Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 192-200)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } أهنته أو أهلكته أو فضحته ، واحتج أهل الوعيد بالآية مع قوله : { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللهُ ٱلنَّبِىَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ } [ التحريم : 8 ] . في أن من يدخل النار لا يكون مؤمناً ويخلد . قلنا : قال جابر : إخزاء المؤمن تأديبه وإن فوق ذلك لخزياً { وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ } اللام إشارة إلى من يدخل النار والمراد الكفار { مِنْ أَنصَارٍ } من أعوان وشفعاء يشفعون لهم كما للمؤمنين { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً } تقول : سمعت رجلاً يقول كذا ، فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع فأغناك عن ذكره ، ولولا الوصف لم يكن منه بد وأن يقال سمعت كلام فلان . والمنادي هو الرسول عليه السلام أو القرآن { يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } لأجل الإيمان بالله ، وفيه تفخيم لشأن المنادي إذ لا منادي أعظم من منادٍ ينادي للإيمان { أَنْ ءَامِنُواْ } بأن آمنوا أو أي آمنوا { بِرَبّكُمْ فَـئَامَنَّا } قال الشيخ أبو منصور رحمه الله : فيه دليل بطلان الاستثناء في الإيمان { رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } كبائرنا { وَكَفّرْ عَنَّا سَيّئَـٰتِنَا } صغائرنا { وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } مخصوصين بصحبتهم معدودين في جملتهم ، والأبرار والمتمسكون بالسنة جمع « بر » أو « بار » كـ « رب » وأرباب وصاحب وأصحاب { رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } أي على تصديق رسلك ، أو ما وعدتنا منزلاً على رسلك ، أو على ألسنة رسلك ، و « على » متعلق بـ « وعدتنا » والموعود هو الثواب أو النصرة على الأعداء . وإنما طلبوا إنجـاز ما وعد الله والله لا يخلف الميعاد لأن معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد ، أو المراد اجعلنا ممن لهم الوعد إذ الوعد غير مبين لمن هو ، أو المراد ثبتنا على ما يوصلنا إلى عدتك يؤيده قوله { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أو هو إظهار للخضوع والضراعة { إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } هو مصدر بمعنى الوعد . { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } أي أجاب يقال استجاب له واستجابه { أَنّى } بأني { لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } « منكم » صفة لـ عامل { مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } بيان لـ « عامل » { بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ } الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر كلكم بنو آدم ، أو بعضكم من بعض في النصرة والدين ، وهذه جملة معترضة بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله به عباده العاملين . عن جعفر الصادق رضي الله عنه : من حزبه أمر فقال خمس مرات : « ربنا » ، أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ الآيات . { فَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ } مبتدأ وهو تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له كأنه قال : فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة وهي المهاجرة عن أوطانهم فارين إلى الله بدينهم إلى حيث يأمنون عليه ، فالهجرة كائنة في آخر الزمان كما كانت في أول الإسلام { وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } التي ولدوا فيها ونشأوا { وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى } بالشتم والضرب ونهب المال يريد سبيل الدين { وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ } وغزوا المشركين واستشهدوا ، « وقتّلوا » : مكي وشامي ، « وقتلوا وقاتلوا » على التقديم والتأخير : حمزة وعلي . وفيه دليل على أن الواو لا توجب الترتيب والخبر . { لاكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ وَلاَدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } وهو جواب قسم محذوف { ثَوَاباً } في موضع المصدر المؤكد يعني إثابة أو تثويباً { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } لأن قوله « لأكفرن عنهم ولأدخلنهم » في معنى لأثيبنهم { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } أي يختص به ولا يقدر عليه غيره . وروي أن طائفة من المؤمنين قالوا : إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع ، فنزل { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } والخطاب لكل أحد أو للنبي عليه السلام والمراد به غيره ، أو لأن مدره القوم ومقدّمهم يخاطب بشيء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعاً فكأنه قيل : لا يغرنكم . أو لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غير مغرور بحالهم فأكد عليه ما كان عليه وثبت على التزامه كقوله { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لّلْكَـٰفِرِينَ } [ القصص : 86 ] { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] وهذا في النهي نظير قوله في الأمر { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الفاتحة : 7 ] { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ } ( النساء 136 ) . { مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ } خبر مبتدإ محذوف أي تقلبهم في البلاد متاع قليل ، وأراد قتله في جنب ما فاتهم من نعيم الآخرة أو في جنب ما أعد الله للمؤمنين من الثواب ، أو أراد أنه قليل في نفسه لانقضائه وكل زائل قليل { ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } وساء ما مهدوا لأنفسهم { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } عن الشرك { لَهُمْ جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلاٍ } النزل والنزل ما يقام للنازل وهو حال من « جنات » لتخصصها بالصفة ، والعامل اللام في « لهم » أو هو مصدر مؤكد كأنه قيل رزقاً أو عطاء { مّن عند اللّه } صفة له { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } من الكثير الدائم { خَيْرٌ لّلابْرَارِ } مما يتقلب فيه الفجـار من القليل الزائل . « لكن » بالتشديد : يزيد وهو للاستدراك أي لإبقاء لتمتعهم لكن ذلك للذين اتقوا . ونزلت في ابن سلام وغيره من مسلمي أهل الكتاب ، أو في أربعين من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم وكانوا على دين عيسى عليه السلام فأسلموا . { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } دخلت لام الابتداء على اسم « إن » لفصل الظرف بينهما { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } من القرآن { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } من الكتابين { خَـٰشِعِينَ للَّهِ } حال من فاعل « يؤمن » لأن من يؤمن في معنى الجمع { لاَ يَشْتَرُونَ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } كما يفعل من لم يسلم من أحبارهم وكبارهم وهو حال بعد حال أي غير مشترين { أُوْلـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ } أي ما يختص بهم من الأجر وهو ما وعده في قوله { أولئك يؤتون أجرهم مرتين } [ القصص : 54 ] { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } لنفوذ علمه في كل شيء . { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ } على الدين وتكاليفه . قال الجنيد رضي الله عنه : الصبر حبس النفس على المكروه بنفي الجزع { وَصَابِرُواْ } أعداء الله في الجهاد أي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا أقل صبراً منهم وثباتاً { وَرَابِطُواْ } وأقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها مترصدين مستعدين للغزو { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الفلاح : البقاء مع المحبوب بعد الخلاص عن المكروه ، و « لعل » لتغييب المآل لئلا يتكلوا على الآمال عن تقديم الأعمال . وقيل : اصبروا في محبتي ، وصابروا في نعمتي ، ورابطوا أنفسكم في خدمتي لعلكم تفلحون تظفرون بقربتي . قال النبي صلى الله عليه وسلم " اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما " والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .