Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 1-8)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مدنية وهي ثلاث وسبعون آية بسم الله الرحمن الرحيم قال أبيّ بن كعب رضي الله عنه لزرّ : كم تعدون سورة الأحزاب ؟ قال : ثلاثاً وسبعين . قال : فوالذي يحلف به أبيّ إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم « الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم » . أراد أبيّ أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن . وأما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة رضي الله عنها فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض . { يا أيّها النّبيّ } وبالهمز : نافع أي يا أيها المخبر عنا المأمون على أسرارنا المبلغ خطابنا إلى أحبابنا . وإنما لم يقل « يا محمد » كما قال { يا آدم } { يا موسى } تشريفاً له وتنويهاً بفضله ، وتصريحه باسمه في قوله { محمد رسول الله } [ الفتح : 29 ] ونحوه لتعليم الناس بأنه رسول الله { اتّق الله } اثبت على تقوى الله ودم عليه وازدد منه فهو باب لا يدرك مداه { ولا تطع الكافرين والمنافقين } ولا تساعدهم على شيء واحترس منهم فإنهم أعداء الله والمؤمنين . وروي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد فنزلوا على عبد الله بن أبيّ وأعطاهم النبي الأمان على أن يكلموه فقالوا : ارفض ذكر آلهتنا وقل إنها تنفع وتشفع ، ووازرهم المنافقون على ذلك فهمّ المسلمون بقتلهم فنزلت . أي اتق الله في نقض العهد ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا { إنّ الله كان عليماً } بخبث أعمالهم { حكيماً } في تأخير الأمر بقتالهم . { واتّبع ما يوحى إليك من رّبّك } في الثبات على التقوى وترك طاعة الكافرين والمنافقين { إنّ الله } الذي يوحي إليك { كان بما تعملون خبيراً } أي لم يزل عالماً بأعمالهم وأعمالكم . وقيل : إنما جمع لأن المراد بقوله { اتبع } هو وأصحابه ، وبالياء : أبو عمر وأي بما يعمل الكافرون والمنافقون من كيدهم لكم ومكرهم بكم { وتوكّل على الله } أسند أمرك إليه وكله إلى تدبيره { وكفى بالله وكيلاً } حافظاً موكولاً إليه كل أمر ، وقال الزجاج : لفظه وإن كان لفظ الخبر فالمعنى اكتف بالله وكيلاً . { مّا جعل الله لرجلٍ مّن قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم الّـٰىء تظاهرون منهنّ أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم } أي ما جمع الله قلبين في جوف ، ولا زوجية وأمومة في امرأة ، ولا بنوة ودعوة في رجل . والمعنى أنه تعالى كما لم يجعل لإنسان قلبين لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر فعلاً من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليه ، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً عالماً ظاناً موقناً شاكاً في حالة واحدة . لم يحكم أيضاً أن تكون المرأة الواحدة أما لرجل زوجاً له ، لأن الأم مخدومة والمرأة خادمة وبينهما منافاة ، وأن يكون الرجل الواحد دعياً لرجل وابناً له لأن البنوة أصالة في النسب والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير ، ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلاً غير أصيل . وهذا مثل ضربه الله تعالى في زيد بن حارثة وهو رجل من كلب سبي صغيراً فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة ، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له فطلبه أبوه وعمه فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه وكانوا يقولون « زيد بن محمد » ، فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب وكانت تحت زيد قال المنافقون : تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى عنه فأنزل الله هذه الآية ، وقيل : كان المنافقون يقولون : لمحمد قلبان قلب معكم وقلب مع أصحابه . وقيل : كان أبو معمر أحفظ العرب فقيل له « ذو القلبين » فأكذب الله قولهم وضربه مثلاً في الظهار والتبني . والتنكير في { رجل } وإدخال « من » الاستغراقية على { قلبين } وذكر الجوف للتأكيد . { اللائي } بياء بعد الهمزة حيث كان : كوفي وشامي ، { اللاء } نافع ويعقوب وسهل وهي جمع . { التي تُظاهِرون } عاصم من ظاهر إذا قال لامرأته « أنت علي كظهر أمي » { تَظَاهَرون } علي وحمزة وخلف . { تَظَّاهرون } شامي من ظاهر بمعنى تظاهر . غيرهم { تظّهّرون } من اظّهّر بمعنى تظهر . وعُدي بـ « من » لتضمنه معنى البعد لأنه كان طلاقاً في الجاهلية ونظيره « آلى من امرأته » لما ضمن معنى التباعد عدي بـ « من » وإلا فآلى في أصله الذي هو معنى حلف وأقسم ليس هذا بحكمه . والدعي فعيل بمعنى مفعول وهو الذي يدعي ولداً ، وجمع على أفعلاء شاذاً لأن بابه ما كان منه بمعنى فاعل كتقي وأتقياء وشقي وأشقياء ولا يكون ذلك في نحو « رمي » و « سميّ » للتشبيه اللفظي . { ذلكم قولكم بأفواهكم } أي أن قولكم للزوجة هي أم وللدعي هو ابن قول تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له إذ الابن يكون بالولادة وكذا الأم { والله يقول الحقّ } أي ما حق ظاهره وباطنه { وهو يهدى السّبيل } أي سبيل الحق . ثم قال ما هو الحق وهدى إلى ما هو سبيل الحق وهو قوله { ادعوهم لآبائهم هو أقسط } أعدل { عند الله } وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط والعدل . وقيل : كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه ولد الرجل ضمه إلى نفسه وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده من ميراثه . وكان ينسب إليه فيقال فلان بن فلان . ثم انظر إلى فصاحة هذا الكلام حيث وصل الجملة الطلبية ثم فصل الخبرية عنها ووصل بينها ، ثم فصل الاسمية عنها ووصل بينها ثم فصل بالطلبية { فإن لّم تعلموا آباءهم } فإن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم { فإخوانكم في الدّين ومواليكم } أي فهم إخوانكم في الدين وأولياؤكم في الدين فقولوا هذا أخي وهذا مولاي ويا أخي ويا مولاي ، يريد الأخوة في الدين والولاية فيه . { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهي { وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } ولكن الإثم عليكم فيما تعمدتموه بعد النهي . أولا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم يا بني على سبيل الخطأ وسبق اللسان ، ولكن إذا قلتموه متعمدين ، و « ما » في موضع الجر عطف على « ما » الأولى ، ويجوز أن يراد العفو عن الخطأ دون العمد على سبيل العموم ثم تناول لعمومه خطأ التبني وعمده . وإذا وجد التبني فإن كان المتبني مجهول النسب وأصغر سناً منه ثبت نسبه منه وعتق إن كان عبداً له ، وإن كان أكبر سناً منه لم يثبت النسب وعتق عند أبي حنيفة رضي الله عنه ، وأما المعروف النسب فلا يثبت نسبه بالتبني وعتق إن كان عبداً { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } لا يؤاخذكم بالخطأ ويقبل التوبة من المتعمد . { ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا ، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها ، فعليهم أن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه ، أو هو أولى بهم أي أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم كقوله { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رؤوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] وفي قراءة ابن مسعود { ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } وهو لهم ، وقال مجاهد : كل نبي أبو أمته ولذلك صار المؤمنون إخوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبوهم في الدين { وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ } في تحريم نكاحهن ووجوب تعظيمهن وهن فيما وراء ذلك كالإرث ونحوه كالأجنبيات ولهذا لم يتعد التحريم إلى بناتهن { وَأُوْلُواْ ٱلأرْحَامِ } وذوو القرابات { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } في التوارث وكان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين وبالهجرة لا بالقرابة ثم نسخ ذلك وجعل التوارث بحق القرابة { فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } في حكمه وقضائه أو في اللوح المحفوظ أو فيما فرض الله { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ } يجوز أن يكون بياناً لأولي الأرحام أي الأقرباء من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضاً من الأجانب ، وأن يكون لابتداء الغاية أي أولو الأرحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين أي الأنصار بحق الولاية في الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة { إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفاً } الاستثناء من خلاف الجنس أي لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفاً جائز وهو أن توصوا لمن أحببتم من هؤلاء بشيء فيكون ذلك بالوصية لا بالميراث . وعدي { تَفْعَلُواْ } بـ « إلى » لأنه في معنى تسدوا والمراد بالأولياء المؤمنون والمهاجرون للولاية في الدين { كَانَ ذٰلِك فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُورًا } أي التوارث بالأرحام كان مسطوراً في اللوح . { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ } واذكر حين أخذنا من النبيين ميثاقهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم { وَمِنْكَ } خصوصاً . وقدم رسول الله على نوح ومن بعده لأن هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء لأنهم أولو العزم وأصحاب الشرائع ، فلما كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل هؤلاء قدم عليهم ولولا ذلك لقدم من قدمه زمانه { وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَاقًا غَلِيظاً } وثيقاً . وأعاد ذكر الميثاق لانضمام الوصف إليه وإنما فعلنا ذلك { لّيسئل } الله { ٱلصَّـٰدِقِينَ } أي الأنبياء { عَن صِدْقِهِمْ } عما قالوه لقومهم أو ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم لأن من قال للصادق صدقت كان صادقاً في قوله ، أو ليسأل الأنبياء ما الذي أجابتهم أممهم وهو كقوله { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ } [ المائدة : 109 ] { وَأَعَدَّ لِلْكَـٰفِرِينَ } بالرسل { عَذَاباً أَلِيماً } وهو عطف على { أَخَذْنَا } لأن المعنى أن الله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين وأعد للكافرين عذاباً أليماً ، أو على ما دل عليه { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } كأنه قال : فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين .