القتال أو بقتال من نهيتم عنه من النساء والشيوخ ونحوهما أو بالمثلة { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ * وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } وجدتموهم . والثقف الوجود على وجه الأخذ والغلبة { وَأَخْرِجُوهُمْ مّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } أي من مكة وعدهم الله تعالى فتح مكة بهذه الآية وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن لم يسلم منهم يوم الفتح { وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ } أي شركهم بالله أعظم من القتل الذي يحل بهم منكم . وقيل : الفتنة عذاب الآخرة . وقيل : المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان فيعذب به أشد عليه من القتل . وقيل لحكيم : ما أشد من الموت ؟ قال : الذي يتمنى فيه الموت . فقد جعل الإخراج من الوطن من الفتن التي يتمنى عندها الموت . { وَلاَ تُقَـٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِيهِ } أي ولا تبدأوا بقتالهم في الحرم حتى يبدأوا فعندنا المسجد الحرم يقع على الحرم كله { فَإِن قَـٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ } في الحرم فعندنا يقتلون في الأشهر الحرم لا في الحرم إلا أن يبدأوا بالقتال معنا فحينئذ نقتلهم وإن كان ظاهر قوله « واقتلوهم حيث ثقفتموهم » يبيح القتل في الأمكنة كلها لكن لقوله « ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه » خص الحرم إلا عند البداءة منهم كذا في شرح التأويلات { كَذٰلِكَ جَزَاءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ } مبتدأ وخبر . « ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم » : حمزة وعلي { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } عن الشرك والقتال { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لما سلف من طغيانهم { رَّحِيمٌ } بقبول توبتهم وإيمانهم . { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } شرك و « كان » تامة و « حتى » بمعنى « كي » أو « إلى أن » { وَيَكُونَ ٱلدّينُ للَّهِ } خالصاً ليس للشيطان فيه نصيب أي لا يعبد دونه شيء { فَإِنِ ٱنتَهَواْ فَلاَ عُدْوٰنَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } فإن امتنعوا عن الكفر فلا تقاتلوهم فإنه لا عدوان إلا على الظالمين ولم يبقوا ظالمين ، أو فلا تظلموا إلا الظالمين غير المنتهين ، سمى جزاء الظالمين ظلماً للمشاكلة كقوله { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ } . قاتلهم المشركون عام الحديبية في الشهر الحرام وهو ذو القعدة فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهتهم القتال وذلك في ذي القعدة { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ } مبتدأ خبره { بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } أي هذا الشهر بذلك الشهر وهتكه بهتكه يعني تهتكون حرمته عليهم كما هتكوا حرمته عليكم { وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌ } أي وكل حرمة يجري فيها القصاص من هتك حرمة أي حرمة كانت اقتص منه بأن تهتك له حرمه ، فحين هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم نحو ذلك ولا تبالوا وأكد ذلك بقوله { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } من شرطية والباء غير زائدة والتقدير بعقوبة مماثلة لعدوانهم ، أو زائدة وتقديره عدواناً مثل عدوانهم { وَٱتَّقُواْ ٱللهَ } في حال كونكم منتصرين فمن اعتدى عليك فلا تعتدوا إلى ما لا يحل لكم . { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } بالنصر { وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } تصدقوا في رضا الله وهو عام في الجهاد وغيره { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } أي أنفسكم والباء زائدة ، أو ولا تقتلوا أنفسكم بأيديكم كما يقال « أهلك فلان نفسه بيده » إذا تسبب لهلاكها . والمعنى النهي عن ترك الإنفاق في سبيل الله لأنه سبب الهلاك ، أو عن الإسراف في النفقة حتى يفقر نفسه ويضيع عياله ، أو عن الإخطار بالنفس ، أو عن ترك الغزو الذي هو تقوية للعدو والتهلكة والهلاك والهلك واحدة { وَأَحْسِنُواْ } الظن بالله في الإخلاف { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } إلى المحتاجين . { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وأدوهما تأمين بشرائطهما وفرائضهما لوجه الله تعالى بلا توان ولا نقصان . وقيل : الإتمام يكون بعد الشروع فهو دليل على أن من شرع فيهما لزمه إتمامهما وبه نقول : إن العمرة تلزم بالشروع . ولا تمسك للشافعي رحمه الله بالآية على لزوم العمرة لأنه أمر بإتمامها ، وقد يؤمر بإتمام الواجب والتطوع أو إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك أو أن تفرد لكل واحد منهما سفراً أو أن تنفق فيهما حلالاً أو أن لا تتجر معهما { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } يقال أحصر فلان إذا منعه أمر من خوف أو مرض أو عجز ، وحصر إذا حبسه عدو عن المضي . وعندنا الإحصار يثبت بكل منع من عدو أو مرض أو غيرهما لظاهر النص ، وقد جاء في الحديث من كسر أو عرج فقد حل أي جاز له أن يحل وعليه الحج من قابل . وعند الشافعي رحمه الله : الإحصار بالعدو وحده . وظاهر النص يدل على أن الإحصار يتحقق في العمرة أيضاً لأنه ذكر عقبهما { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } فما تيسر منه . يقال يسر الأمر واستيسر كما يقال صعب واستصعب . والهدي جمع هدية يعني فإن منعتم من المضي إلى البيت وأنتم محرمون بحج أو عمرة فعليكم إذا أردتم التحلل ما استيسر من الهدى من بعير أو بقرة أو شاة « فما » رفع بالابتداء أي فعليكم ما استيسر ، أو نصب أي فأهدوا له ما استيسر { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُ } الخطاب للمحصرين أي لا تحلوا بحلق الرأس حتى تعلموا أن الهدي الذي بعثتموه إلى الحرم بلغ محله أي مكانه الذي يجب نحره فيه وهو الحرم ، وهو حجة لنا في أن دم الإحصار لا يذبح إلا في الحرم على الشافعي رحمه الله إذ عنده يجوز في غير الحرم { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا } فمن كان منكم به مرض يحوجه إلى الحلق { أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ } وهو القمل أو الجراحة { فَفِدْيَةٌ } فعليه إذا حلق فدية { مِّن صِيَامٍ } ثلاثة أيام { أَوْ صَدَقَةٍ } على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر { أَوْ نُسُكٍ } شاة وهو مصدر أو جمع نسيكة { فَإِذَا أَمِنتُمْ } الإحصار أي فإذا لم تحصروا وكنتم في حال أمن وسعة { فَمَن تَمَتَّعَ } استمتع { بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ } واستمتاعه بالعمرة إلى وقت الحج انتفاعه بالتقرب بها إلى الله قبل انتفاعه بالتقرب بالحج . وقيل : إذا حل من عمرته انتفع باستباحة ما كان محرماً عليه إلى أن يحرم بالحج { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } هو هدي المتعة ، وهو نسك يؤكل منه ويذبح يوم النحر . { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } الهدي { فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ } فعليه صيام ثلاثة أيام في وقت الحج وهو أشهره ما بين الإحرامين إحرام العمرة وإحرام الحج { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } إذا نفرتم وفرغتم من أفعال الحج { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } في وقوعها بدلاً من الهدي أو في الثواب ، أو المراد رفع الإبهام فلا يتوهم في الواو أنها بمعنى الإباحة كما في « جالس الحسن وابن سيرين » ، ألا ترى أنه لو جالسهما أو واحداً منهما كان ممتثلاً { ذٰلِكَ } إشارة إلى التمتع عندنا إذ لا تمتع ولا قران لحاضري المسجد الحرام عندنا ، وعند الشافعي رحمه الله إلى الحكم الذي هو وجوب الهدي أو الصيام ولم يوجب عليهم شيئاً { لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } هم أهل المواقيت فمن دونها إلى مكة { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فيما أمركم به ونهاكم عنه في الحج وغيره { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } لمن لم يتقه . { ٱلْحَجُّ } أي وقت الحج كقولك « البرد شهران » { أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـٰتٌ } معروفات عند الناس لا يشكلن عليهم وهي شوال وذو القعدة وعشر ذو الحجة . وفائدة توقيت الحج بهذه الأشهر أن شيئاً من أفعال الحج لا يصح إلا فيها وكذا الإحرام عند الشافعي رحمه الله ، وعندنا وإن انعقد لكنه مكروه ، وجمعت أي الأشهر لبعض الثالث ، أو لأن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد بدليل قوله تعالى : { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [ التحريم : 4 ] { فَمَن فَرَضَ } ألزم نفسه بالإحرام { فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } في هذه الأشهر { فَلاَ رَفَثَ } هو الجماع أو ذكره عند النساء أو الكلام الفاحش { وَلاَ فُسُوقَ } هو المعاصي أو السباب لقوله عليه السلام " سباب المؤمن فسوق " أو التنابز بالألقاب لقوله تعالى : { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ } [ الحجرات : 11 ] { وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجّ } ولامراء مع الرفقاء والخدم والمكارين . وإنما أمر باجتناب ذلك وهو واجب الاجتناب في كل حال لأنه مع الحج أسمج كلبس الحرير في الصلاة والتطريب في قراءة القرآن . والمراد بالنفي وجوب انتفائها وأنها حقيقة بأن لاتكون . وقرأ أبو عمرو ومكي الأولين بالرفع فحملاهما على معنى النهي كأنه قيل : فلا يكونن رفث ولا فسوق ، والثالث بالنصب على معنى الإخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل : ولا شك ولا خلاف في الحج . ثم حث على الخير عقيب النهي عن الشر وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن ، ومكان الفسوق البر والتقوى ، ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة بقوله تعالى : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } اعلم بأنه عالم به يجازيكم عليه ورد قول من نفى علمه بالجزئيات . كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون فيكونون كلاً على الناس فنزل فيهم { وَتَزَوَّدُواْ } أي تزودوا واتقوا الاستطعام وإبرام الناس والتثقيل عليهم { فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } أي الإتقاء عن الإبرام والتثقيل عليهم ، أو تزودوا للمعاد باتقاء المحظورات فإن خير الزاد اتقاؤها { وَٱتَّقُونِ } وخافوا عقابي وهو مثل { دَعَانِ } [ البقرة : 186 ] { يأُوْلِي ٱلالْبَـٰبِ } يا ذوي العقول يعني أن قضية اللب تقوى الله ومن لم يتقه من الألباء فكأنه لا لب له . ونزل في قوم زعموا أن لا حج لجمال وتاجر وقالوا هؤلاء الداجّ وليسوا بالحاج { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ } في أن تبتغوا في مواسم الحج { فَضْلاً مّن رَّبِّكُمْ } عطاء وتفضلاً وهو النفع والربح بالتجارة والكراء { فَإِذَا أَفَضْتُم } دفعتم بكثرة من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة ، وأصله أفضتم أنفسكم فترك ذكر المفعول { مّنْ عَرَفَـٰتٍ } هي علم للموقف سمي بجمع كأذرعات . وإنما صرفت لأن التاء فيها ليست للتأنيث بل هي مع الألف قبلها علامة جمع المؤنث ، وسميت بذلك لأنها وصفت لإبراهيم عليه السلام فلما رآها عرفها . وقيل : التقى فيها آدم وحواء فتعارفا ، وفيه دليل على وجوب الوقوف بعرفة لأن الإفاصة لا تكون إلا بعده { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } بالتلبية والتهليل والتكبير والثناء والدعوات أو بصلاة المغرب والعشاء { عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } هو قزح وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة . والمشعر المعلم لأنه معلم العبادة ، ووصف بالحرام لحرمته . وقيل : المشعر الحرام مزدلفة ، وسميت المزدلفة جمعاً لأن آدم عليه السلام اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها أي دنا منها ، أو لأنه يجمع فيها بين الصلاتين ، أو لأن الناس يزدلفون إلى الله تعالى أي يتقربون بالوقوف فيها { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } « ما » مصدرية أوكافة اذكروه ذكراً حسناً كما هداكم هداية حسنة ، أو اذكروه كما علمكم كيف تذكرونه ولا تعدلوا عنه { وَإِن كُنتُمْ مِّن قَبْلِهِ } من قبل الهدى { لَمِنَ ٱلضَّالِّينَ } الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه و « إن » مخففة من الثقيلة واللام فارقة { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس ولا تكن من المزدلفة . قالوا : هذا أمر لقريش بالإفاضة من عرفات إلى جمع وكانوا يقفون بجمع وسائر الناس بعرفات ويقولون : نحن قطان حرمه فلا نخرج منه . وقيل : الإفاضة من عرفات مذكورة فهي الإفاضة من جمع إلى منى . والمراد بالناس على هذا الجنس ويكون الخطاب للمؤمنين { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } من مخالفتكم في الموقف ونحو ذلك من جاهليتكم أو من تقصيركم في أعمال الحج { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بكم { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ } فإذا فرغتم من عباداتكم التي أمرتم بها في الحج ونفرتم { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَاءَكُمْ } أي فاذكروا الله ذكراً مثل ذكركم آباءكم . والمعنى فأكثروا من ذكر الله وبالغوا فيه كما تفعلون في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأيامهم . وكانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل فيعددون فضائل آبائهم ويذكرون محاسن أيامهم { أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } أي أكثر . وهو في موضع جر عطف على ما أضيف إليه الذكر في قوله « كذكركم » كما تقولون كذكر قريش آباءَهم أو قوم أشد منهم ذكراً و « ذكراً » تمييز . { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } فمن الذين يشهدون الحج من يسأل الله حظوظ الدنيا فيقول { رَبَّنَا ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا } اجعل إيتاءنا أي إعطاءنا في الدنيا خاصة يعني الجاه والغنى { وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ } نصيب لأن همه مقصور على الدنيا لكفره بالآخرة . والمعنى أكثروا ذكر الله ودعاءه لأن الناس من بين مقل لا يطلب بذكر الله إلا أغراض الدنيا ، ومكثر يطلب خير الدارين فكونوا من المكثرين أي من الذين قيل فيهم { وَمِنْهُمُ } ومن الذين يشهدون الحج { مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } نعمة وعافية ، أو علماً وعبادة . { وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً } عفواً ومغفرة ، أو المال والجنة ، أو ثناء الخلق ورضا الحق ، أو الإيمان والأمان ، أو الإخلاص والخلاص ، أو السنة والجنة ، أو القناعة والشفاعة ، أو المرأة الصالحة والحور العين ، أو العيش على سعادة والبعث من القبور على بشارة . { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } احفظنا من عذاب جهنم ، أو عذاب النار امرأة السوء . { أُوْلَـٰئِكَ } أي الداعون بالحسنتين { لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ } من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة ، أو من أجل ما كسبوا ، أو سمى الدعاء كسباً لأنه من الأعمال والأعمال موصوفة بالكسب ، ويجوز أن يكون أولئك للفريقين وأن لكل فريق نصيباً من جنس ما كسبوا { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب العباد فبادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة أو وصف نفسه بسرعة حساب الخلائق على كثرة عددهم وكثرة أعمالهم ليدل على كمال قدرته ووجوب الحذر من نقمته . وروي أنه يحاسب الخلق في قدر حلب شاة وروي في مقدار لمحة .