Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 97-108)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ } له موسى { فَٱذْهَبْ } من بيننا طريداً { فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ } ما عشت { أَن تَقُولَ } لمن أراد مخالطتك جاهلاً بحالك { لاَ مِسَاسَ } أي لا يمسني أحد ولا أمسه فمنع من مخالطة الناس منعاً كلياً وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ، وإذا اتفق أن يماس أحداً حم الماس والممسوس . وكان يهيم في البرية يصيح لا مساس ويقال : إن ذلك موجود في أولاده إلى الآن . وقيل : أراد موسى عليه السلام أن يقتله فمنعه الله تعالى منه لسخائه { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } أي لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ينجزه لك في الآخرة بعدما عاقبك بذاك في الدنيا { لَّن تُخْلَفَهُ } مكي وأبو عمر وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفاً { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ } وأصله ظللت فحذف اللام الأولى تخفيفاً { عَاكِفاً } مقيماً { لَّنُحَرّقَنَّهُ } بالنار { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ } لنذرينه { فِى ٱلْيَمّ نَسْفاً } فحرقه وذراه في البحر فشرب بعضهم من مائة حباً له فظهرت على شفاههم صفرة الذهب . { إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْء عِلْماً } تمييز أي وسع علمه كل شيء . ومحل الكاف في { كَذٰلِكَ } نصب أي مثل ما اقتصصنا عليك قصة موسى وفرعون { نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ } من أخبار الأمم الماضية تكثيراً لبيناتك وزيادة في معجزاتك { وَقَدْ آتَيْنَـٰكَ } أي أعطيناك { مّن لَّدُنَّـا } من عندنا { ذِكْراً } قرآناً فهو ذكر عظيم وقرآن كريم فيه النجاة لمن أقبل عليه ، وهو مشتمل على الأقاصيص والأخبار الحقيقة بالتفكر والاعتبار { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } عن هذا الذكر وهو القرآن ولم يؤمن به { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وِزْراً } عقوبة ثقيلة سماها وزراً تشبيهاً في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الثقيل الذي ينقض ظهره ويلقى عليه بهره ، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم { خَـٰلِدِينَ } حال من الضمير في { يَحْمِلُ } وإنما جمع على المعنى ووحد في { فَإِنَّهُ } حملاً على لفظ من { فِيهِ } في الوزر أي في جزاء الوزر وهو العذاب { وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ حِمْلاً } ساء في حكم بئس وفيه مبهم يفسره { حِمْلاً } وهو تمييز واللام في { لَهُمْ } للبيان كما في { هَيْتَ لَكَ } [ يوسف : 23 ] والمخصوص بالذم محذوف لدلالة الوزر السابق عليه تقديره ساء الحمل حملاً وزرهم . { يَوْمَ يُنفَخُ } بدل من { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ، { ننفخ } أبو عمرو { فِى ٱلصُّورِ } القرن أو هو جمع صورة أي ننفخ الأرواح فيها دليله قراءة قتادة الصور بفتح الوّاو جمع صورة { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } حال أي عمياً كما قال { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا } [ الإسراء : 97 ] وهذا لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق { يَتَخَـٰفَتُونَ } يتسارون { بَيْنَهُمْ } أي يقول بعضهم لبعض سراً لهول ذلك اليوم { إِن لَّبِثْتُمْ } ما لبثتم في الدنيا { إِلاَّ عَشْراً } أي عشر ليال يستقصرون مدة لبثهم في القبور أو في الدنيا لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور فيتأسفون عليها ويصفونها بالقصر ، لأن أيام السرور قصار ، أو لأنها ذهبت عنهم والذاهب وإن طالت مدته قصير بالانتهاء ، أو لاستطالتهم الآخرة لأنها أبداً يستقصر إليها عمر الدنيا ويتقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة ، وقد رجح الله قول من يكون أشد تقالاً منهم بقوله { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أعد لهم قولاً { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } وهو كقوله { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ ٱلْعَادّينَ } [ المؤمنون : 113 ] . { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما يصنع بالجبال يوم القيامة ؟ وقيل : لم يسئل وتقديره إن سألوك { فَقُلْ } ولذا قرن بالفاء بخلاف سائر السؤالات مثل قوله { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } [ البقرة : 222 ] وقوله { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ قُلْ إصلاح لهم خير } [ البقرة : 220 ] { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ } [ البقرة : 219 ] { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي } [ الأعراف : 187 ] { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ } [ الإسراء : 85 ] { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ } [ الكهف : 83 ] لأنها سؤالات تقدمت فورد جوابها ولم يكن فيها معنى الشرط فلم يذكر الفاء . { يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً } أي يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذرى الطعام . وقال الخليل : يقلعها { فَيَذَرُهَا } فيذر مقارها أو يجعل الضمير للأرض للعلم بها كقوله { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا } [ فاطر : 45 ] { قَاعاً صَفْصَفاً } مستوية ملساء { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً } انخفاضاً { وَلا أَمْتاً } ارتفاعاً والعوج بالكسر إن كان في المعاني كما أن المفتوح في الأعيان والأرض عين ، ولكن لما استوت الأرض استواء لا يمكن أن يوجد فيها اعوجاج بوجه ما وإن دقت الحيلة ولطفت جرت مجرى المعاني { يَوْمَئِذٍ } أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال أي يوم إذ نسفت وجاز أن يكون بدلاً بعد بدل من يوم القيامة { يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ } إلى المحشر أي صوت الداعي وهو إسرافيل حين ينادي على صخرة بيت المقدس : أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلمي إلى عرض الرحمن فيقبلون من كل أوب إلى صوبه لا يعدلون عنه { لاَ عِوَجَ لَهُ } أي لا يعوج له مدعو بل يستوون إليه من غير انحراف متبعين لصوته { وَخَشَعَتِ } وسكنت { ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } هيبة وإجلالاً { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } صوتاً خفيفاً لتحريك الشفاه . وقيل : هو من همس الإبل وهو صوت أخفافها إذا مشت أي لا تسمع إلا خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر .