Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 113-122)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَيْسُواْ سَوَاءً } ليس أهل الكتاب مستوين { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } كلام مستأنف لبيان قوله « ليسوا سواء » كما وقع قوله { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } بياناً لقوله « كنتم خير أمة » { أمّةٌ قائمةٌ } جماعة مستقيمة عادلة من قولك « أقمت العود فقام » أي استقام وهم الذين أسلموا منهم { يَتْلُونَ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ } القرآن { ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ } ساعاته واحدها « إنى » كمعي أو « إنو » كقنو أو « إنى » كـ « نحى » . { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } يصلون . قيل : يريد صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها . وقيل : عبر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل مع السجود { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } بالإيمان وسائر أبواب البر { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } عن الكفر ومنهيات الشرع { وَيُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ } يبادرون إليها خشية الفوت . وقوله : « يتلون » و « يؤمنون » في محل الرفع صفتان لأمة أي أمة قائمة تالون مؤمنون . وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود من تلاوة آيات الله بالليل ساجدين ومن الإيمان بالله ، لأن إيمانهم به كلا إيمان لإشراكهم به عزيراً وكفرهم ببعض الكتب والرسل ومن الإيمان باليوم الآخر لأنهم يصفونه بخلاف صفته ، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهم كانوا مداهنين ، ومن المسارعة في الخيرات لأنهم كانوا متباطئين عنها غير راغبين فيها ، والمسارعة في الخير فرط الرغبة فيه لأن من رغب في الأمر سارع بالقيام به { وَأُوْلـٰئِكَ } الموصوفون بما وصفوا به { مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } من المسلمين أو من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } بالياء فيهما كوفي غير أبي بكر وأبو عمرو . مخير غيرهم بالتاء . وعدي « يكفروه » إلى مفعولين وإن كان شكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحد تقول شكر النعمة وكفرها لتضمنه معنى الحرمان كأنه قيل : فلن تحرموه أي فلن تحرموا جزاءه { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } بشارة للمتقين بجزيل الثواب . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلـٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئًا } أي من عذاب الله { وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِى هِـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } في المفاخر والمكارم وكسب الثناء وحسن الذكر بين الناس أو ما يتقربون به إلى الله مع كفرهم { كَمَثَلِ رِيحٍ } كمثل مهلك ريح وهو الحرث أو مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح { فِيهَا صِرٌّ } برد شديد عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو مبتدأ وخبر في موضع جر صفة لـ « ريح » مثل { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بالكفر { فَأَهْلَكَتْهُ } عقوبة على كفرهم { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } بإهلاك حرثهم { وَلَـٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بارتكاب ما استحقوا به العقوبة ، أو يكون الضمير للمنفقين أي وما ظلمهم الله بأن لم يقبل نفقاتهم ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث لم يأتوا بها لائقة للقبول . ونزل نهياً للمؤمنين عن مصافات المنافقين { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً } بطانة الرجل ووليجته خصيصه وصفيه شبه ببطانة الثوب كما يقال « فلان شعاري » وفي الحديث " الأنصار شعار والناس دثار " { مّن دُونِكُمْ } من دون أبناء جنسكم وهم المسلمون وهو صفة لبطانة أي بطانة كائنة من دونكم مجاوزة لكم { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } في موضع النصب صفة لبطانة يعني لا يقصرون في فساد دينكم يقال « ألا في الأمر يألو » إذا قصر فيه ، والخبال الفساد . وانتصب « خبالاً » على التمييز أوعلى حذف في أي في خبالكم { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } أي عنتكم فـ « ما » مصدرية . والعنت شدة الضرر والمشقة أي تمنوا أن يضروكم في دينكم ودنياكم أشد الضرر وأبلغه ، وهو مستأنف على وجه التعليل للنهي عن اتخاذهم بطانة كقوله { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوٰهِهِمْ } لأنهم لا يتمالكون مع ضبطهم أنفسهم أن ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضه للمسلمين { وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ } مع البغض لكم { أَكْبَرُ } مما بدا { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَـٰتِ } الدالة على وجوب الإخلاص في الدين وموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ما بين لكم . { هَاأَنتُمْ أُوْلاءِ } « ها » للتنبيه و « أنتم » مبتدأ و « أولاء » خبره أي أنتم أولاء الخاطئون في موالاة منافي أهل الكتاب { تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } بيان لخطئهم في موالاتهم حيث يبذلون محبتهم لأهل البغضاء ، أو أولاء موصول صلته « تحبونهم » . والواو في { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ كُلّهِ } للحال وانتصابها من « لا يحبونكم » أي لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم كله وهم مع ذلك يبغضونكم ، فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم ؟ وفيه توبيخ شديد لأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم . وقيل : الكتاب للجنس . { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ ءَامَنَّا } أظهروا كلمة التوحيد { وَإِذَا خَلَوْاْ } فارقوكم أو خلا بعضهم ببعض { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } يوصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل والبنان والإبهام { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به ، والمراد بزيادة الغيظ زيادة ما يغيظهم من قوة الإسلام وعز أهله ومالهم في ذلك من الذل والخزي { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } فهو يعلم ما في صدور المنافقين من الحنق والبغضاء وما يكون منهم في حال خلو بعضهم ببعض ، وهو داخل في جملة المقول أي أخبرهم بما يسرونه من عضهم الأنامل غيظاً إذا خلوا وقل لهم : إن الله عليم بما هو أخفى مما تسرونه بينكم وهو مضمرات الصدور ، فلا تظنوا أن شيئاً من أسراركم يخفى عليه أو خارج عن المقول ، أي قل لهم ذلك يا محمد ولا تتعجب من إطلاعي إياك على ما يسرون فإني أعلم بما هو أخفى من ذلك وهو ما أضمروه في صدورهم { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ } رخاء وخصب وغنيمة ونصرة { تَسُؤْهُمْ } تحزنهم إصابتها { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ } أضداد ما ذكرنا . والمس مستعار من الإصابة فكأن المعنى واحد ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ } [ التوبة : 50 ] { يَفْرَحُواْ بِهَا } بإصابتها { وَإِن تَصْبِرُواْ } على عداوتهم { وَتَتَّقُواْ } ما نهيتم عنه من موالاتهم ، أو وإن تصبروا على تكاليف الدين ومشاقه وتتقوا الله في اجتنابكم محارمه { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } مكرهم وكنتم في حفظ الله ، وهذا تعليم من الله وإرشاد إلى أن يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى . وقال الحكماء : إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلاً في نفسك . { لاَ يَضُرُّكُمْ } : مكي وبصري ونافع من ضاره يضيره بمعنى ضره وهو واضح . والمشكل قراءة غيرهم لأنه جواب الشرط وجواب الشرط مجزوم فكان ينبغي أن يكون بفتح الراء كقراءة المفضل عن عاصم ، إلا أن ضمة الراء لإتباع ضمة الضاد نحو « مد يا هذا » { إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ } بالتاء : سهل أي من الصبر والتقوى وغيرهما { مُحِيطٌ } ففاعل بكم ما أنتم أهله . وبالياء : غيره أي أنه عالم بما يعملون في عداوتكم فمعاقبهم عليه . { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } واذكر يا محمد إذ خرجت غدوة من أهلك بالمدينة ، والمراد غدوة من حجرة عائشة رضي الله عنها إلى أحد { تُبَوّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } تنزلهم وهو حال { مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } مواطن ومواقف من الميمنة والميسرة والقلب والجناحين والساقة . و « للقتال » يتعلق بـ « تبوىء » { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } سميع لأقوالكم عليم بنياتكم وضمائركم . رُوي أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن أبيّ فاستشاره فقال : أقم بالمدينة فما خرجنا على عدو قط إلا أصاب منا ، وما دخلوا علينا إلا أصبنا منهم . فقال عليه السلام : " إني رأيت في منامي بقراً مذبحة حولي فأولتها خيراً ، ورأيت في ذباب سيفي ثلمة فأولتها هزيمة ، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة ، فلم يزل به قوم ينشطون في الشهادة حتى لبس لأمته ثم ندموا " فقالوا : الأمر إليك يا رسول الله فقال عليه السلام " لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل " فخرج بعد صلاة الجمعة وأصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال { إِذْ هَمَّتْ } بدل من « إذ غدوت » أو عمل فيه معنى « عليم » { طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ } خيان من الأنصار : بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس . وكان عليه السلام خرج إلى أحد في ألف ، والمشركون في ثلاثة آلاف ، ووعدهم الفتح إن صبروا فانخذل عبد الله بن أبيّ بثلث الناس وقال : علام نقتل أنفسنا وأولادنا ؟ فهم الحيان باتباعه فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله { أَن تَفْشَلاَ } أي بأن تفشلا أي بأن تجبنا وتضعفا والفشل الجبن والخور { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } محبهما أو ناصرهما أو متولي أمرهما فما لهما تفشلان ولا تتوكلان على الله { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أمرهم بأن لا يتوكلوا إلا عليه ولا يفوضوا أمورهم إلا إليه . قال جابر : والله ما يسرنا أنا لم نهم بالذي هممنا به وقد أخبرنا الله بأنه ولينا . ثم ذكرهم ما يوجـب عليهم التوكل مما يسر لهم من الفتح يوم بدر وهم في حال قلة وذلة فقال :