Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 224-228)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَِيْمَـٰنِكُمْ } العرضة فعلة بمعنى مفعول كالقبضة وهي اسم ما تعرضه دون الشيء من عرض العود على الإناء فيتعرض دونه ويصير حاجزاً ومانعاً منه . تقول فلان عرضة دون الخير ، وكان الرجل يحلف على بعض الخيرات من صلة رحم أو إصلاح ذات بين أو إحسان إلى أحد أوعبادة ثم يقول : أخاف الله أن أحنث في يميني فيترك البرّ إرادة البر في يمينه فقيل لهم ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أي حاجزاً لما حلفتم عليه ، وسمي المحلوف عليه يميناً بتلبسه باليمين كقوله عليه السلام " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه " وقوله { أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } عطف بيان لأيمانكم أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح بين الناس . واللام تتعلق بالفعل أي ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخاً ، ويجوز أن تكون اللام للتعليل ويتعلق « أن تبروا » بالفعل أو بالعرضة أي ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم به عرضة لأن تبروا « واللّه سميعٌ » لأيمانكم « عليمٌ » بنياتكم . { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ } اللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ، ولغو اليمين الساقط الذي لا يعتد به في الأيمان وهو أن يحلف على شيء يظنه على ما حلف عليه والأمر بخلافه ، والمعنى لا يعاقبكم « بلغو » اليمين الذي يحلفه أحدكم ، وعند الشافعي رحمه الله هو ما يجري على لسانه من غير قصد للحلف نحو « لا والله » و « بلى والله » . { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم } ولكن يعاقبكم { بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } بما اقترفته من إثم القصد إلى الكذب في اليمين وهو أن يحلف على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله وهو اليمين الغموس ، وتعلق الشافعي بهذا النص على وجوب الكفارة في الغموس لأن كسب القلب العزم والقصد ، والمؤاخذة غير مبينة هنا وبينت في المائدة فكان البيان ثمة بياناً هنا ، وقلنا : المؤاخذة هنا مطلقة . وهي في دار الجزاء والمؤاخذة ثم مقيدة بدار الابتلاء فلا يصح حمل البعض على البعض { وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } حيث لم يؤاخذكم باللغو في « أيمانكم » . { لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ } يقسمون وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنه و « من » في { مِن نّسَائِهِمْ } يتعلق بالجار والمجرور أي للذين كما تقول لك مني نصرة ولك مني معونة أي للمؤلين من نسائهم { تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } أي استقر للمؤلين ترقب أربعة أشهر لا بـ « يؤلون » لأن آلى يعدّى بـ « على » يقال آلى فلان على امرأته ، وقول القائل « آلى فلان من امرأته » وهم توهمه من هذه الآية . ولك أن تقول عدّي بـ « من » لما في هذا القسم من معنى البعد فكأنه قيل : يبعدون من نسائهم { فَإِن فَآءُوا } في الأشهر لقراءة عبد الله فإن فاءوا فيهن أي رجعوا إلى الوطء عن الإصرار بتركه { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } حيث شرع الكفارة { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلَـٰقَ } بترك الفيء فتربصوا إلى مضي المدة { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لإِيلائه { عَلِيمٌ } بنيته وهو وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة ، وعند الشافعي رحمه الله معناه فإن فاءوا وإن عزموا بعد مضي المدة لأن الفاء للتعقيب . وقلنا قوله : « فإن فاءوا » . « وإن عزموا » تفصيل لقوله « للذين يؤلون » من نسائهم والتفصيل يعقب المفصل كما تقول : أنا نزيلكم هذا الشهر فإن أحمدتكم أقمت عندكم إلى آخره وإلا لم أقم إلا ريثما أتحول . { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ } أراد المدخول بهن من ذوات الأقراء . { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ } خبر في معنى الأمر وأصل الكلام ولتتربص المطلقات ، وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص فهو يخبر عنه موجوداً ، ونحوه قولهم في الدعاء « رحمك الله » أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة كأنما وجدت الرحمة فهو يخبر عنها . وبناؤه على المبتدأ مما زاده أيضاً فضل تأكيد لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبات بخلاف الفعلية . وفي ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث ، لأن أنفس النساء طوامح إلى الرجال فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص . { ثَلَـٰثَةَ قُرُوءٍ } جمع قرء أو قرء وهو الحيض لقوله عليه السلام " دعي الصلاة أيام أقرائك " وقوله " طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان " ولم يقل طهران . وقوله تعالى : { وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نّسَائِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } [ الطلاق : 4 ] . فأقام الأشهر مقام الحيض دون الأطهار ، ولأن المطلوب من العدة استبراء الرحم والحيض هو الذي يستبرأ به الأرحام دون الطهر ولذلك كان الاستبراء من الأمة بالحيضة ، ولأنه لو كان طهراً كما قال الشافعي لانقضت العدة بقرأين وبعض الثالث فانتقص العدد عن الثلاثة ، لأنه إذا طلقها لآخر الطهر فذا محسوب من العدة عنده ، وإذا طلقها في آخر الحيض فذا غير محسوب من العدة عندنا ، والثلاث اسم خاص لعدد مخصوص لا يقع على ما دونه . ويقال أقرأت المرأة إذا حاضت وامرأة مقرىء . وانتصاب « ثلاثة » على أنه مفعول به أي يتربصن مضي ثلاثة قروء أو على الظرف أي يتربصن مدة ثلاثة قروء ، وجاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء لاشتراكهما في الجمعية اتساعاً ، ولعل القروء كانت أكثر استعمالاً في جمع قرء من الأقراء فأوثر عليه تنزيلاً لقليل الاستعمال منزلة المهمل . { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ } من الولد أو من دم الحيض أو منهما ، وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها أن تضع ، ولئلا يشفق على الولد فيترك تسريحها ، أو كتمت حيضها وقالت وهي حائض قد طهرت استعجالاً للطلاق ، ثم عظم فعلهن فقال { إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } لأن من آمن بالله وبعقابه لا يجترىء على مثله من العظائم { وَبُعُولَتُهُنَّ } البعول جمع بعل والتاء لاحقة لتأنيث الجمع { أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } أي أزواجهن أولى برجعتهن ، وفيه دليل أن الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء حيث سماه زوجاً بعد الطلاق { فِي ذٰلِكَ } في مدة ذلك التربص ، والمعنى أن الرجل إن أراد الرجعة وأبتها المرأة وجب إيثار قوله على قولها وكان هو أحق منها لا أن لها حقاً في الرجعة { إِنْ أَرَادُواْ } { إِصْلَـٰحاً } لما بينهم وبينهن وإحساناً إليهن ولم يريدوا مضارتهن { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ } ويجب لهن من الحق على الرجال من المهر والنفقة وحسن العشرة وترك المضارة مثل الذي يجب لهم عليهن من الأمر والنهي { بِٱلْمَعْرُوفِ } بالوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس ، فلا يكلف أحد الزوجين صاحبه ما ليس له . والمراد بالمماثلة مماثلة الواجب الواجب في كونه حسنة لا في جنس الفعل ، فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل نحو ذلك ولكن يقابله بما يليق بالرجال { وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } زيادة في الحق وفضيلة بالقيام بأمرها وإن اشتركا في اللذة والاستمتاع أو بالإنفاق وملك النكاح { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } لا يعترض عليه في أموره { حَكِيمٌ } لا يأمر إلا بما هو صواب وحسن .