Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 1-17)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مكية وهي ثلاثون آية مدني وكوفي ، وتسع وعشرون آية بصري بسم الله الرحمن الرحيم { الم } على أنها اسم السورة مبتدأ وخبره { تنزيل الكتاب } وإن جعلتها تعديداً للحروف ارتفع { تنزيل } بأنه خبر مبتدأ محذوف أو هو مبتدأ خبره { لا ريب فيه } أو يرتفع بالابتداء وخبره { من رّبّ العالمين } و { لا ريب فيه } اعتراض لا محل له ، والضمير في { فيه } راجع إلى مضمون الجملة كأنه قيل : لا ريب في ذلك أي في كونه منزلاً من رب العالمين لأنه معجز للبشر ومثله أبعد شيء من الريب . ثم أضرب عن ذلك إلى قوله { أم يقولون افتراه } أي اختلقه محمد لأن « أم » هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل والهمزة معناه بل أيقولون افتراه إنكاراً لقولهم وتعجيباً منهم لظهور أمره في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات منه { بل هو الحقّ } ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق { من رّبّك } ولم يفتره محمد صلى الله عليه وسلم كما قالوا تعنتاً وجهلاً { لتنذر قوماً } أي العرب { مّا أتاهم مّن نّذيرٍ مّن قبلك } « ما » للنفي والجملة صفة لـ { قوماً } { لعلّهم يهتدون } على الترجي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان لعله يتذكر على الترجي من موسى وهارون . { الله الّذي خلق السّماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش } استولى عليه بإحداثه { ما لكم مّن دونه } من دون الله { من وليّ ولا شفيعٍ } أي إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم ولياً أي ناصراً ينصركم ولا شفيعاً يشفع لكم { أفلا تتذكّرون } تتعظون بمواعظ الله { يدبّر الأمر } أي أمر الدنيا { من السّماء إلى الأرض } إلى أن تقوم الساعة { ثمّ يعرج إليه } ذلك الأمر كله أي يصير إليه ليحكم فيه { في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ } وهو يوم القيامة { مّمّا تعدّون } من أيام الدنيا ولا تمسّك للمشبهة بقوله { إليه } في إثبات الجهة لأن معناه إلى حيث يرضاه أو أمره كما لا تشبث لهم بقوله : { إني ذاهب إلى ربي } [ الصافات : 99 ] . { إني مهاجر إلى ربي } [ العنكبوت : 26 ] . { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله } [ النساء : 100 ] . { ذلك عالم الغيب والشّهادة } أي الموصوف بما مر عالم ما غاب عن الخلق وما شاهدوه { العزيز } الغالب أمره { الرّحيم } البالغ لطفه وتيسيره . وقيل : لا وقف عليه لأن { الّذي } صفته { أحسن كلّ شيءٍ } أي حسنه لأن كل شيء مرتب على ما اقتضته الحكمة { خلقه } كوفي ونافع وسهل على الوصف أي كل شيء خلقه فقد أحسن { خلقه } غيرهم على البدل أي أحسن خلق كل شيء { وبدأ خلق الإنسان } آدم { من طينٍ ثمّ جعل نسله } ذريته { من سلالةٍ } من نطفة { مّن مّاءٍ } أي مني وهو بدل من { سلالة } { مّهينٍ } ضعيف حقير { ثمّ سواه } قومه كقوله { في أحسن تقويم } [ التين : 4 ] { ونفخ } أدخل { فيه من رّوحه } الإضافة للاختصاص كأنه قال : ونفخ فيه من الشيء الذي اختص هو به وبعلمه { وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة } لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا { قليلاً مّا تشكرون } أي تشكرون قليلاً . { وقالوا } القائل أبيّ بن خلف ولرضاهم بقوله أسند إليهم { أءذا ضللنا في الأرض } أي صرنا تراباً وذهبنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميز منه كما يضل الماء في اللبن ، أو غبنا في الأرض بالدفن فيها . وقرأ عليٌّ { ضللنا } بكسر اللام يقال : ضل يضل وضل يضل . وانتصب الظرف في { أإذا ضللنا } بما يدل عليه { أءنّا لفي خلقٍ جديدٍ } وهو نبعث { بل هم بلقاء ربّهم كافرون } جاحدون . لما ذكر كفرهم بالبعث أضرب عنه إلى ما هو أبلغ وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة لا بالبعث وحده { قل يتوفّاكم مّلك الموت الّذي وكّل بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون } أي يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم ثم ترجعون إلى ربكم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء وهذا معنى لقاء الله . والتوفي استيفاء النفس وهي الروح أي يقبض أرواحكم أجمعين من قولك « توفيت حقي من فلان » إذا أخذته وافياً كاملاً من غير نقصان . وعن مجاهد : حويت لملك الموت الأرض وجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء . وقيل : ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه ثم يأمر أعوانه بقبضها والله تعالى هو الآمر لذلك كله وهو الخالق لأفعال المخلوقات . وهذا وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله { توفته رسلنا } [ الأنعام : 61 ] وقوله { الله يتوفى الأنفس حين موتها } [ الزمر : 42 ] . { ولو ترى } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد و « لو » امتناعية والجواب محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً { إذ المجرمون } هم الذين قالوا { أءذا ضللنا في الأرض } و « لو » و « إذ » للمضي وإنما جاز ذلك لأن المترقب من الله بمنزلة الموجود ولا يقدر لترى ما يتناوله كأنه قيل : ولو تكون منك الرؤية و « إذ » ظرف له { ناكسوا رؤوسهم } من الذل والحياء والندم { عند ربّهم } عند حساب ربهم ويوقف عليه لحق الحذف إذ التقدير ويقولون { ربّنا أبصرنا } صدق وعدك وعيدك { وسمعنا } منك تصديق رسلنا أو كنا عمياً وصماً فأبصرنا وسمعنا { فارجعنا } إلى الدنيا { نعمل صالحاً } أي الإيمان والطاعة { إنّا موقنون } بالبعث والحساب الآن { ولو شئنا لآتينا كلّ نفسٍ هداها } في الدنيا أي لو شئنا أعطينا كل نفس ما عندنا من اللطف الذي لو كان منهم اختيار ذلك لاهتدوا لكن لم نعطهم ذلك اللطف لما علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره ، وهو حجة على المعتزلة فإن عندهم شاء الله أن يعطي كل نفس ما به اهتدت وقد أعطاها لكنها لم تهتد ، وهم أوّلوا الآية بمشيئة الجبر وهو تأويل فاسد لما عرف في تبصر الأدلة . { ولكن حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين } ولكن وجب القول مني بما علمت أنه يكون منهم ما يستوجبون به جهنم وهو ما علم منهم أنهم يختارون الرد والتكذيب . وفي تخصيص الإنس والجن إشارة إلى أنه عصم ملائكته عن عمل يستوجبون به جهنم . { فذوقوا } العذاب { بما نسيتم لقاء } بما تركتم من عمل لقاء { يومكم هذا } وهو الإيمان به { إنّا نسيناكم } تركناكم في العذاب كالمنسي { وذقوا عذاب الخلد } أي العذاب الدائم الذي لا انقطاع له { بما كنتم تعملون } من الكفر والمعاصي . { إنّما يؤمن بآياتنا الّذين إذا ذكّروا بها } أي وعظوا بها { خرّوا سجّداً } سجدوا لله تواضعاً وخشوعاً وشكراً على ما رزقهم من الإسلام { وسبّحوا بحمد ربّهم } ونزهوا الله عما لا يليق به وأثنوا عليه حامدين له { وهم لا يستكبرون } عن الإيمان والسجود له { تتجافى } ترتفع وتنتحي { جنوبهم عن المضاجع } عن الفرض ومضاجع النوم . قال سهل : وهب لقوم هبة وهو أن أذن لهم في مناجاته وجعلهم من أهل وسيلته ثم مدحهم عليه فقال { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } { يدعون } داعين { ربّهم } عابدين له { خوفاً وطمعاً } مفعول له أي لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته وهم المتهجدون . وعن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها قيام العبد من الليل . وعن ابن عطاء : أبت جنوبهم أن تسكن على بساط الغفلة وطلبت بساط القربة يعني صلاة الليل . وعن أنس : كان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الأخيرة فنزلت فيهم . وقيل : هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها . { وممّا رزقناهم ينفقنون } في طاعة الله تعالى { فلا تعلم نفسٌ مّا أخفي لهم } « ما » بمعنى « الذي » { أخفي } على حكاية النفس : حمزة ويعقوب { مّن قرّة أعينٍ } أي لا يعلم أحد ما أعد لهؤلاء من الكرامة { جزاءً } مصدر أي جوزوا جزاء { بما كانوا يعملون } عن الحسن رضي الله عنه : أخفى القوم أعمالاً فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت . وفيه دليل على أن المراد الصلاة في جوف الليل ليكون الجزاء وفاقاً . ثم بين أن من كان في نور الطاعة والإيمان لا يستوي مع من هو في ظلمة الكفر والعصيان بقوله :