Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 38-49)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِىّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ } أحل له وأمر له وهو نكاح زينب امرأة زيد أو قدر له من عدد النساء { سُنَّةَ ٱللَّهِ } اسم موضع موضع المصدر كقولهم « تراباً وجندلاً » مؤكد لقوله { مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِىّ مِنْ حَرَجٍ } كأنه قيل : سن الله ذلك سنة في الأنبياء الماضين وهو أن لا يحرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره ، وقد كانت تحتهم المهائر والسراري وكانت لداود مائة امرأة وثلثمائة سرية ولسليمان ثلثمائة حرة وسبعمائة سرية { فِى ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } في الأنبياء الذين مضوا من قبل { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } قضاء مقضياً وحكماً مبتوتاً ، ولا وقف عليه إن جعلت { ٱلَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالـٰتِ ٱللَّهِ } بدلاً من { ٱلَّذِينَ } الأول ، وقف إن جعلته في محل الرفع أو النصب على المدح أي هم الذين يبلغون أو أعني الذي يبلغون { وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ } وصف الأنبياء بأنهم لا يخشون إلا اللّه تعريض بعد التصريح في قوله { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـٰهُ } { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } كافياً للمخاوف ومحاسباً على الصغيرة والكبيرة فكان جديراً بأن تخشى منه . { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ } أي لم يكن أبا رجل منكم حقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح ، والمراد من رجالكم البالغين ، والحسن والحسين لم يكونا بالغين حينئذ والطاهر والطيب والقاسم وإبراهيم توفوا صبياناً { وَلَـٰكِنِ } كان { رَسُولِ ٱللَّهِ } وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه لا في سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء ، وزيد واحد من رجالكم الذين ليسوا بأولاده حقيقة فكان حكمه كحكمكم والتبني من باب الاختصاص والتقريب لا غير { وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيّينَ } بفتح التاء عاصم بمعنى الطابع أي آخرهم يعني لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبي قبله ، وحين ينزل ينزل عاملاً على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كأنه بعض أمته . وغيره بكسر التاء بمعنى الطابع وفاعل الختم . وتقوّيه قراءة ابن مسعود { وَلَـٰكِنِ نَبِيّاً خَتَمَ ٱلنَّبِيّينَ } { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } أثنوا عليه بضروب الثناء وأكثروا ذلك { وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً } أول النهار { وَأَصِيلاً } آخر النهار ، وخصا بالذكر لأن ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون فيهما . وعن قتادة : قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . والفعلان أي اذكروا الله وسبحوه موجهان إلى البكرة والأصيل كقولك « صم وصل يوم الجمعة » . والتسبيح من جملة الذكر ، وإنما اختص من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة إبانة لفضله على سائر الأذكار ، لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات . وجاز أن يراد بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والعبادات فإنها من جملة الذكر ، ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وهي صلاة الفجر وأصيلاً وهي صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أو صلاة الفجر والعشاءين . { هُوَ ٱلَّذِى يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلَـئِكَتُهُ } لما كان من شأن المصلي أن ينعطف في ركوعه وسجوده استعير لمن ينعطف على غيره حنواً عليه وترؤفاً كعائد المريض في انعطافه عليه والمرأة في حنوها على ولدها ، ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم « صلى الله عليك » أي ترحم عليك وترأف . والمراد بصلاة الملائكة قولهم « اللهم صل على المؤمنين » جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة ، والمعنى هو الذي يترحم عليكم ويترأف حين يدعوكم إلى الخير ويأمركم بإكثار الذكر والتوفر على الصلاة والطاعة { لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } هو دليل على أن المراد بالصلاة الرحمة . وروي أنه لما نزل { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ } قال أبو بكر : ما خصك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فنزلت { تَحِيَّتُهُمْ } من إضافة المصدر إلى المفعول أي تحية الله لهم { يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } يرونه { سَلَـٰمٌ } يقول الله تبارك وتعالى السلام عليكم { وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً } يعني الجنة . { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً } على من بعثت إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم أي مقبولاً قولك عند الله لهم وعليهم . كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم ، وهو حال مقدرة كما تقول « مررت برجل معه صقر صائداً به » إي مقدراً به الصيد غداً { وَمُبَشّراً } للمؤمنين بالجنة { وَنَذِيرًا } للكافرين بالنار { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ } بأمره أو بتيسيره والكل منصوب على الحال { وَسِرَاجاً مُّنِيراً } جلا به الله ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به . والجمهور على أنه القرآن فيكون التقدير وذا سراج منير أو وتالياً سراجاً منيراً ، ووصف بالإنارة لأن من السرج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته ، أو شاهداً بواحدانيتنا ومبشراً برحمتنا ونذيراً بنقمتنا وداعياً إلى عبادتنا وسراجاً وحجة ظاهرة لحضرتنا { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً } ثواباً عظيماً { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } المراد به التهييج أو الدوام والثبات على ما كان عليه { وَدَعْ أَذَاهُمْ } هو بمعنى الإيذاء فيحتمل أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي اجعل إيذاءهم إياك في جانب ولا تبال بهم ولا تخف عن إيذائهم ، أو إلى المفعول أي دع إيذاءك إياهم مكافأة لهم { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } فإنه يكفيكهم { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } وكفى به مفوضاً إليه . وقيل : إن الله تعالى وصفه بخمسة أوصاف وقابل كلاً منها بخطاب مناسب له ، قابل الشاهد { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لأنه يكون شاهداً على أمته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم وهو الفضل الكبير ، والمبشر بالإعراض عن الكافرين والمناققين لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين وهو مناسب للبشارة ، والنذير بـ { وَدَعْ أَذَاهُمْ } لأنه إذا ترك أذاهم في الحاضر والأذى لا بد له من عقاب عاجل أو آجل كانوا منذرين به في المستقبل ، والداعي إلى الله بتيسيره بقوله { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } فإن من توكل على الله يسر عليه كل عسير ، والسراج المنير بالإكتفاء به وكيلاً لأن من أناره الله برهاناً على جميع خلقه كان جديراً بأن يكتفى به عن جميع خلقه . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي تزوجتتم . والنكاح هو الوطء في الأصل وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له من حيث إنه طريق إليه كتسمية الخمر إثماً لأنه سببه ، وكقول الراجز . أسنمة الآبال في سحابه سمى الماء بأسنمة الآبال لأنه سبب سمن الآبال وارتفاع أسنمتها . ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به ، ومن آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان . وفي تخصيص المؤمنات مع أن الكتابيات تساوي المؤمنات في هذا الحكم إشارة إلى أن الأولى بالمؤمن أن ينكح مؤمنة { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } والخلوة الصحيحة كالمس { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } فيه دليل على أن العدة تجب على النساء للرجال . ومعنى { تَعْتَدُّونَهَا } تستوفون عددها تفتعلون من العد { فَمَتّعُوهُنَّ } والمتعة تجب للتي طلقها قبل الدخول بها ولم يسم لها مهر دون غيرها { وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } أي لا تمسكوهن ضراراً وأخرجوهن من منازلكم إذ لا عدة لكم عليهن .